ماذا كان يمكن أن يحدث لنا وللإسلام لو كان رمضان 12 شهرا بدلا من شهر واحد
الشعور الذي يجمع بيننا جميعا في هذه الأيام من الشهر المبارك هو أن يدوم هذا الشهر بكل ما فيه.. لا أقصد الصوم طبعا لأن الذي فرضه علينا عالم بقدرنا وقدرتنا.. ولكني أقصد كل ما في هذا الشهر من مشاعر وسلوكيات ونقاء وصفاء.
تذكرت كل هذا عندما تلقيت رسالة من الصديق رفيق رسمي كتب لها عنوانا : مسيحي يتمني.. ياريت رمضان يبقي 12 شهر. قال فيها : كانت تقدم لي دعوات لحضور حفلات رمضانية في فنادق خمس نجوم في إحدي الدول الخليجية التي كنت أعمل بها.. وذات مرة ُطلب مني أن أتكلم وأفصح عن رأيي في شهر رمضان، وساد الصمت تماما علي المكان
وصعدت إلي المنصة، والجميع ينظر إليّ وينتظرون ما سوف أقول فأنا المسيحي الوحيد في الهيئة كلها منذ أكثر من عشر سنوات فالموقف في غاية الحساسية، فالجالسون كبار الشخصيات في الدولة وحاصلون علي أعلي المناصب والشهادات وخاصة أنه، ولم أفكر كثيرا وتكلمت بنية صافية وقلب محب كعادتي، وقلت : أتمني أن يصير رمضان 12 شهرا في العام.. 
فتعالي صوت الحاضرين في تذمر وضجر وضحك وتعليقات من كل صوب ولون فالبعض يقول : حرام عليك عاوزنا نصرف أموالنا كلها علي الطعام والشرب، دا احنا بنصرف فيه أكثر من السنة كلها، وآخر يقول : دا وزننا بيزيد جدا في شهر واحد فما بالك لو أصبح 12 شهر. وأحد المسئولين الكبار قال: لا أحد يعمل في رمضان وجميع المصالح الحكومية في الدولة تتعطل بحجة الصيام وتتعطل معها مصالح الشعب والدولة. وآخرون قالوا لا أنت مش عارف أن «رفيق رسمي» مخرج ورزق الفنانين كله في رمضان لغزارة الأعمال الفنية فيه، فهو موسم المسلسلات والبرامج التليفزيونية وصار كل فرد يعدد ما في شهر رمضان من مساوئ سلوكية للناس وعادات وتقاليد تؤثر سلبا علي تقدم الدولة وازدهارها وتحد وتعوق من سلوكيات الحياة الطبيعية، من زيادة الاستهلاك وشره في الإنفاق والاسترخاء والكسل وما إلي غير ذلك.
فقلت : في رمضان أجد أحبائي المسلمين تسود عليهم بقوة حالات الصدق والورع والتقوي والخوف من الله والحرص التام علي إقامة الصلاة في وقتها والتسابق علي فعل الخير بكل عزم وإصرار، وتتملكهم النخوة في إغاثة الفقير والمحتاج والمريض والمسن. ويتملك عليهم الإيثار وتفضيل الآخر، ويجتهدون بكل طاقتهم في اتباع الفضيلة والمثل العليا والأخلاق الحميدة، الكل يخاف الله، والكل يجتهد بكل قوته أن يفعل الخير ويمتنع عن أية شرور مهما كانت صغيرة، بل ويكون حريصاً كل الحرص ألا يقع في العديد من الكبائر والموبقات بل والصغائر. ومعظم اللصوص الكبار والصغار يمتنعون تماما عن أية سرقة في رمضان، بل وأن بعضهم يقيمون الموائد الرمضانية لإطعام المساكين والفقراء بسخاء بالغ ومبالغ فيه، ويسارعون في تقديم الزكاة من أموال وملابس وغيرها. هذا بخلاف غير الملتزمين دينيا الذين يقومون أيضا بنفس الأعمال وهذا كله له أثر إيجابي وقوي للغاية في التكافل الاجتماعي وبث روح التعاون بين كافة طبقات الشعب.
والكل يخاف من أن يظلم أحدا والغالبية العظمي تتملك عليه روح العدل والإنصاف وإعطاء المظلوم حقه، وبعضهم يتجنبون بشدة الاغتياب والنميمة وأكل لحم أخيه حيا. وتمنع تماما الرشاوي من وإلي الموظفين لإنهاء معاملات الناس، ومن عمل عملا في رمضان يتقنه، ويتم الحرص علي صلة الرحم، أي الود والوصال الأسري.
أشياء كثيرة للغاية رائعة تتم في رمضان لا يسعني الوقت لحصرها فالكل يردد دائما (اللهم أني صائم ) ودائما يتذكر ويقول مذكرا نفسه وغيره : « دا حرام إحنا في رمضان «
تخيلوا معي حالنا لو صار سلوك رمضان هذا من الأخلاق الدائمة المستديمة والمستدامة وأصبح عادة، أي صار نهجا ومنهجا ونمطا سلوكيا مستمرا طوال حياتهم كلها أي صار هذا السلوك هو السلوك الطبيعي طوال العام يعتادون عليه ويورثونه لأبنائهم وأحفادهم ؟ وماذا لو اتبع جميع المسلمين هذا السلوك منذ بدء الدعوة الإسلاميه من القرون الأولي وحتي الآن، أي منذ 15 قرنا. ماذا سيكون حال المسلمين الآن ؟ وماذا سيكون وضعهم الآن بين كل دول العالم المتحضر ؟
ما هو الحال الذي كانوا سيصيرون إليه لو التزموا طوال العام بتلك الفضائل ؟.. وما هو حالنا معكم وأنتم أولو الأمر منا في البلاد الإسلامية.. وكيف ستكون نظرة جميع الشعوب غير المسلمة إليهم إذا طبقوها فعلا.. وكيف كانوا سيتعايشون مع الديانات والشعوب الأخري بهذا السلوك ؟
وإيه دعوة إلي دينهم أقوي من هذا وأشد عمقا وأبقي أثرا من الخطابة الحنجورية وعلم المنطق والبيان والبلاغة اللفظية وكل فنون الكلام بادعاء ما ليس مطبقا عمليا في أرض الواقع الفعلي العملي. 
أخوتي أحبائي متي سيصير سلوك المسلمين طوال العام هو نفس سلوكهم طوال شهر رمضان ؟