منذ أيام دارت مناقشة حامية بيني وبين حفيدتي عندما سافرنا معا إلي الجونة لحضور فرح احدي بنات العائلة، بحكم العادة جاءت كلمة «عقبالك» علي لساني اعقبها اقتراح بالغردقة او شرم الشيخ كمكان مبتكر لإقامة العرس المرتقب بعد سنوات طويلة.

فوجئت بعلامات الاستنكار والرفض تكسو وجه الحفيدة ثم قالت في استهجان «فرحي سيكون في امريكا او انجلترا.. فأنا لن اعيش في مصر» واكتشفت ان حفيدتي المراهقة وزميلاتها وقطاعا كبيرا من الشباب المتعلم في المدارس الدولية وخريجي الكليات الخاصة يحلم بالهجرة وأن قرار هؤلاء الشباب من ابناء الطبقة المستريحة ماديا لا يستند علي اسس مدروسة او لديهم اهداف وطموحات او حتي مسببات قوية تدفعهم لترك الديار الحبيبة وعدم رد الجميل للوطن الذي تربوا وتعلموا ونشأوا تحت سمائه. أكدت لصغيرتي ان السفر طلبا للعلم والعمل لفترة مرحب به ولكن للاقامة المستديمة فهناك ثمن للغربة، هناك ثمن لكل شيء في الحياة وقلت ستشعرين بمرارة وانت تعيشين بعيدا عمن ترعرعت وسطهم.. في الغربة الكفاح مستمر من اجل لقمة العيش وسينظرون اليك كمواطنة من الدرجة الثانية بسبب لون بشرتك واسمك، وأخذت احكي لها قصصا واقعية لمصريين بعضهم حقق نجاحا ولكن الكثيرين كان لهم تجارب تدمع لها العين واحدثها مأساة الشاب فراس مراد الذي قتل غدرا برصاص شرطي متهور في لونج بيتش بولاية كاليفورنيا الامريكية. وقعت الحادثة منذ اقل من شهر وكان هذا الشاب النابه يستعد للالتحاق بجامعة في لونج بيتش ليدرس الحقوق، فهذا الطالب البالغ من العمر عشرين عاما يجيد فن الخطابة وحاصل علي عدة جوائز في هذا المجال حتي ان شقيقته قالت انه كان يرغب في تغيير العالم للافضل، وفي مناقشة مع الاصدقاء تعالت اصوات الشباب وشوهد فراس وهو يسقط من النافذة بالدور الثاني في الوقت ان طلب الجيران المطافيء والبوليس، وعقب وصول رجل البوليس ماثيو هيرناندز لموقع الاحداث اطلق الرصاص مباشرة علي فراس ليقتله رغم كونه أنه لم يكن يحمل اي سلاح، لم يستطع احد تقديم تبرير مقنع للقتل ولكن كما هو الحال دائما مع المهاجرين في امريكا، السلطات دائما علي حق. وأهمس في اذن حفيدتي انه لو كان فراس مراد اشقر الشعر بعيون زرقاء وملامح قوقازية كان رجل البوليس ذو الجذور الاسبانية سيفكر جيدا قبل اطلاق الرصاص واذا أفلتت الرصاصة كانت ستصيب قدمه او تشل حركته، لقد دفع الشاب المصري ثمن الغربة