نعمات أحمد فؤاد
نعمات أحمد فؤاد


نعمات أحمد فؤاد.. عروس النيل عاشقة مصر

آخر ساعة

الأحد، 07 نوفمبر 2021 - 10:38 ص

 

حسن حافظ

عشق مصر وترابها كان المداد الذى تستمد منه الدكتورة نعمات أحمد فؤاد، للكتابة الأدبية والتاريخية والفكرية التى تميزت بها على مدار مسيرة أدبية وفكرية طويلة أثمرت عشرات الكتب، لتحفر اسمها كواحدة من كبار الأدباء والأديبات فى مصر القرن العشرين، فعلى مدار عقود كانت كتابات نعمات فؤاد تثير الجدل وتفجر القضايا وتحرك الراكد وتدافع عن الثوابت، فتركت خلفها ميراثا يقطر عشاقاً لمصر وأهلها، فمن شخصية مصر إلى البحث عن النيل فى الأدب، تستعيد "آخرساعة" ذكرى امرأة عظيمة رحلت عن دنيانا قبل خمس سنوات، بعدما أنفقت سنوات عمرها فى عشق مصر وترابها وحلت ذكراها قبل أيام.

جاءت نعمات فؤاد (1924-2016)، من قريتها مغاغة بمحافظة المنيا، لتستقر فى القاهرة، واستطاعت أن تبرز كواحدة من النوابغ فى المرحلة التوجيهية (الثانوية)، فكانت أول فتاة تحصل على المركز الأول على القطر المصرى فى امتحانات التوجيهية، واختارت أن تلتحق بكلية الآداب فى جامعة القاهرة، حيث حصلت على الليسانس 1948، ثم حصلت على درجة الدكتوراه فى الآداب 1959، عن نهر النيل فى الأدب، ومنذ هذه اللحظة ارتبطت بنهر النيل ومصر وتاريخها وحاضرها، فقد عشقت مصر حتى الثمالة، ودافعت عنها وعن تراثها وتاريخها بأسلوب أدبى بارز خلد اسمها فى صفحات الأدب والفكر المصرى فى القرن العشرين.

تركت الراحلة خلفها العديد من الأعمال الأدبية الخالدة، منها (إلى ابنتى)، الذى حصلت به على جائزة أفضل كتاب عن الأمومة لعام 1962، من منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، وهو كتاب يكشف عن الجوانب الأدبية والروح الرهيفة لنعمات فؤاد فى الكتابة، كما تركت دراسات أدبية عالية القيمة، مثل دراستها التى حصلت بها على درجة الماجستير عن (أدب المازنى)، التى تعد أول رسالة علمية لفتاة فى الأدب العربى الحديث فى الجامعات المصرية، وكتاب (الجمال والحرية الشخصية الإنسانية فى أدب العقاد)، وكتاب (النيل فى التراث الشعبى)، وهو جزء من رسالتها للدكتوراه (النيل فى الأدب المصرى)، والذى ضمن لها الأستاذية فى الكتب المتعلقة بالنيل، فكل من جاء بعدها يعتمد على كتابها العمدة، كما كتبت أحد أشهر الكتب عن سيدة الغناء العربى بعنوان (أم كلثوم وعصر من الفن)، وكذلك كتاب عن (أحمد رامى.. قصة شاعر وأغنية)، كما عن رؤية عصرية معتدلة للدين فى كتاب (آفاق إسلامية)، و(الإسلام وإنسان العصر.. العودة إلى المنبع)، والتى تنطلق من خلالها من ضرورة التفاعل مع الحياة المعاصرة فى ضوء أن المصريين يمتلكون حضارة عريقة تعيش فى أعماقهم، فلا ضير عليهم من التفاعل مع الحضارة الحديثة فى تماسك يحفظ علينا شخصيتنا المصرية العربية الشرقية.

ويعد كتاب (شخصية مصر) من أشهر كتب نعمات فؤاد، الذى كتبته فى عام 1968، كرد فعل على هزيمة يونيو 1967، وتبشر فيه بالانتصار القادم لا محالة من خلال قراءة الشخصية المصرية وتاريخها الطويل فى التغلب على الصعاب والهزائم، إذ ترى أننا فى حاجة لإعادة بناء الشخصية المصرية عن طريق اإعادة تفسير التاريخ فإن التبعية والذيلية فى فهم التاريخ أمر علينا أن نتحرر منه، لابد من تفسير جديد من أجل أمل، من أجل مستقبل جديد. إن التاريخ داخلنا لأنه نسيج شخصيتنا ونحن حين نقرؤه، إنما نتعرف إلى شخصياته داخلنا أو نتعرف إلى أنفسنا ذاتها، ومن هنا يجب أن يكون تدريس التاريخ فنًا ويكون تلقيه رحلة فى الحياة ماضيها وإنجازاتهاب.

لم يتوقف عطاء نعمات فؤاد عند حد تأليف الكتب التى جمعت بين الدقة التاريخية ونصاعة الأسلوب الأدبي، بل نراها تقتحم عش الدبابير، وتدشن العديد من الحملات الصحفية التى أثارت ردود أفعال لا متناهية، وكانت تشهر فى معاركها سلاح القلم الذى تكتب به بإخلاص شديد وحب لا يعرف الخوف لمصر وشعبها، فدشنت حملة بمفردها دفاعا عن هضبة الأهرامات من خطة لبناء منشآت تجارية عليها، وتصدت فى ذلك لرغبة الرئيس الأسبق أنور السادات لتنفيذ المشروع، الذى أعلن عن إنشاء ملاعب جولف فوق هضبة الهرم، فكانت لا يأخذها فى الحق لومة لائم فتقدمت بدعوى قضائية ضد رئيس الجمهورية، الأمر الذى أثار ضجة كبرى داخل مصر وخارجها، ما أدى لإجهاض المشروع وانتصرت نعمات فى النهاية، وقد سجلت هذه المعركة فى كتابها الشهير (مشروع هضبة الأهرام.. أخطر اعتداء على مصر)، ولم تكن هذه هى القضية الوحيدة التى أثارتها نعمات فؤاد، بل نراها فى قضية الحفاظ على النيل، وقضية دفن النفايات النووية النمساوية فى مصر، وقضية الدفاع عن قبة الحسين، وقضية الآثار المصرية المسروقة، وغيرها من القضايا التى اندفعت عروس النيل كما تلقب للانخراط فيها دفاعا عن حق مصر وشعبها، لذا لم يكن غريبا أن تنتصر فى مختلف هذه المعارك.

وعن المكانة الأدبية لنعمات أحمد فؤاد فى المشهد الثقافى خلال النصف الثانى من القرن العشرين، يقول خيرى شلبى فى مقدمته لكتابها (النيل فى الأدب الشعبي): االدكتور نعمات أحمد فؤاد غنية عن التعريف، إنها كما نعلم جميعا من أبرز الوجوه الثقافية العربية المعاصرة، صاحبة إسهامات بارزة ومهمة فى البناء الثقافى، كما أنها صاحبة أسلوب جزل رصين معبأ بالمعانى والأفكار والمعلومات، ثم إنها تكتب من فيض علمى غزير وعميق، وتجربة ضخمة فى القراءة والدرس والبحث والتجميع قلما توفرت لكاتبة من جيلها، وهى من القلائل الذين دانت لهن أسرار الكتابة الأدبية فامتزج أدبها بعلمها، فأصبحت مقروءة على نطاق واسع، يجد القارئ عندها متعتين، التعلم والتأدب، إذا هو لا بد أن يتعلم الكثير من عملها، ولا بد أن يستمتع بحرارة أسلوبها وجماله ودقته وصفاء عباراته وطول نفسها، ووضوح مقاصدها فى غير ابتذالب.

وعن نعمات فؤاد، سردت الكاتبة الكبيرة لوتس عبد الكريم، علاقة الصداقة التى ربطتها بالكاتبة الراحلة قائلة لـ اآخرساعةب: اجمعتنى بها صداقة وطيدة منذ منتصف الثمانينيات، وأستطيع أن أقول إن سر عظمتها هو عشق مصر، فهى عاشقة مصر وتحب ترابها وتدافع عنها، لذا كانت تندفع لتكتب ضد أى شيء يصيب هذا البلد سواء سياسيا أو اقتصاديا أو ثقافيا أو اجتماعيا، فى إطار تحمسها للدفاع عن مصر وأهلها، ورفض أى شيء يضرها، لذا كتبت عن نهر النيل والحفاظ عليه، وأذكر عندما أسست مجلة (الشموع)، أنها قامت بجولة على الأقدام من شبرا إلى حلوان لترصد كل المشاكل التى تواجه النيل، وكتبت هذه التجربة فى ثلاثة تحقيقات كانت وثيقة على كل أشكال التعديات على نهر النيلب. 

ولفتت لوتس عبدالكريم إلى جانب خاص فى شخصية نعمات فؤاد، وهو الإنصاف للشخصيات التى لم تحصل على التقدير الكامل، فمثلا سعت لكى تحصل الملكة فريدة على حقوقها الأدبية بعد انتهاء الملكية وسنوات من التجاهل، فسعت إلى إصدار جواز سفر دبلوماسى للملكة السابقة، وحصلت لها على قرار بالعلاج فى الخارج على نفقة الدولة، وكانت نعمات فؤاد ترى أن هذا كله لأن الملكة فريدة كانت يوما ملكة على مصر، فصارت جزءا من تاريخها ويجب أن تعامل فى هذا الإطار، وهو ما تكرر فى كتابتها عن طلعت حرب ودوره فى بناء الاقتصاد المصرى وكيف لم يحصل على التكريم اللائق باسمه ومكانته وما قدمه لمصر من خدمات جليلةب.

وأشارت الكاتبة الكبيرة إلى أن نعمات فؤاد كانت بارعة فى إثارة الحملات الصحفية دفاعا عن حقوق المصريين وملاحقة الفاسدين من منطلق وطنى كان دافعها الوحيد فى كل ما تفعل، ومن أكبر الحملات التى تصدت لها الدفاع عن حرم هضبة الأهرامات، ورفض إقامة النوادى والكافيهات وكل ما كان سيقام من مشروعات تجارية ستؤدى إلى تدمير هضبة الأهرامات، وهى الحملة التى قادتها بشجاعة وإصرار حتى حققت النجاح واستطاعت أن تحمى الهضبة من مصير غامضب.. وكشفت لوتس عبدالكريم بعض تفاصيل كتاب االلص والكلاب.. محنة من بنوك مصرب لنعمات فؤاد، الذى ركزت فيه على بعض أوجه الفساد داخل أحد البنوك بسبب مسئول غير مصرى دأب على تعيين أبناء المشاهير دون وجه حق، الأمر الذى تكلل بإقالته من منصبه وإعادته إلى بلده، وأضافت: ااختيار اسم الكتاب كان استعارة من رواية (اللص والكلاب)، للأديب العالمى نجيب محفوظ، لذا استأذنته نعمات فؤاد فى استعارة العنوان، وقد رحب على الفور لكنه أضاف بروحه المرحة المدققة بأن اللص الذى كتب عنه روايته كان لصا اغلباناب مقارنة باللصوص الذين تتصدى لهم نعمات فؤادب.

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة