إنى راحلة
إنى راحلة


إني راحلة

جودت عيد

الخميس، 11 نوفمبر 2021 - 08:45 م

 أعلم أن الموت راحة لى، هذا ما أراه فى أعين الأقربين منى، وما ألمسه فى قلوبهم، وما التقطه على ألسنتهم، هم يخشون إخبارى بحقيقة مصيرى، لا يريدون منى أن أرحل حزينة، بل مبتسمة ومقبلة على الموت .


أقول لهم، ليس هناك مفر من الموت، أؤمن أن لكل أجل كتاب، لكن حديث الأطباء، يشير إلى انه قد اقترب الأجل، خاصة بعد أن التهمنى ذلك السرطان الخبيث،وحولنى إلى جسد بلا روح.


بداية رحلتى مع المرض سيدي، كانت مليئة بالمفاجآت، أصابنى ورم صغير  وأنا طالبة فى الجامعة، أزلته وانتهى الألم، عاد مرة أخرى فى السنة النهائية من الكلية أزلته واختفى الألم لعامين،ب عدها تزوجت من زميلى فى الكلية، كانت تجمعنى معه قصة حب، سافرت معه للعمل فى الخارج .. 4 سنوات أنجبنا خلالها طفلين ، ثم عدنا الى القاهرة ويملؤنا الأمل بعمل مشروع المستقبل .


لم يمر شهر على عودتنا، وبدأت أشعر بألم فى مكان الورم القديم ، ذهبت إلى طبيب وبعد ان أجرينا التحليلات اكتشف انه ورم خبيث وفى مراحل متقدمة ، وأنه انتشر فى أجزاء أخرى من الجسد .. قرر الطبيب البدء فورا فى جلسات العلاج الكيماوى ، فترة كبيرة وأنا أتحمل قسوة الجلسات ، وهن جسدى وأصبحت غير قادرة على ممارسة دورى كزوجة فى البيت 


رغم معاناتى من هذا الخبيث إلا أننى حريصة ألا يحضر معى زوجى وأبنائى جلسات الكيماوى ، قررت أن اصطحب شقيقى فقط ، لا أريد أن يشاهدونى وأنا فى لحظات الألم.


بمجرد أن انتهى من جلسة العلاج أذهب مسرعة إلى البيت ، أضغط على نفسى وأعود وأمارس مهام الأم والزوجة، أذاكر لأولادى، وأحضر الطعام وأنظف البيت .

رغم كل هذه المعاناة، قررت ألا أحجب نفسى عن الحياة، طالما عقلى مازال يعمل ، أفكر فى المستقبل مع زوجى ، أتعايش مع أسرتى جميعا ، أغضب وأفرح وأذهب إلى المناسبات والملاهى ، ليس هناك شيء يوقفنى عن العيش كل لحظة معهم، فلا أعلم ماذا يخبئ لى القدر..

أكثر م ايؤلمنى سيدى أننى كلما جلست بمفردى أتذكر كل اللحظات التى مررت بها فى حياتى منذ صغرى وحتى الآن ، أضحك على مواقف كثيرة حدثت معى ، وألوم نفسى على أخرى لم أتخذ فيها قرارا لصالحى ، لكن حقيقة لو أردت اختيار سيناريو لحياتى ، لن يخرج عن هذا السيناريو الذى أعيش فيه رغم قسوة النهاية .


كيف لا، وأنا أمتلك عائلة رائعة ، زوجى لم يتركنى لحظة فى حياتى ، دائما كان بجوارى ، ابن حلال كما يقولون ، ولدى أبناء عشت معهم كل دقيقة ما بين لعب وجد ودراسة ، هم عائلة رائعة تمنيت أن أستمر معهم عمرى كله .


لا أتخيل سيدي، كيف سأخرج من هذه الجنة التى أعيشها؟ ، كيف سأترك هذين الطفلين البريئين دون أم؟ ، هم جزء من روحى ، أتنفس بابتسامتهم وأموت كلما شاهدت حزنهم او دمعة تسقط من عينهم ، لكننى راضية بقضاء الله وقدره ، مؤمنة أن لكل أجل كتاب .


أفكر الآن فقط فى لحظة الوداع ، كيف أجعلها بسيطة دون ألم ؟ ، أريد أن أرحل فى سلام ، لا أريد بكاء ، أنا أحب الجميع ، أتمنى لهم السعادة ، فقد سخرت سنوات مرضى كلها ، إرضاء لربى ، صليت ودعوت ، وطلبت العفو والمغفرة.


أشعر الآن بالطمأنينة أن الله راض عنى ، فقد تذوقت حلاوة القرب منه ومناجاته فى الليل، لذلك لست خائفة من الرحيل ، لكن أخشى فقط على من عاشوا فى قلبى ووجدانى من الحزن.

 

أمل ..وطمأنينة

 

كانت قوية وهى تتحدث معى ، راضية بقضاء الله ، تبحث عن إسعاد الآخرين حتى ولو على حساب تعبها وسعادتها ، تعانى فى صمت، هى لا تريد من أحد أن يتألم ، تريد أن تتحمل كل شىء بمفردها ، وترحل فى هدوء..

لكن على أن اهمس فى أذنها بكلمات سريعة «اعلمى انه طالما هناك بصيص من الأمل ، علينا أن نتمسك به ، الأعمار والأقدار بيد الله ،وقد يغير الله من حال إلى حال.


استمرى فى تلقى جلسات العلاج ، كونى قريبة كما كنت من ربك ، ادعوه بالشفاء ولاتفقدى الأمل ولو للحظة واحدة ..

لا مانع من أن تشاركى أسرتك مرضك وآلامك ، اجعليهم قريبين منك ، واعلمى أن جزءا كبيرا من علاج السرطان يتوقف على نفسية المريض.


نهاية.. أدعو لك بالشفاء ..وكل من يقرأ قصتك لن يبخل بالدعاء لك.

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة