علي مدار الستين عاما الماضية ترسخت في مصر ثقافة مخربة ومدمرة لا يوجد لها مثيل في العالم أجمع وتأصلت وتجذرت هذه الثقافة وهي حصول المواطن علي الحقوق- كل الحقوق- دون مجرد التفكير في الواجبات التي تقابل هذه الحقوق ولمعت هذه الثقافة بين موظفي الحكومة والقطاع العام وكانت خافتة في القطاعات الاخري خاصة تلك التي ترتبط بالمصالح الجماهيرية.
وقد وصل الفجور ببعض العاملين في بعض الجهات الحكومية وبعض شركات القطاع العام الي الدرجة التي جعلتهم يستحلون الاجور والرواتب والبدلات المتعددة والمكافآت والحوافز والجهود دون تقديم اي نوع من الاعمال واذا تصادف وقاموا بأداء اي عمل للجمهور أو للمتعاملين مع الجهة التي يعملون بها فإنهم يطلبون المقابل لهذا العمل بغض النظر عما يتقاضونه من جهة عملهم.
وعلي سبيل المثال لا الحصر اذا اردت تركيب عداد مياه أو عداد كهرباء أو تجديد أي رخصة أو استخراج رخصة جديدة أو استخراج اي مستند أو شهادة من اي جهة حكومية فستقوم صاغرا بدفع الرسوم المقررة للجهة وفضلا عن ذلك لابد من الدفع للموظف المختص بأداء الخدمة وإلا لن يتم اداؤها وقد اخترعوا لذلك مسميات عديدة نذكر منها: «الاصطباحة، الاكرامية، الشاي، الدخان، الحلاوة» لان الموظف لا يعترف بالمرتب والبدلات والحوافز والجهود التي يتقاضاها من جهة عمله بل يعتبر ذلك حقاً مكتسباً لا يقابله اي عمل.
ويأتي في نفس الاطار الخدمة الصحية في المستشفيات الحكومية والتعليمية والجامعية والتأمين الصحي فإن طلبت اي خدمة ودفعت الرسوم المقررة فإنك لا تجد الطبيب ولا الممرضة وإن وجدتهما مصادفة فإن الطبيب يطلب منك مقابلته في عيادته الخاصة ويغتنم تواجدك في المستشفي في عمل الاشعات والفحوص والتحاليل الطبية المجانية علي حساب المستشفي ثم حينما تذهب الي عيادته يحصل منك علي مقابل ذلك بطريقة أو أخري.
وقد اكدت زيارة رئيس الوزراء المفاجئة لمعهد تيودور بلهارس ومعهد القلب القومي الاسبوع قبل الماضي هذا الفساد الذي يزاحم الجبال.
أما اذا انتقلنا الي المدارس الحكومية بكافة انواعها والتي تنفق عليها الدولة اكثر من ١٠٠ مليار جنيه سنويا فإنك ستصاب بالسكتة القلبية أو الدماغية فالمدرس قد نسي المدرسة وكذلك التلميذ أو الطالب وانتقلت العملية التعليمية الي خارج المدرسة في منازل الطلاب والمدرسين ومراكز الدروس الخصوصية وللاسف انتقلت هذه العدوي الي الجامعات - وخاصة الحكومية- وانتشرت الدروس الخصوصية في الجامعات كانتشار النار في الهشيم.
والحقيقة انه لا يوجد مكان في مصر لم يعشش فيه الفساد سوي القوات المسلحة.
ومع وصول الرئيس السيسي لسدة الحكم في ٨ يونيو ٢٠١٤ ظهرت بارقة أمل ولكنها كانت مغلفة باليأس والاحباط نظرا لانتشار المحسوبية وغياب الرقابة والمتابعة ولكن بعد مرور سنة علي حكم الرئيس السيسي استطيع ان أوكد انه اتخذ الخطوة الاولي في رحلة الالف ميل لحلحلة هذه الجبال تمهيدا لنسفها يساعده في ذلك ايمانه بالله وعدد من الرجال الذين عاهدوا الله علي حب الوطن والاخلاص له والعمل الشاق والجاد ليلا ونهارا من اجل انقاذ مصر من هذا السرطان الخبيث. واختتم مقالي بالتأكيد علي ضرورة المحاسبة السريعة والعاجلة لاي مقصر في اي جهة حتي يكون عبرة لغيره حيث ان الاستقالة او الاقالة وحدها لا تكفي.. والرقابة والمتابعة ضروريتان لاصلاح ما افسده الدهر