لم يعلمنا استاذ الاساتذة مصطفي امين فقط كيف نكون صحفيين.. ولكن غرس فينا اهمية الجلوس علي الارض مع البسطاء والوقوف بجوارهم.. واعطائهم سنارة ليصطادوا بها سمكة بدلا من سمكة يأكلونها ويبحثون عن غيرها.. عشنا علي مدي سنوات كل مشاكل وازمات واحلام الفقراء في القاهرة والقري والنجوع.. شاهدنا من يعيشون تحت خط الفقر..ومن علي شفا حفرة منه.. تعلمنا الحكمة المصرية «من شاف بلوة غيره هانت عليه بلوته» والهندية «همي اخف حملا من هم غيري».
علمنا مصطفي بك ان نحترم كل المهن ونقدرالقائمين عليها عندما كان يشكر عم « اسماعيل» كلما قدم له كأس الماء المملوء بقطع الثلج صيفا او شتاء.. علمنا ان يد الفقير التي يعلوها الطين والعرق افضل من يد الوزير عندما كان يصافح اصحاب الحالات الانسانية المنتظرين وصوله في العاشرة والنصف صباحا والخامسة والنصف مساء او عند مغادرته في الواحدة والنصف ظهرا والثامنة والنصف مساء.. كان يُشعر كل محتاج بانه صاحب حق.. وكل صغير يكد ويعمل انه في طول العمالقة.. واتذكر ونحن طلاب اننا انجزنا مشروعا لتزويج الشباب المعقود قرانهم وزواجهم مهدد بالانفصال لحاجتهم لبعض الاثاث والاجهزة الكهربائية..وبعد ان «لفينا» مصر من شرقها إلي غربها وكتبنا القصص الانسانية التي نشرت بتوقيع غيرنا لاننا لم نكن معينين او اعضاء نقابة الصحفيين.. وحتي لا يضيع استاذ الاساتذة مجهودنا كتب اول ثلاث قصص في عموده «فكرة» الذي يقرأه الملايين في مصر وخارجها.. وكتب اسماء الزملاء الذين قاموا بكل العمل مما دفع الصحفيين الصغار إلي تقليده.. وعندما حضر إلي مكتبه اساتذه كبار كنا نسمع عنهم مثل موسي صبري وماما نعم وحُسن شاه وابراهيم سعده وسعيد سنبل عرفهم بنا يسبق اسم كل منا الاستاذ فلان او الاستاذة فلانة.. وقال وعلامات السعادة علي وجهه: «هما دول.. طلبة الجامعة.. اللي عملوا القصص الناجحة.. وقبل كده حريق قرية الضاهرية التي احرق الحمام المشتعل بيوتها».
لم يكن هناك سقف لاحلام البسطاء لدي استاذ الاساتذه مصطفي بيه ولدينا.. حتي لو كان الحلم ان تتحول فتاة من «شجرة جميز إلي غصن بان».. ففي احدي المرات ذهبت في دمياط لفتاة ارسلت خطابا تشكو فيه انها تعاني من السمنة.. وعندما جلست معها واستمعت لمعاناتها في الحصول علي وظيفة او زوج وماتتعرض له من سخرية.. اقترحت ان نلحقها في «جيم» لانقاص وزنها ووافق مصطفي بيه علي ذلك.. وبعد فترة سألني هل نقص وزنها.. وعندما وجدني متلعثما ووجهي يتحول للون الاحمر قال مازحا والضحكة تملأ وجهه الم تقم بقياس «وسطها».. وبالفعل نجحنا واختفت السخرية ووجدت فتاة دمياط الوظيفة والزوج