لا أعرف من أين أبدأ؟.. القلم يعجز عن وصف حالة الحزن والأسي التي سادت الشارع المصري بمجرد الإعلان عن استهداف موكب النائب العام المستشار هشام بركات بسيارة مفخخة.. لحظات الترقب لنتائج الحادث مضت ثقيلة ومؤلمة حتي تأكدت وفاته.
مات محامي الشعب - وهو التوصيف القانوني لوظيفة النائب العام- استشهد صائما في عملية إرهابية قذرة أفسدت علي المصريين احتفالهم بالذكري الثانية لثورة ٣٠ يونيو.. عملية ناجحة ١٠٠٪ حققت أهدافها وبعثت برسالة قوية أن الإرهاب الأسود يستطيع أن يصل إلي رموز النظام ورجال القضاء لكنها لم تنجح في النيل من عزيمة المصريين واصرارهم علي هزيمة الإرهاب مهما كان الثمن.. الاجماع علي إدانة الحادث من كل طوائف الشعب - ما عدا قلة - من الخونة والمأجورين والمغيبة عقولهم- وما تناقلته مواقع التواصل الاجتماعي من عبارات تؤكد أن إرادة المصريين لن تنكسر أبدا وأن من خططوا ومولوا ونفذوا هذه الجريمة البشعة لن يفلتوا من العقاب دليل علي وقفة الشعب وقفة رجل واحد ضد الإرهاب.
انتقل الآن إلي مربط الفرس.. بعد كل عملية إرهابية كبيرة نتوقف لنحاسب أنفسنا وتتوالي التصريحات عن مراجعة اجراءات تأمين الشخصيات والمنشآت العامة والمواطنين الأبرياء.. نتحدث كثيرا ونعدد أوجه القصور ونضع الخطط لتلافيها ثم نفاجأ بعملية جديدة تكشف أننا مازلنا «محلك سر». وان حديثنا عن تشديد اجراءات التأمين مجرد «دخان في الهواء» !
محاولة اغتيال وزير الداخلية السابق محمد إبراهيم كانت انذارا قويا كشف الكثير من أوجه القصور في تأمين رموز النظام والشخصيات المستهدفة ومن بينها بالطبع النائب العام.. ورغم كل ما قيل وقتها عن تشديد اجراءات التأمين إلا اننا لم نستطع أن نحبط عمليات أخري تمت بعدها في مقدمتها اغتيال القضاة في شمال سيناء.
لا أريد أن أتحدث عن أوجه القصور في تأمين موكب النائب العام ابتداء من ضرورة اقناعه بالانتقال للسكن في منطقة يسهل تأمينها والسيطرة علي مخارجها ومداخلها أو تأمين كامل المنطقة التي يقيم بها حاليا في مصر الجديدة علي مدار اليوم.. هناك تراخ أمني بلا شك.. كيف نجح من خططوا للعملية في مراقبة منطقة سكن النائب العام وتحديد المكان الأنسب لوضع السيارة المفخخة في منحني يحتم تهدئة أي سيارة وبحيث تكون علي يمين سيارة النائب العام لتصبح في أقرب نقطة إليه وهو يجلس علي اليمين في المقعد الخلفي للسيارة؟.. متي وضع الجناة هذه السيارة؟ في الفجر؟ في الصباح الباكر؟ ألم يشتبه فيهم أحد؟ ألم يستوقفهم أحد؟
اسئلة كثيرة تبحث عن اجابات لكن يبقي السؤال الأهم.. هل حدث فعلا اختراق لوزارة الداخلية؟ لا استطيع أن أجزم بالطبع.. لكن الشواهد في كل العمليات الإرهابية السابقة تؤكد أن هناك من أمد الإرهابيين بالمعلومات عن تحركات وخط سير الضباط والقضاة الذين تم اغتيالهم.. وزير الداخلية يتحمل الآن مسئولية التحقق مما يتردد في هذا الشأن ومحاسبة من يثبت امداده للإرهابيين بأي معلومات تسهل تنفيذ جرائمهم.
حديث آخر ممتد منذ شهور عن ضرورة تحقيق العدالة الناجزة في محاكمة قيادات الإخوان والتنظيمات الإرهابية.. مللنا من القول إن قانون الاجراءات الجنائية بصورته الحالية لا يحقق الهدف وأن المحاكمات المدنية لا تجدي في مثل هذه الحالات.. تصريحات كثيرة صدرت عن تعديلات تشريعية في الطريق تحقق الاسراع في هذه المحاكمات لكنها لم تر النور.. حديث الرئيس السيسي بعد تشييع جثمان النائب العام ربما يضع نهاية لهذه المهزلة بعدما سيطر عليه الغضب وتحدث بلهجة متشددة غير مألوفة عنه مؤكدا أن يد العدالة الناجزة مغلولة بالقوانين لكننا سنعدلها لنحقق العدالة في أسرع وقت بالقانون وليس بأي اجراءات استثنائية.
اتمني بعد تصريحات الرئيس أن نري قريبا هذه التعديلات التشريعية وقد خرجت إلي النور لتمهد الطريق لصدور أحكام نهائية في هذه المحاكمات تضع حدا لهذه الحالة المرتبكة التي نعيشها.
آخر كلام
قبل ان تأخذ كلماتي السابقة طريقها للنشر اليوم فاجأنا الإرهابيون بالأمس بعملية قذرة جديدة في شمال سيناء راح ضحيتها عشرات القتلي والمصابين من ضباط وجنود قواتنا المسلحة.. العملية تؤكد مرة أخري ان منظومة التأمين «فيها حاجة غلط».. لا وقت للكلام.. الشعب يريد الفعل يريد الثأر بأقسي وسيلة وفي أسرع وقت