الطفلة الضحية
الطفلة الضحية


روان: "من الجوع كنت أتناول أكل البط وأشرب من المسقى بتاعته"

ابنة الـ 7 أعوام تروي تفاصيل تعذيبها من "أمنا الغولة"

أخبار الحوادث

السبت، 06 نوفمبر 2021 - 12:39 م

كتبت: إيمان البلطي

 قديمًا قالوا «اللي بلا أم.. حاله يُغم» وقد صدقوا. هذا ليس مثلًا دارجًا سمعناه وحسب، بل هي حقيقة تعيشها أجيال بعد أجيال ممن فقدوا أمهاتهم. و»روان» ليست إلا طفلة من ضمن أطفال عدة عانوا نفس معاناتها وأكثر، إلا أنها فى حالتها تلك كانت معاناتها مضاعفة؛ طفلة فى الخامسة من عمرها فقدت العيّش مع أمها بعد طلاقها من أبيها، وتعيش مع زوجة أبيها التى تتفنن في تعذيبها، وإن هي أرادت أن تعود لأمها تكالب عليها الأب وزوجته ضربًا وحرقًا، وما زاد الطين «بلة» أنهم أوهموها بأن أمها هي شر البرية وأنها «عفريتة» ستؤذيها، وأنها إن عاشت معها ستموت لا محالة، ولصغر سنها صدقت، وأضحت بين نارين، نار زوجة أبيها الحارقة ونار أمها الوهمية، فاختارت نارًا ثالثة، وهي الهرب.

تفاصيل أكثر عن قصة «روان» ابنة مركز الشهداء بمحافظة المنوفية فى السطور التالية.

صراخ فى الغرفة المجاورة، غرفة أمهم وأبيهم، وبعد دقائق دخلت الأم على أطفالها فى غرفتهم وألبستهم الثياب وأخذتهم معها إلى بيت أبيها. وبالرغم من سؤال الطفلين الملح على أمهم الباكية فى الطريق إلى بيتها عن ما حدث، إلا أن صمت الأم كان هو المخيم عليها، ولم تفلح محاولتهم تلك فى جعلها تنطق لهم بجملة مفيدة. وفى منزل «أحمد جاب الحق»، وبعد صلاة العشاء، دخلت ابنته «ريهام» وهى تحمل طفلتها «روان» بيد وتمسك بيدها الأخرى «محمد».

عرف الأب بعدها تفاصيل المشاجرة التى حدثت بين ابنته «ريهام» وبين زوجها المدعو «ر.ج» وأدرك فى قرارة نفسه أن تلك المشاجرة ليست كأي مرة، بل أنهم فى طريقهم إلى الانفصال. وقد كان.

كان «محمد» صاحب الـ 7 سنوات يلعب مع شقيقته «روان» – التي تصغره بعامين – أمام منزل جدهما، وفجأة سمعا صوت أمهما تنادي عليهما، وعندما دخلا المنزل قالت لهما ودموعها على خدها: «يالا عشان تلبسوا وتروحوا مع جدكم مشوار».

ارتديا ثيابهما وحمل كل منهما حقيبته وذهبا مع جدهما، وهناك – فى مكان به الكثير من الرجال – لم يتعرفا على أحدٍ إلا أبيهما، وسرعان ما ركضا نحوه، وارتميا فى حضنه. بفطرتهما البريئة. ولم يعرفا أن هذا الجمع من الرجال ما هو إلا مجلس عرفي، شُكِل خصيصًا بين عائلة أبيهما وعائلة أمهما حتى يتفقان على الشروط المتعلقة بالطلاق، والتى كان من ضمنها أن يعيش الطفلان مع أبيهما، وهذا الشرط جاء بعد عدم موافقة الأب دفع نفقة أطفاله، والأدهى والأمرّ أن تراهما أمهما وفقًا للميعاد والمكان الذي يحدده أبيهما. وهنا كانت بداية الطامة على الطفلين، وخصوصًا «روان».

 بعد شهور من تلك الواقعة، تزوج والدهما بـ»هنادي»، واشترطت عليه أن تربي ابنها «إسلام» من زوجها الأول مع أولاده، وبدأت المعاناة.

زوجة الأب

كلنا نعلم قصة أمنا «الغولة» تلك القصة التى كنا نسمعها ونحن صغار عن تلك السيدة التى كانت تُرسل الشاطر حسن لشراء ما تطلبه وهى فى البيت تعذب أخته ست الحسن، مستغلة غيابه، وهذه القصة بالرغم من أنها فلكلورية بعض الشيء إلا أنها كانت تطبق بحذافيرها فى حياة الصغيرة، وهو ما جاء على لسانها اثناء لقائنا بها.

 تحكي الصغيرة أن زوجة أبيها كانت تتفنن فى تعذيبها وتقول: «كانت تخلى محمد أخويا يروح يجيب لها طلبات وتخليني أغسل المواعين وامسح الشقة، ولو قلتلها لا ولا التنضيف معجبهاش تسخن المعلقة وتحطها على جسمي، ولما بابا بيرجع كنت بقوله لكن هو كان بيضربني كمان ويقولي لازم تسمعى كلام أمك الجديدة، عشان أمك الأولى دي مش كويسة ولو روحتى عندها هتعيشي مع العفاريت وهيموتوكي».

هذا لم يكن كل ما تتعرض له الصغيرة، فقد أضافت قائلة: «لما ببقى جعانة مكنتش بتخليني أكل، وكانت لازم تطلب طلبات كتيرة وإن خلصتها تأكلني، ولو مخلصتهاش أنام من غير عشا، وعشان ببقى جعانة كنت بستحمل كل اللي بتطلبه مني واعمله، لكن مكنش بيعجبها وبرضه بتضربني».

واختتمت: «فى مرة كنت جعانة قوي ومش قادرة على شغل البيت، وقالتلي اطلعي أكلي البط اللي فوق، فأكلت الأكل بتاع البط وشربت الميه اللي قدامهم، ولما عرفت ضربتني برضه».

وبعد أن عاد الأب من عمله وعرف ما أقدمت عليه طفلته، من المفترض أن يعرف لماذا تترك بهذا القدر من الجوع حتى تقدم على ما فعلته، لكن أعماه ضميره واستمع من زوجته وضرب هو الآخر الصغيرة ضربًا قاسيًا.

من ضمن المواقف أيضًا التى روتها الصغيرة أنها كانت تقف مع زوجة أبيها فى المطبخ أثناء تسخين عدة أرغفة، ومن جوع الصغيرة مدت يدها لتتناول لقمة من رغيف، لكن زوجة أبيها اسرعت ووضعت على يديها تلك الآلة الحديدية التى تغرف بها الرغيف من الفرن، ما أدى إلى حرق الطفلة فى يديها حرقًا حتى الآن مكانه وآثاره موجود.

بعد أسبوع كان موعد لقاء «ريهام» وأطفالها فى إحدى الحدائق، وهناك اكتشفت الأم أن ابنتها على جسدها آثار حروق، وأن ابنها هزيل وكأنه لم يأكل منذ سنة، هذا غير ان الأب كان يجبر الطفلين على كره أمهما بشكل غريب، لفقوا عليها الأكاذيب على مسمع ومرأى «محمد» و «روان»، حتى أن الطفلين وصل بهما الوضع أن خافا أن تحتضهما أمهما؛ خشية من العفاريت التى ستصيبهما إن لمستهما، وهذا ما قاله لهما والدهما.

وعلى هذا الحال مرة تقابلهما ويعاملونها بجفاء، ومرة تذهب لمقابلتهما ويمنعهما أبيهما، وفى كل مرة يراود «ريهام» فكرة أن تحرر محضرا بذلك وتطلب رؤية أطفالها، لكن أبيها كان يعترض على ذلك خشية من القيل والقال. 

هروب

وعلى هذا الحال لأكثر من سنتين عاشتهما الصغيرة فى كنف أبيها وزوجته تتعرض لشتى أنواع العذاب، وزاد عذابها أكثر بعد أن أنجبت زوجة أبيها توأما وانصرف أباها أكثر وأكثر لأولاده من زوجته الثانية مهملًا ابنته روان وأخيها محمد إهمالًا أكبر من ذي قبل، وزاد عذاب زوجة أبيها لها وأخيها أكثر مما سبق. مما أدى إلى هروبها مرة من البيت فى غفلة ، وركبت القطار دون أن تعرف إلى أين تتجه، لولا أن وجدها أحد الأقارب فى محطة القطار وعاد بها إلى البيت. ومرة أخرى بدلا من أن يسمعوا لها ويعرفون سبب ما أقدمت عليه ضربها  أبوها بآلة حديدية، وصرخاتها وحدها هي التي انقذتها من بطش أبيها وزوجته بعد أن تدخل الجيران لإنقاذها.

بعد أن بلغت الصغيرة السابعة ودخلت المرحلة الابتدائية فى مدرسة قريبة من بيتها، لاحظ مدرسوها ومديرها مدى السوء الذي عليه «روان» من ثياب متسخة وغير نظيفة ورائحة كريهة وشعر غير ممشط، على الفور أمر مدير المدرسة الأخصائية الاجتماعية الأستاذة محضية الشوالي بالجلوس مع «روان» ومعرفة سبب الحالة التى عليها.

وكأن الطفلة تحتاج من يسمعها، حيث قصت على الأستاذة تفاصيل ما تتعرض له، وكشفت عن ما بجسدها من آثار حروق وكدمات، هنا فزعت المُدرسة من هول ما رأته عيناها، وعليه أبلغت مدير المستشفى بما عرفته، فأرسل فى طلب الأب وزوجته، وأمضاهما على إقرار بعدم التعرض لها مرة أخرى، لكن هيهات أن يستجيبا، فما أن عادوا إلى البيت حتى ضربها الأب وزوجته، بل وعلقها من ثيابها على الجدار، لولا أن صراخها أيقظ الجيران مرة أخرى من نومهم الساعة الرابعة بعد الفجر ودخلوا الشقة عنوة وأنقذوا الصغيرة من أيدى والدها وزوجته، ولم يتركوها إلا بعد أن عادوا بها إلى أمها.

وهناك أقنعوا الأم بضرورة تحرير محضر بالواقعة وطلب الكشف الطبي على الصغيرة، وبالفعل استجابت الأم وأبيها وحررا محضرًا فى قسم شرطة الشهداء يحمل رقم ١٢٨٦٠ لسنة ٢٠٢١ م جنح الشهداء، وعليه بعد تحري الأجهزة الأمنية تم اقتياد الأب وزوجته إلى مقر قسم الشرطة وإحالتهما إلى النيابة العامة التى أمرت بدورها استعجال تقرير الطب الشرعي لحالة «روان» وتوضيح ما بها من كدمات وحروق وتقرير لجنة حماية الطفل بالإضافة إلى حبسهما 4 أيام على ذمة التحقيق. 


الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة