قانون رعاية المريض النفسي
قانون رعاية المريض النفسي


قانون رعاية المريض النفسي يلزم الوالدين بفحص الأبن وعلاجه

أخبار الحوادث

الأحد، 14 نوفمبر 2021 - 11:46 ص

هذا قتل أبيه لتنفيذ أوامر الجن، وذاك قتل أمه خنقًا بعدما ظن أنها تكرهه وتعمل له أعملا سفلية، وآخر قتلها بـ 17 طعنة للسبب ذاته، وبالأخير ومنذ أيام قليلة مضت؛ يقتل والده شيخ المسجد بعدما منع عنه المصروف، والسؤال هنا.. هل السبب فى جرائم القتل تلك هي الهلاوس والخيالات التي تصيب مرتكبها؟!، الحقيقة أن الجرائم الأربعة التى سبق ذكرها وغيرها الكثير، كان العامل المشترك فيها هي المرض النفسي، وكل من قاموا بتلك الجرائم هم مرضى نفسيين فى الأساس، ومُستخرج لهم شهادات تثبت ذلك، وجميع المحيطين لهم يعرفون هذا جيدًا.. وهذا يأخذنا إلى بُعد آخر: هل بات المرض النفسي وصمة عار جعل ذوى المرضى يفضلون الكتمان عن علاج ابنائهم.. للأسف بعض الأهل يرون المرض النفسي وصمة عار، ويفضلون الكتمان، وكان نتيجة هذا وأكثر أن تعرضوا للقتل على أيدي من هم تحت رعايتهم، متجاهلين أي سبل من المفترض أن يسلكوها حتى لا تلاحقهم الوصمة.. فى السطور التالية تفاصيل هذه الجرائم، والسؤال الأهم بعد أن خرج قانون الصحة النفسية للنور، ما الوضع الأن هل تظل هذه الأسر تخفي مرضاهم ظنا منهم أنهم وصمة عار يجب اخفاءها عن العيون؟، وهل القانون يلزمهم بعلاجهم؟!

لا جدال في أن المرض النفسي هو أشد أمراض العصر خطورة، فهو كالقنبلة التي قد تنفجر في أي وقت، ودون سابق إنذار، مخلفة ورائها دمارًا هائلا، ومميت. ومع ما شهده الطب النفسي من تقدم – لا تخطئه عين – في فهم المرض النفسي وطرق علاجه؛ إلا أن الوصمة المحيطة به لا زالت قائمة سواء اجتماعيا أو شخصيا من بعض الناس، فدائرة المريض النفسي الإجتماعية محدودة، ولا يريد أحد الدخول إليها، أو بالأحرى، لا يريد الأهل أن يدخل غريبًا فيها. حتى لو كان طبيبا متخصصا.

وفي الأونة الأخيرة، وجراء تلك الأفعال والممارسات، ظهرت العديد من جرائم القتل علي يد أشخاص يعانون من اضطرابات نفسية وعقلية، هذه الجرائم لا تختلف كثيرًا في مضمونها، بل أن أغلبها يتمحور حول إهمال علاج المريض النفسي خوفا من نظرة المجتمع، حتى لو نتج عن ذلك عدم قدرته علي ممارسة حياته بطريقة طبيعية، بل ويصل الأمر إلى إلقاء اللوم كاملا علي عاتق المريض.

خمسة جنيه

فوجئ أهالي قرية «نوى» التابعة لمركز شبين القناطر بمحافظة القليوبية بمقتل «أ.ع» 68 عاما علي يد نجله «أ.أ»، والمعروف عنه أنه غير متوازن عقليًا، فمنذ صغره كان يعاني من اضطرابات عقلية، ولكن والداه كانا بسبب طبيعتهما الريفية البسيطة، يفسران الأمر بأنة مجرد طفل، وهذا أمر طبيعي واعتيادي، وفي حين أخر يفسران بأنه تعرض للحسد أو عمل سفلي من جيرانهم.

 ولكن مع تقدمه في السن تأكد والداه من أنه يعاني من مرض ما، فهو غير متوازن في كلامه وكذلك أفعاله، ولكن أن يقبلاه على ما به أهون عليهم من أن يذهبا به إلى طبيب لمتابعة حالته، وهذا كان من بالنسبة لهم من رابع المستحيلات، فماذا سيقول عنه أهل بلدته التي لا يغضوا فيها الطرف عن أي نقيصة، ولا تعفى فيها نقيصة من القيل والقال، إضافةً إلى خوفهم عليه إن عرف الناس أن يكون هذا سببًا في تدمير مستقبله.

 ومع مرور الوقت شعر كل المحيطين به وجيرانه بأنه يعاني من مرض نفسي، هنا بعد أن أدرك الأب أن الجميع عرف وليس هناك ما يخبأه، حاول بكل الطرق علاجه ولكن كان تأخر الوقت كثيرًا وتأزمت حالة ابنه المرضية أكثر وأكثر.

كل هذا كوم والطريق الذي سلكه الابن كوم أخر، فقد التقى برفقاء السوء الذين اجتذبوه إلي عالم المخدرات، ودخل في دوامة الإدمان مع المرض النفسي، وزدات حالته من سيء إلى أسوأ، ولم تفلح حتى محاولات إرساله إلي مصحة نفسية ليُعالج فيها من الإدمان.

 بل خرج أكثر شراسة، وعاد مرة أخرى إلى الإدمان، لذلك منع عن المال فى محاولة لردعه، ولكن عندما طلب الأبن من والده 5 جنيهات رفض الأب رغم أنه مبلغ زهيد، أصيب الابن بحالة هياج عصبي، فبات يكسر محتويات المنزل، ودخل وهو فى خضم الحالة التى عليه واستل سكين المطبخ، وبدون وعي توجه إلى والده وسدد له طعنتين نافذتين بالصدر وهو يهذي بكلمات غير مفهومة، على إثرها لقي مصرعه فى الحال، ولم تمر على الواقعة سويعات قليلة حتى تم القبض عليه، وأحالته للنيابة العامة التي أمرت بإحالته الى مستشفى الصحة النفسية للتأكد من سلامة قواه العقلية. 

مدمن

وما زلنا فى محافظة القليوبية، لكن فى مدينة شبرا الخيمة هذه المرة، وتحديدًا فى إحدى الشقق السكنية بناحية أرض نوبار، حيث الجريمة الثانية.

كان بلاغ من الأهالي بانبعاث رائحة كريهة فى شقة تقطنها سيدة بلغت من العمر 57 عامًا، تدعي «م.م.ع»، ولا يعيش معها إلا ابنها «م.ج» 34 عاما، وبعد إجراء التحريات حول الواقعة وبسؤل جيران صاحبة الشقة المقتولة، تم التعرف على هوية الجاني، وهو ابنها، حيث يعاني من إضطرابات عقلية خطيرة، بل أنه طيلة حياته اعتاد التعدي علي والدته بالضرب، وازدادت حالته سوءًا بعد تعاطيه المخدرات.

17 طعنة

 أما فى مدينة الخصوص، كانت أكثر الجرائم فزعًا، حيث مزق مريض نفسي بالغ من العمر 25 عامًا جسد والدته صاحبة الـ 51 عامًا من عمرها، بعدما انهال عليها طعنًا بالسكين.

كانت تلك السيدة التى تعمل عاملة نظافة فى إحدى المستشفيات ترفض أن تعترف بطبيعة مرض ابنها، ولم تحاول ولو مرة أن تعرضه على طبيب نفسي حتى وهى تعمل فى مستشفى. وكان نتيجة ذلك أنه اليوم الذي رفضت فيه أن تعطي ابنها بعض المال كان يوم مقتلها، وعلى يده؛ طعنها 17 طعنة دفعة واحدة.

إمام المسجد

ومن القليوبية إلى محافظة الدقهلية، حيث جريمتنا الرابعة والأخيرة، والتى شهدت أحداثها قرية سنتماي التابعة لمركز ميت غمر، وذهب ضحيتها إمام مسجد؛ كان «م.أ.ع» البالغ من العمر 66 عامًا يعمل إمامًا وخطيبًا فى إحدى المساجد بقريته، ومعروف بتقواه وصلاحه وحب الناس له، لكن ابنه، صاحب الـ 32 عامًا يعاني مرارًا وتكرارًا من حالة هياج عصبي، مرة يكسر محتويات المنزل، ومرة يتشاجر مع إخوته ايما شجار، وفي النهاية لقي الأب مصرعه على يد ابنه.

قانون الصحة النفسية

عن الحد من تكرار هذه الحوادث خاصة بعد ظهور قانون الصحة النفسية، أفاد الدكتور جمال فرويز إستشاري الطب النفسي قائلًا: «هناك قانون للصحة النفسي،  وتم العمل به في جميع المستشفيات المختصة بالأمراض النفسية والعقلية سواء كانت حكومية أو خاصة، عملا بتوصية الرئيس بالحفاظ علي صحة وحقوق المرضي النفسيين، حيث أن أهم أهداف القانون حفظ حقوق المرضي ورعايتهم وتوفير حماية كافية للمريض ضد سوء المعاملة والاستغلال».

وأضاف: «القانون جعل الأسرة هي المسئول الأول عن حالة المريض باعتبارهم الشاهد الأول علي حالته النفسية، فبعض الأسر تهمل المريض النفسي ولا تهتم بعلاجه، وتحاول إخفاء حالته عن الأخرين، وبالتالي لا تدرك خطورة ذلك إلا بعد حدوث المشكلة، بعدها تتنصل من مسئوليتها بداعي أنه مريض نفسيا، وأنهم حاولوا علاجه، لكن القانون حرص على توفير آليات قانونية واضحة للمساءلة القانونية في حال تدهور حالة المريض أو أن حالته تمثل تهديدا جديًا ووشيكًا لسلامة وصحة وحياة المريض أو صحة وحياه الأخرين، وبذلك يصبح لزامًا علي الأهالي الإبلاغ عن المريض، خاصة وأن الدولة قامت بتوفير كافة الخدمات والاحتياجات للمستشفيات النفسية سواء الحكومية أو الجامعية تحت توصيات الرئيس بضرورة الحفاظ علي حقوق المرضي النفسيين».

واختتم: «أما بخصوص أن بنود القانون قد تمنع تكرار مثل تلك الحوادث، فإنه لا يوجد قانون يمنع تكرار الحوادث، ولكن مع الالتزام ببنوده من قبل الأهالي سيقلل كثيرًا من تكرار وقوع تلك الحوادث، فكلما كان الإلتزام بالقانون جديا سيتم الحد من وقوع تلك الجرائم». 

من ناحية أخرى أوضح الدكتور حسام عمارة استشاري الأمراض النفسية قائلًا: «القانون بالفعل ساهم في الحد من جرائم المرضي النفسيين، ففكرة إلزام الأسرة بالإبلاغ عن المريض يعمل علي فائدتين؛ الأولي حصول المريض علي العلاج اللازم والمحدد لحالته، والثانية الوقاية بشكل عام وتقليل نسبة إرتكاب الجريمة، من خلال تجنب وقوعها في المقام الأول، فما يحول دون علاج المريض هو الوصمة أو stigma التي من وجهه نظر الأهالي هي تلاصق مريضهم، فيلجأون إلى الإنكار هربًا من تلك الوصمة المزعومة، وهذا يترتب عليه صعوبة فهم حقيقة مرض ذويهم، وبالتالي عدم تحديد حجم مضاعفات حالته، وهنا يقع علي عاتقهم مسئولية ما سيقدم علي فعله مهما كان كارثيا، وهذا ما يهدف القانون بالفعل لمنع حدوثة، فالخوف من وصمة المرض أمر عالمي ولكن يزداد تأثيره في المجتمعات الشرق أوسطية، لذلك وجب التنوية بضرورة الإبلاغ لسلامة المريض وعمل اللازم لعلاجه وتحسين حالته وسلامة المجتمع ككل».

 

 

الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة