خالد رزق
خالد رزق


مشوار

«النذور» بركة الطيبين التى غادرتنا

خالد رزق

الأحد، 07 نوفمبر 2021 - 08:09 م

كثيرة هى التغييرات التى طرأت على مجتمعنا منذ بدأ انفتاح السبعينات وحتى الآن، ومن العادات التى كانت منتشرة سائدة فى مجتمع أبناء البلد بريفه وحضره عادة النذور التى تقريباً كانت تمارسها كل سيدات البيوت وفى طيف واسع من المناسبات كمرض أحد أفراد الأسرة أو طلب النجاح والتوفيق للأبناء فى أمور العمل والحياة كالزواج وغيرها.
وأذكر أنى شخصياً وخلال سنوات طفولتى وصباى الأولى، كنت أرى جدتى وهى تعد أطباق الأرز باللبن وأرغفة الخبز البلدى المحشوة باللحم المسلوق وترسلها إلى الجامع ليطعم منها المحتاج وكل عابر سبيل، غير ما ترسله منه إلى الجيران والأقارب والمعارف والأصدقاء، وهى نفس العادة التى كانت تمارسها ربات الأسر وكبيرات العائلات من العارفات بالأصول.. والتى كانت تتجاوز فكرة النذور وما وراءها من تقرب للمولى عز وجل بإكرام عباده إلى تبادل أسباب المودة بين الأقارب والجيران محمولة على أطباق تقطع رحلات الذهاب والعودة بين بيوت الأحبة بلا انقطاع.
هذه العادات التى يتداخل فيها الإرث الدينى والاجتماعى ظلت حاكمة لمشهد المجتمع المصرى حتى حل علينا زمن الانفتاح وما بعده من سنوات مبارك العجاف والتى جرَّت على مجتمعنا الفقر وما يتلازم معه من شظف العيش الذى منع تدريجياً الأسر المتوسطة من إطلاق النذور وتبادل الود عبر صحون الأطعمة، فكيف لمن لا يملك تدبير قوت يومه أن يلتزم بنذر أو أن يتحمل كلفة التهادى المتواصل بين الأسر؟!
أتذكر ذاك الزمان وأنظر إلى أيامه وكيف كان الناس أحسن خلقاً وأطيب معشراً وأرق حالاً، وأنا أحزن على أيام خلفناها ذلك أنى أتصور أنه منذ غادرتنا هذه العادات الطيبة وصارت لا تمارس إلا فى أضيق نطاق رحلت عنا البركة، ورحل معها عنا الإحساس بحميمية الاتصال بالأقارب والجيران وبالبشر من حولنا، وحل بدلاً من كل ذلك النفور الاجتماعى وسادت مشاعر الانزعاج عند الاقتراب من الناس وحتى الهواء صار شحيحاً خانقاً.
رحم الله جدتى وجداتكم وأياما عزيزة غابت.


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة