إحياء ذكرى ضحايا الجزائر على يد الاحتلال الفرنسى
إحياء ذكرى ضحايا الجزائر على يد الاحتلال الفرنسى


ماكرون أول رئيس فرنسى يعترف بمذبحة باريس منذ 60 عاماً

«فرنسا – الجزائر».. الحصاد المر

آخر ساعة

الأحد، 07 نوفمبر 2021 - 10:28 ص

خالد حمزة

رغم مرور 60 عاما على انتهاء الاحتلال الفرنسى للجزائر الذى استمر لـ132 عاما، لا تزال صفحة الماضى وحصادها الموجع، تلقى بذكرياتها التاريخية الثقيلة على مستقبل العلاقات الفرنسية الجزائرية، وتقف حجر عثرة أمام توقيع معاهدة صداقة بين البلدين، وكما تقول الصحافة الجزائرية والفرنسية فإن الماضى يستيقظ من سباته، ويطفو على السطح، وتهب رياحه الشديدة، رغم محاولات الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون، للاعتذار والاعتراف لأول مرة رسميا بالمجازر التى ارتكبها الاحتلال الفرنسى للجزائر عبر تاريخه المرير، بل وحضوره مراسم تأبين على ضفاف نهر السين، لضحايا جزائريين قمعتهم الشرطة الفرنسية فى باريس منذ 60 عاما.

 

واستنكر الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون الحملة الدموية التى شنتها الشرطة على المتظاهرين الجزائريين فى باريس قبل 60 عاماً، ووصفها بالجريمة التى لا تغتفر للجمهورية وهو أقوى اعتراف من رئيس فرنسى بما حدث

وكانت فرنسا قد فرضت حظر التجول على ما يسمى بالفرنسيين المسلمين من الجزائر فى نهاية حرب التحرير، وتصدت الشرطة الفرنسية بأوامر من قائد شرطة العاصمة باريس فى ذلك الوقت، لمظاهرة نظمها نحو 25 ألف جزائرى مؤيد لجبهة التحرير الوطنى، احتجاجًا على حظر التجول المفروض على الجزائريين، وتم سحق المظاهرات بالقوة المفرطة، وضربت الشرطة الفرنسية العشرات حتى الموت وأطلقت النار على آخرين، وعثر على بعض الجثث فى وقت لاحق فى نهر السين.

وحضر ماكرون مراسم إحياء للذكرى الستين للواقعة، التى أقيمت على ضفاف نهر السين بالقرب من جسر بيزون الذى سلكه المتظاهرون الجزائريون قبل ستين عاماً، والذين جاءوا من حى نانتير الفقير؛ استجابة لدعوة فرع جبهة التحرير الوطنى فى فرنسا مما يجعل ماكرون أول رئيس فرنسى يحضر مثل هذه المراسم لإحياء الذكرى.

ويعد ماكرون، أول رئيس فرنسى ولد بعد حرب الجزائر، يتحدث إلى أقرباء الضحايا كإشارة غير مباشرة للاعتذار لهم نيابة عن الأمة الفرنسية، وكانت الرئاسة الفرنسية قد ذكرت أنه تم إطلاق الرصاص الحى فى هذا المكان، وتم استخراج الجثث من نهر السين، وذلك ردا على اختيار مكان إقامة الذكرى.

وحتى اليوم، لا يزال العدد الحقيقى للضحايا فى ذلك اليوم الدامى غير معروف بالتحديد، وتشير بعض التقديرات إلى أن العدد اقترب من 200 شخص وعدد غير معلوم من المصابين والمفقودين، فى حين كانت الحصيلة الرسمية المعلنة وقتها لاتتعدى الثلاثة قتلى.

وفى رسالة للشعب الجزائرى فى الذكرى، دعا الرئيس الجزائرى عبد المجيد تبون، إلى معالجة ملفات الذاكرة مع فرنسا بعيدا عن الفكر والإرث الاستعمارى، واعتبر أن ما حدث يعكس وجها من الوجوه البشعة لسلسلة المجازر والجرائم ضد الإنسانية، وكان الرئيس تبون قد أعلن عن دقيقة صمت سنويا فى كل أرجاء البلاد، إحياء لذكرى أرواح الشهداء، وجاءت المناسبة فى ظل أزمة بين الجزائر وفرنسا، أدت إلى استدعاء السفير الجزائرى من العاصمة باريس، ردًا على تصريحات للرئيس ماكرون نقلتها عنه صحيفة لوموند الفرنسية، شكك فيها فى وجود أمة جزائرية قبل الاستعمار الفرنسى لها.

وتطالب الجزائر منذ الاستقلال منذ 60 عاما، وعلى امتداد حكم الرؤساء المؤسسين للجمهورية، والذين شاركوا فى حرب التحرير والاستقلال، وأبرزهم أحمد بن بيلا هوارى وبومدين وعبد العزيز بوتفليقة، والعديد من الأحزاب السياسية الجزائرية وأسر المفقودين والشهداء فى بلد المليون شهيد كما يطلق على الجزائر، باعتراف فرنسى رسمى بالمسئولية عن جرائم الاستعمار بين عامى 1830 و1962. لكن باريس كانت تؤكد دائما، أن الأبناء لا يمكن أن يعتذروا عما جناه الآباء، وتدعو إلى غلق الملف نهائيا، وعقد معاهدة صداقة طويلة المدى بين البلدين، ولكن مع مجىء الرئيس الفرنسى ماكرون منذ 4 سنوات، تغيرت النظرة الفرنسية بشكل تام.

وسبق وأثار ماكرون غضب بعض التيارات السياسية الفرنسية، عندما قال فى حوار مع صحيفة ليفيجارو الفرنسية، أن 132 عاما من الاستعمار الفرنسى للجزائر، شهدت جرائم وأفعالا تصنف اليوم بوصفها جرائم ضد الإنسانية، كما دعا خلال زيارته للجزائر منذ أكثر من 4 سنوات وبعد وصوله لكرسى الرئاسة فرنسا للاعتذار عن جرائم الماضى، خاصة التى ارتكبت أثناء حرب استقلال الجزائر، والتى انتهت بالاستقلال عام 1962.

وأثارت تعليقات ماكرون ردود فعل غاضبة فى سباق انتخابات الرئاسة السابق، داخل أوساط القوميين واليمين المتطرف وعلى رأسه زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبن وآخرون، والذين استنكروا ما قاله ووصفوه بأنه يعبر عن كراهية لتاريخ فرنسا، ولكنها لاقت ترحيبا فى الجزائر، لأنها لم تكن مألوفة من أى رئيس فرنسى سابق لماكرون.

ولكن على أرض الواقع هل يؤثر ذلك على العلاقات بين البلدين وعلى جماعات الضغط والمنتفعين من تلك العلاقات؟.. البعض يرى أن الصين والحليف الروسى التقليدى للجزائر، عاملان غيرا من معطيات العلاقات مع فرنسا، إلا أن أهم عامل هو ظهور جيل جديد من النخب السياسية والاقتصادية، والتى وضعت العلاقات الجزائرية - الفرنسية بعيداً عن الإملاءات، كما أن الإرث التاريخى فى ظل الإلحاح الجزائرى بخاصة على مستوى الجمعيات والأسرة الثورية المطالب باعتراف مستعمر الأمس بجرائمه فى الجزائر، شكل ضغطاً على السلطات، ومنذ سقوط منظومة الفساد فى الجزائر، بدأت الحسابات تضع مصالح الجزائر عنوانا لكل مفاوضات ولكل مشاريع شراكة، وحرصت الجزائر على تنويع شركائها، خاصة بعد دخول الجزائر لمشروع خط الحرير الذى سيمنحها فرصة الاندماج فى الاقتصاد العالمى

 كما عرفت العلاقات الجزائرية الفرنسية توترا حقيقيا منذ أن سقطت منظومة االكومبرادورب، وهى مصطلح يعبر عن جماعة ضغط من رجال الأعمال والسياسيين والمثقفين المرتبطين تاريخيا واقتصاديا وثقافيا بفرنسا ومصالحها فى الجزائر وفى قطاعات حساسة، تسببت للجزائر فى خسائر تعد بالمليارات وفى انتشار الفساد، خاصة فى السنوات العشر الأخيرة من حكم الرئيس الراحل بوتفليقة.

ورغم ذلك، يرى هؤلاء المستفيدون، أن ما يحدث بين البلدين سحابة صيف، فلا الجزائر تستطيع الاستغناء عن خدمات فرنسا مع وجود جاليتها هناك، ولا فرنسا باستطاعتها الاستغناء عن ثروات الجزائر وفرص التجارة والاستثمار، وفى يناير 2020، كان أول القرارات التى اتخذها الرئيس تبون، وقف العمل مع مكاتب الدراسات الأجنبية فى المشاريع الكبرى، والتى أكد أنها تستنزف سنوياً من خزينة الدولة خسائر بقيمة 10 مليارات دولار، وكانت الغالبية العظمى من تلك المكاتب فرنسية. وهى المكاتب التى كانت تختص بإعداد دراسات عن مشاريع تتعلق بقطاعات البنية الأساسية، وقد تم منح العقود لمكاتب الدارسات الفرنسية بطرق غير قانونية وأخرى لم تكن البلاد بحاجة لخدماتها، ثم قررت الحكومة الجزائرية منح الأولوية لمكاتب الدراسات المحلية فى مختلف المشاريع التنموية، وخلال مظاهرات الحراك الشعبى مطلع 2019 التى طالبت برحيل نظام عبدالعزيز بوتفليقة، انتقل ملف العلاقات بين البلدين إلى الشارع الجزائري، حيث رفع المتظاهرون الجزائريون لافتات وشعارات طالبت بإنهاء النفوذ الفرنسى بالجزائر، ورفعوا شعار الجزائر ليست للبيع!

وبوادر الأزمة الاقتصادية بين الجزائر وفرنسا بدأت بالقمح، عندما قررت الجزائر فى 2018 تنويع وارادتها من القمح، بعد أن كان القمح الفرنسى محتكرا لحصة الأسد من واردات الجزائر، وتوجهت الجزائر نحو القمح الروسى، ولتنويع صادراتها منه من دول أوروبية أخرى

ولكن ورغم ذلك وطبقا لأرقام وزارة أوروبا والشئون الخارجية الفرنسية على موقعها على الإنترنت،. فإن العلاقات الاقتصادية والتجارية أحرزت تقدما سريعا منذ عام 1999، وزادت قيمة التبادل التجارى بين البلدين لثلاثة أضعاف بين عامى 1999 و2013، وتصدرت فرنسا فى عام 2019 قائمة عملاء الجزائر واحتلت المرتبة الثانية فى قائمة مورديها بعد الصين، والتواجد الثقافى الفرنسى فى الجزائر قائم بقوة، فهناك برامج لتعليم اللغة الفرنسية والتعليم باللغة الفرنسية التى تعد اللغة شبه الرسمية، لنسبة كبيرة من السكان.

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة