منذ ايام واثناء بحثي في احد ادراج مكتبي وجدت صورة نادرة تعود للنصف الاول من ثمانينيات القرن الماضي اوبالاصح مع خطواتي الاولي في «اخبار اليوم».. استاذ الاساتذة مصطفي امين يجلس علي مكتبه الخشبي «النادر» الذي مثل فيه عبد الحليم حافظ وعبد السلام النابلسي ومحمود المليجي لقطات من فيلم «يوم من عمري».. وحوله المجموعة المؤسسة لقسم لست وحدك من طلبة الجامعة الذين اصبحوا بعد ذلك رؤساء ومديري ونواب رئيس تحرير.
لم يكن درسي في الكتابة الصحفية و»الجمل التلغرافية» هوالدرس الوحيد الذي تعلمته من استاذ الاساتذة.. فقد علمنا ان الصحافة «هواية» وليست «وظيفة».. واننا يجب ان نصبح صحفيين علي مدار ال 24 ساعة حتي اثناء نومنا يجب ان نحلم بالصحافة.. وعلمنا «مصطفي بيه» ان نقرأ «الجورنال» من اول سطر إلي اخر سطر حتي صفحة الوفيات نقرؤها لانه في اي سطر يمكن ان نجد فكرة موضوع صحفي.. وان ما بين السطور اهم من العناوين.. وضرب لنا مثلا كيف كان ينشر ما يرفض «القصر الملكي» نشره.. ففي يوم صدمت احدي الاميرات فلاحا فقيرا في كفر الشيخ وطلب القصر تجاهل الحادثة.. فنشرخبرا ان الأميرة فلانة ذهبت في جولة بمحافظة كفر الشيخ بسيارتها الجديدة التي لونها كذا ومواصفاتها كذا.. وأسفل منه خبر لحادثة طريق في كفر الشيخ.. وبالطبع الكل فهم.. كما كان يقول لنا انه عندما نشتري «سندوتش» من عربة فول لا نرمي ورقة الجرنال بل نقرؤها ونحن نأكل السندوتش.. وليعودنا علي القراءة المستمرة كان في اجتماع «الجمعة» يسألنا عن رأينا مثلا فيما كتبه انيس منصور في مقاله بالاهرام يوم الاثنين او جلال الحمامصي يوم الاحد في «الاخبار» او مكرم محمد احمد بالمصور.
ومن مغامراته الصحفية التي اتذكرها وتؤكد انه ليس هناك مستحيل.. كان مصطفي بيه في انجلترا وكانت هناك اجتماعات سرية مهمة بخصوص الحرب العالمية الثانية.. وفوجئ كل العالم ان «اخبار اليوم» الجورنال الوحيد الذي ينشر «اسرار الاجتماعات».. وقال لنا انه تعرف علي عاملة الالة الكاتبة وكان يعطيها قوالب السكر المحرومة منها مقابل ان تعطيه ورقة الكربون التي توضع بين الورقتين اثناء الكتابة.. فيضعها علي المرآة فيقرؤها صحيحة وانه من هذا اليوم درب نفسه علي القراءة بالمقلوب حتي اتقنها وحصل علي انفرادات صحفية من قراءة الكلام بالعكس.. لم يعلمنا مصطفي بك فقط كيف نكون صحفيين.. ولكن غرس فينا اهمية الصحافة الانسانية والنزول إلي قاع المجتمع والجلوس مع البسطاء والوقوف بجوارهم.. ومتعة تحقيق احلامهم حتي لو كان ان «تخس» فتاة لتستطيع الزواج