العملاقان الغيطاني والابنودي شخصان في مشوار عمري اعتز وافخر انني عرفتهما وأنهما يشكلان جزءا كبيرا من حياتي وكونا مساحة كبري في وجداني الفكري، اولا لقربي منهما علي مدي سنوات كثيرة ولعشقي وولعي بما قدماه من ابداعات ادبية وشعرية اثرت الحياة الثقافية في مصر بعمق.
استاذي جمال الغيطاني تتلمذت علي يديه عندما دخلت عالم الصحافة في منتصف السعبينات من القرن الماضي اخذ بيدي وزملاء عديدين لم يبخل علينا قط ان يقدم النصيحة والمعرفة ومازال ـ اطال الله في عمره ـ جمال الغيطاني رحلة عطاء كبري نتاج صدقه مع نفسه وواقعه ومع عشاقه وهو ما جعله يحتل مكانته المرموقة علي قمة العطاء الادبي في مصر والعالم الذي قدره في كل محافله، وليس فوزه بجائزة النيل ارفع الاوسمة المصرية إلا نجاحا لتلك المسيرة وكم اسعدني ان يعلن هو علي لسانة اسعد لحظات حياته هو ذلك التقدير المتمثل في جائزة الدولة لأنها تتويج لرحلة شاقة من الكفاح.
تعلمت من استاذي في الزمن الجميل معني الاخلاص والالتزام وحب العمل وكبرت علي ذلك الدرس فالأستاذ بنظامه ودقته في اداء عمله وطقوسه التي صنعها لعالمه يقدم نموذجا للاجيال في كيفية صنع النجاح والوصول للكمال الدنيوي فالكمال الكامل لله وحده سبحانه وتعالي.
فوز الاستاذ هو نجاح لكل من تتلمذ علي يديه او قرأ ابداعاته وتأثر بها ويكفي تقدير العالم بأوساطه الأدبية كلها له وحفاوتهم في استقباله عندما يحل عليهم ضيفا في اي زيارة له للخارج شرقا وغربا وتلك العالمية التي تحظي بها كتبه وقصصه.
وتماما كما تعلمت من الغيطاني تعلمت من شاعري الكبير الراحل عبدالرحمن الابنودي الذي عرفته قبل ان ألقاه وأصادقه علي مدي سنوات لقد شكل جزءا من حبي لبلدي بما كتبه من أشعار رددتها الجماهير والناس قبل ان تصبح اغانيه ملء اسماعنا، سر النجاح الباهر الذي حققه عبدالرحمن الابنودي كان ايضا نابعا من ذلك الاخلاص وحب العمل والالتزام وهي نفس المباديء التي درج عليها الغيطاني في حياته فحقق نجاحه وتفرده.. فالأبنودي الذي عرفته كانت له طقوسه التي لا يحيد عنها والتي تمثلت في انه عندما يهيم بكتابة الشعر يدخل في عالم يمتلكه بالكامل ولا يخرج منه الا اذا تأكد من انه وصل به الي ما يريد وما يعبر به عما في نفسه فتخرج ابداعاته التي ملأت الدنيا كلها تغنينا بحب الوطن ووصل به الامر ان يتلقي طعامه وشرابه اذا اغلق علي نفسه لكتابة الشعر من تحت عقب الباب.
الدقة والالتزام كانا سلاحه وهما سر نجاحه وكم كنت اشهد علي ذلك عندما كان يرسل لي يوميات الاخبار - التي تنشر كل يوم أحد- يوم الاربعاء من كل اسبوع «قبل النشر بـ ٣ أيام» ثم يراجعها كلمة كلمة حتي يتأكد من انها بالصورة التي يرتضيها.
الدقة والالتزام هما ما كشفت عنهما الاعلامية الكبيرة نهال كمال رفيقة حياة الخال عندما كلفني رئيس التحرير الاستاذ ياسر رزق بالاتصال بها للحصول علي ما تبقي من يوميات الخال لنشرها ولم تتأخر اعتزازا بالاخبار، وعرضت عليها ان تكتب عن طقوسه فأكدت في كلمتها التي سبقت اخر يومياته الاحد الماضي ان الالتزام كان مبدأه كان يتفرغ لعمله خاصة اليوميات ويلتزم بمواعيدها تماما يصحو الاربعاء وكان يوم طواريء يحتسي كوب الشاب ثم يدخل مكتبه ويجلس لمكتبه الصغير الذي كتب عليه عشرات القصائد والكلمات وينسلخ عنا تماما لمدة ساعتين او اكثر لايزعجه احد حتي فنجان قهوته ندخله له علي اطراف اصابعنا لا يشعر بنا وبعد ذلك يخرج علينا ليقول اليوميات جاهزة ويرسلها للأخبار.
كل التهنئة لأستاذي جمال الغيطاني وألف رحمة علي شاعر الوطن عبدالرحمن الابنودي.