الحرية التي نطالب بها وندافع عنها.. مسئولية والتزام.. وهي إن لم تكن كذلك فسوف تصبح فوضي «

الحرية هي أغلي ما يملكه أي واحد منا.. وثمنها هو أغلي ثمن يدفعه أي واحد منا.. لذلك فإن قيمتها عند كل واحد منا لا تقارن بأي شيء آخر.. وهي لا تقبل المساومة أو المبادلة ولا حتي الانتقاص منها.

طبعا كل تلك الكلمات تنطبق علي الحرية الشخصية لكل واحد منا.. لكنني أتحدث تحديدا عما نسميه حرية الصحافة.. وهو تعبير يعني في مفهومه الواسع حرية الحصول علي المعلومات وحرية تداولها وحرية تحليلها وابداء الرأي حولها.

كل تلك الحريات هي التي عشنا عمرنا الصحفي كله نناضل من أجلها وندافع عنها وبعضنا ضحي بحريته الشخصية وبحياته أيضا من أجلها. وقف الصحفيون أمام كل قانون يهدد حرية الصحافة أو ينتقص منها في كل العصور.. من عهد الخديو إلي السلطان والملك ثم الرئيس والزعيم والفرعون أيا كان اسمه. ولم تكن تلك المواقف من أجل هدف شخصي.. بل كانت دائما من أجل صالح الوطن الذي يعلي من شأنه أن تكون هناك حرية رأي ومعلومات.. وصالح المواطن الذي يعلي من قدره أن تكون لديه صحافة حرة واعلام حر.

ولكن الحرية مسئولية.. وهي ان لم تكن كذلك فسوف تصبح فوضي.. الحرية التزام.. وهي ان لم تكن كذلك لتحولت إلي طعن وطحن وصراعات ليس لها نهاية. ولذلك علينا أن نقدر المسئولية أولا ونحافظ علي الالتزام ثانيا حتي نكون جديرين بالحرية التي نطالب بها ونعيش من أجلها.

لم تكن تلك الكلمات مجرد مقدمة.. ولكنها صلب الموضوع.. ولا أريد أن أصادر حق زملائي في رفض بعض مواد قانون مواجهة الإرهاب المقرر صدوره خلال أيام ليساعد الدولة في أن تواجه الخطر الداهم الذي يهددها وهو ذلك الإرهاب الأسود الذي يطل علينا في كل يوم ومن كل مكان.

القانون المقصود يضم مواد عديدة.. لكن نقابة الصحفيين اعترضت علي خمس مواد من منطلق انها تقيد حرية الصحافة والصحفيين.. وتهددهم بالسجن المشدد والغرامات العالية في جرائم تبدو فضفاضة أو غير محددة.

المواد (26، 27، 29، 37) تنطبق علي الصحفيين وغيرهم لأنها تتحدث عن أفعال ارهابية أو تساعد علي الإرهاب.. أما عن المادة 33 فهي تقول : يعاقب بالحبس الذي لا تقل مدته عن سنتين، كل من تعمد نشر أخبار أو بيانات غير حقيقية عن أي عمليات إرهابية بما يخالف البيانات الرسمية الصادرة عن الجهات المعنية، وذلك دون إخلال بالعقوبات التأديبية المقررة في هذا الشأن. وهي مادة موجهة لمن « يتعمد « نشر أخبار « كاذبة « عن أي عمليات ارهابية.. وأبرز مثال لهذه الجريمة المهنية الخطيرة هو ماحدث في يوم الأربعاء قبل الماضي في سيناء.. وقتها تسابقت بعض الصحف والمواقع الألكترونية إلي نشر الأخبار الكاذبة التي تعتمد علي مصادر الإرهابيين أنفسهم وبالغت في أرقام شهداء الجيش مما كان له تأثير بالغ علي الشعب الذي تصور أن جيشه لقي هزيمة ساحقة.. وكانت الحقيقة أن الجيش قد دحر هذه الهجمات وقام أبناؤنا ببطولات خارقة وقدموا تضحيات بالغة. ونحن في بوابة أخبار اليوم لم ننزلق إلي هذا الفخ لأننا كنا نثق في جيشنا قادة وضباطا وجنودا.

وهنا يجب أن نتوقف.. ماذا يمكن أن نسمي من ينشر مثل تلك الأخبار الكاذبة الملفقة.. والتعمد هنا واضح بالطبع ولا يمكن أن يمر من دون عقاب.. وهل يمكن أن نسمي هذه الجرائم في حق الوطن والشعب والجيش حرية صحافة.. بالطبع لا.

اجتماع رئيس الوزراء بممثلي الجماعة الصحفية أول أمس أسفر عن الاتفاق علي تعديل المادة لتقتصر العقوبة علي الغرامة وعلي قضايا الأرهاب فقط.

مصر في حالة حرب.. وهي تحارب قوة منظمة وممولة ومدعومة بكل الوسائل.، ولابد أن نقف جميعا في خندق واحد مع الدولة ضد الأرهاب.. وألا نفتعل معارك جانبية أو ننزلق إلي خلافات تدعمها المصالح الشخصية أو الأنتخابية.. كل دول العالم حتي في أعرق الديمقراطيات تفرض قوانين أشد وأقسي علي من يهدد الأمن القومي ويهدد مؤسسات الدولة ويقوض أركانها.

لابد أن يقف الصحفيون صفا واحدا ضد هذا الخطر وألا ينقسموا أو يخرجوا من المعركة أو يتركوا الوطن وحيدا.