أدونيس.. الشعر هو الوحدة الوجدانية والأبدى الانسانى
أدونيس.. الشعر هو الوحدة الوجدانية والأبدى الانسانى
الأحد، 07 نوفمبر 2021 - 01:57 م
أدونيس.. ذلك المارد الذى يعرفه القاصى والدانى فى محيط الدائرة العربية العريضة وهوامش البقعة الغربية لكن بأى صفة يعرف إلا بكونه طاقة فكرية مذهلة لا تغادر صغيرة أو كبيرة إلا اقتحمتها
وأخضعتها تحليلا وتفتيتا ومقارنة. يجوب أفق الفضاء الإنسانى فى إطلالة عابرة تكشف عن كنه الأشياء والظواهر والمفهومات ليقدم معادلته الذاتية التى تشف عن روح ثائرة مشبعة فياضة وعقل مناضل زاخر بالمعرفة يشق سراديب جديدة تدحر كافة الالتواءات والتعرجات التى تخترق الذات الثقافية العربية من ذلك كان شرسا مع الأصوليات الفكرية لا تنهكه معاركها لأنه يخوضها براية العصمة التى تنسف ذلك الوثن الذهنى الشامخ وتعصف بتلك التناقضية والازدواجية التى يحملها بعد أن باتت مكونا أصيلا فيه فبين هواية التساؤل وعشق الكلمة وصوفية الفكر وعلمية النظرية
وغواية الفن والهامات الشعر، كانت محاولة أدونيس من أهم المحاولات الرائدة فى التاريخ الثقافى العربى عبورا نحو الحقيقة، لكن الحقيقة نسبية وانسيابية بحيث تظل الفضيلة العليا هى البحث عنها وليس الإمساك بها مهما تفاوتت مراتب السمو المعرفى، ولم يكن ذلك يمثل لديه مدعاة لليأس قدر ما زاده استبصارا وتوهجا واقبالا على صفحات الكتب والموسوعات ليستقصى اللا مكتوب واللا مفكر فيه وليؤكد أن كنوز
المعرفة تشق الضباب لأنها الحصانة المثلى التى تصمد لمتغيرات الأزمان.
ثقافتنا العربية المعاصرة تتقوقع فى بؤرة القطيعة المعرفية مع نفائس التراث وكذلك مع أحدث التيارات الفكرية التقدمية فى الثقافة الغربية.. ما هو تشخيصك لهذه الوضعية الغرائبية؟
بداية لا بد أن نعترف بأن الثقافة العربية تتعرض لمأزق تاريخى وربما مستقبلى نظراً لغياب مسار الأسئلة الكيانية واستحواذ المسار التقليدى وما لم تنفصل عن هذا المسار فلن تستطيع أن تخوض جولات الإبداع والابتكار. فإزدواجية المأزق تتمثل فى نبذ التراث وتجاهل اشعاعاته والقصور عن بلوغ الوقفة النقدية منه، وفى ذات الآن لا ترانا نمتلك نوعا من الإلمام بما تموج به الساحة الثقافية الغربية، فرغم تحول ولائنا نحو هذه الثقافة إلا أننا لم نستطع أن نقتحم جوهرها ونستمسك بالأسس الموضوعية التى انطلقت منها.
والمتأمل فى حياة الإنسان العربى يجد فارقاً مروعاً بين النقلة الجذرية الحياتية ومستوى الثقافة والفكر وفى رؤيتى أن مرجعية ذلك إنما تعود بالضرورة للتعايش السلبى مع الماضى وطغيان رقابة الوعى الدينى التى هى ضد الدين إذ إنها تقلص أفق العالم الدينى وتحصره فى المحرم والمحلل بينما هو ليس كذلك على الإطلاق. فضمن الآفات العقلية التى هى إحد أبعاد المأزق الثقافى أن المال العربى هو مال معاد للثقافة من ثم لا علاقة له بالبعد الحضارى على عكس المال الأوروبى الذى أسس المتاحف والعديد من مراكز البحث العلمى والمعرفى.
التراث كلمة تجر وراءها قضايا وأفكار وأشخاص وتاريخ وما أكثر تداول هذه الكلمة فى المحيط العام والثقافى بشكل أخص.. فى رؤيتك هل يمثل استحضار التراث ميكانيزما نفسياً للذات العربية فى مواجهة التراجع والإنسحاق البشع أمام الآخر؟
الساحة العربية منقسمة حول التراث كما تنقسم دوماً حول البداهات ففريق فيها يتعامل معه باعتباره سبة أو نقيصة تاريخية إذ يجسد الرجعية ليس إلا باعتباره ماضياً والآخر يعتبره ذخراً حضارياً يحمل رؤية تقدمية تتوازى مع ظلال المستقبل، ولعل أولئك وهؤلاء وعلى سبيل المثال لا يعرفون أن كتاب النفرى «المخاطبات والمواقف» لو كان موجوداً فى فرنسا أو بريطانيا أو أى بلد أوروبى آخر لأحدث هذا النص لديهم ثورة كبرى فى الكتابة الشعرية وكذلك تجهل الكثرة أن الشعر العربى هو أقدم شعر حديث أو أحدث شعر قديم فى كل التاريخ فمنذ نحو ألفى عام ونحن نكتب باللغة ذاتها
وهذا لا وجود له فى كل شعوب العالم إذ أن أحدث لغة فى العالم عمرها نحو سبعمائة عام.
وليس كل هذا غريباً فالعرب اليوم أقل البشر معرفة بالشعر وباللغة وبالتاريخ، فالأمريكيون
والأوروبيون واليابانيون والروس أكثر معرفة بالشعر منهم وأن موت الشعر عندهم هو موت اللغة العربية. بينما الطاقة الإبداعية الأولى عند العرب هى الطاقة الشعرية.
الشعر هو الشرط الفردوسى للغة هكذا تحدث الشاعر الفرنسى «بول فاليرى» فما هو الشعر عند أدونيس وكيف أدرت الجولة الكبرى مع ديوان الشعر العربى؟
الشعر هو الوحدة الوجدانية بين العابر التاريخى والأبدى الإنسانى واللغة العربية هى لغة انبثاق وتفجر
وليست لغة ترابط سببى أنها لغة وميض وبصيرة وهى امتداد إنسانى لسحر الطبيعة.
الجولة التى تتحدث عنها كانت خطيرة بالفعل فقد أقمت منهجى فى مختارات الشعر العربى على اعتبارات ثابتة كان أولها القيمة الفنية الخالصة المنبثقة من جموح الموهبة المتجاوزة لحدود الزمان
والمكان والمتخطية للاعتبارات التاريخية والاجتماعية دون أن يعنى ذلك نفياً لأهميتها. لأن الشعر يكتسب قيمته من داخله ومن ثراء التجربة والتعبير وليس من كونه وثيقة تاريخية أو اجتماعية.
إن دوافعى الأساسية فى خوض تلك الجولة العاصفة مع التراث الشعرى العربى لم تكن إلا لإعادة
الاعتبار إلى الشعر كفاعلية إبداعية أولى فى الحياة العربية. وبصفة عامة لم أرد إلا إحداث انقلاب فى النظر إلى الشعر إيماناً بضرورة التحول وولادة قيم جديدة.
أنت مشغوف دوماً بالحديث عن القضايا الوجودية هل مثل ذلك دافع حيوى نحو النهوض لترجمة الملحمة الشعرية المسماة التحولات لاوفيد؟
قبل أى شئ هناك ترجمات عديدة لكتاب التحولات لكن جميعها كانت محل وقفة منى فالفرنسية تطغى
عليها اللغة التقليدية والألمانية تحقق نوعاً من التوازن بين اللغة الشعرية بجمالياتها والحرص على الدقة فى نقل المعنى. أما الانجليزية فقد تحللت من أثقال كثيرة تتصل بالأسماء والأشخاص
والأمكنة أما الترجمة العربية فهى لا تتطابق مع نظرتى الخاصة إلى الشعر. وإنطلاقاً من كل ذلك فقد قررت النهوض بالترجمة لكن الغريب حقاً أن هذه التباينات الكثيرة فى كل هذه الترجمات قد أفادتنى وبشكل ملحوظ فى بناء النص العربى، لكن قبل أى شئ بالفعل كنت منساقاً لترجمة هذا العمل لارتباطى بقضايا الوجود والمصير الإنسانى، فكتاب التحولات هو نوع من الكتابة الثابتة للأساطير اليونانية والرومانية، وقد أعاد «أوفيد» إحياء هذه الأساطير وأبطالها إلحاحاً على إبراز المضمون الإنسانى فى وصف دقيق للعواطف والأهواء والهواجس وما ينبثق عنها من سلوك.
أقرا ايضا | وزير الثقافة الفرنسي الأسبق: شعب باريس عاشق للمصريين على مدار التاريخ
الكلمات الدالة
الاخبار المرتبطة