الباحث ولجنة المناقشة
الباحث ولجنة المناقشة


فى دراسة أكاديمية: باحث يتقصى أماكن «البساطى»

أخبار الأدب

الأحد، 14 نوفمبر 2021 - 05:11 م

كتبت : مني نور 

 للمكان حضور خاص فى الإبداع سواء كان سرداً أم شعراً من هنا كان اهتمام المبدعين به لأنه يمثل مسرح الأحداث الذى تنطلق منه مجريات الأحداث.
وعن المكان فى الفن القصصى تقدم الباحث أحمد محمد الدعدر بدراسة لكلية دار العلوم، جامعة المنيا، حصل عنها على درجة الماجستير بامتياز، وكانت عن المكان فى الفن القصصى عند محمد البساطى.
وفى مستهل عرضه لرسالته، أوضح الباحث أن الأمكنة تكتسب أهميتها وحساسيتها فى المدار الإبداعى من كاتبها، الذى يتوغل فى مجاهيلها، باحثاً عن سرها ومسقطاً عليها التخييل الإبداعى، لتبوح هى الأخرى أمام ذلك الإلحاح بأسرارها فى هدوء وسكينة القاص، ووقتها يتحول المكان إلى كائن حى على يد الكاتب، يمارس دوراً ونشاطاً ووظيفة فى الحياة، يؤديها بإتقان بقدر خبرة القاص وتمكنه من المكان الذى يرسمه.

ويؤكد الباحث  أن المكان الفنى فى أدب الحساسية الجديدة يكتسب خصوصية تمنحه ثراء إذ يخرج من حالته السلبية البديهية كونه موقعاً للحدث فقط  إلى وصفه عنصراً إيجابياً فاعلاً فيصبح البطل الرئيسى للنص أو محور المعالجة ومن ثم ينسج علاقة خاصة مع الشخصيات محملة بأبعاد فنية وفلسفية فى محاولة للسيطرة على الزمان عبر مجموعة من الدلالات والإيحاءات.

ويعد الكاتب (محمد البساطى) واحداً ممن أسهموا فى تشكيل اتجاه (الحساسية الجديدة) الذى حطم تقنيات السرد التقليدية باستخدام تكنيك فنى جديد إلى جانب رفاقه من جيل الستينيات الذى شهد تحولات (اجتماعية وسياسية واقتصادية وعسكرية) تجسدت فى آمال وإخفاقات وإنجازات وإحباطات ألقت بظلالها على المنجز الأدبى الذى أنتجه ذلك الجيل منهم: إدوار الخراط (صنع الله إبراهيم) يحيى الطاهر عبدالله، إبراهيم أصلان، وعبدالحكيم قاسم.. كل فى مساره ووفق أداؤه.

ولفت الباحث إلى أن أثر البساطى يتجلى فى إثرائه للمكتبة العربية بتجربة قصصية وروائية متفردة فى ذلك التيار بأنه اعتمد على التشيئ فى تقديم سرده  إذ جاءت أوراق اعتماده داخل تلك الموجة الجديدة من خلال اتخاذه التغريب أو التبعيد أو التحييد وسيلة فنية جديدة على عكس من سبقوه فنجد الأشياء والأماكن داخل المشهد القصصى لديه مثقلة بالإيحاءات 

وكأنه يقدم إدانة للواقع عبر قناع جٌرِّد من لحمه، مرئى بعين ثاقبة، ذات نظرة زاهدة، محايدة، صارمة، وفى الوقت الذى يحتفظ بتفاصيل ذلك الواقع، فإنه يبتغى نقيضها فى دلالاتها التى كثيراً ما تتخفى.

وطرح الباحث سؤالاً، لكن، لماذا المكان عند البساطى؟
أجاب: إن الإجابة عن هذا التساؤل يسبقها تساؤل آخر، كان الجواب عنه كفيلاً بأن تنشأ فكرة الدراسة والسؤال هو: ماذا تبقى للقارئ من نصوص البساطى؟
والإجابة المكان الذى يلعب دوراً محورياً فى غالبية نصوصه الروائية والقصصية إذا استخدم البساطى المكان شفرة فى إدانة الواقع من خلال تسليط الضوء على هموم البشر المهمشين والمقهورين وهو ما أكسب المكان لديه صبغة إنسانية خرجت به من المحلية إلى الكونية هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإن قص البساطى ماكر مخادع فالمسكوت عنه فى سرده أكبر بكثير من المعلن معتمداً على أسلوب (الجليد العائم) كما يصفه النقاد حيث باطن النص أزخر وأثرى من سطحه وظاهره.
ويشير الباحث إلى أنه لما كانت الشخصيات داخل نصوص البساطى مسلوبة الإرادة مهمشة، مقموعة، لا تشتكى، ولا تتخذ موقفاً دالاً، ومن هنا وجدت ضالتى فى دراسة المكان عند البساطى فحاولت من خلاله استنباط الدلالة واستنطاق النص عبر المكان.

واتخذ الباحث من القصة القصيرة عند البساطى مادة تطبيقية لمعالجة المكان الفنى فيها فشملت ثمانى وسبعين قصة توزعت على مدى ثلاثة عشر مجموعة قصصية هى كل نتاج الكاتب القصصى بداية من (الكبار والصغار) عام ١٩٦٧ 

وانتهاء بـ(وجلبابها مشجّر) ٢٠١٢، مروراً بـ(حديث من الطابق الثالث) ١٩٧٠ و(أحلام رجال قصار العمر) ١٩٨٤و(هذا ما كان) ١٩٨٨، و(منحنى النهر) ١٩٩٢، و(ضوء ضعيف لا يكشف شيئاً) ١٩٩٣،

و(ساعة مغرب) ١٩٩٦، (محابيس) ٢٠٠٢، و(الشرطى يلهو قليلاً) ٢٠٠٣، و(نوافذ صغيرة) ٢٠٠٩ و(أضواء على الشاطئ) ٢٠١١، و(فراشات صغيرة) ٢٠١٢.
فى هذا المنتج، حاول الباحث انتخاب الأمكنة التى تحتل موقع البطل فى السرد، أى الأمكنة الفاعلة، المؤثرة فى مسار القص.

موضحاً أنه بينما روايات البساطى نالت بعضاً من حظها فى الدراسات الأكاديمية بأن القصة القصيرة لدى الكاتب لاتزال أرضاً بكراً تنتظر من يحرثها بمناهج المتعة المختلفة فبحسب ما تسنى لى الاطلاع عليه فإننى لم أجد دراسات سابقة مستقلة تناولت المكان فى القصة القصيرة عند البساطى.

أما المنهج الذى استخدمه الباحث فهو المنهج السيميوطيقى الذى يدرس الأنظمة الرمزية فى كل الإشارات الدالة وكيفية هذه الدلالة كونه لا يشتغل على المكان بوصفه بقعاً جغرافية ومبانى مشيدة بل علامات سيمائية دالة.
واختتم الباحث المدخل النظرى بأهمية المكان القصصى من حيث الدلالة التى تحملها الأمكنة داخل النصوص التى تتنوع ما بين نفسية أو اجتماعية أو تاريخية ومدى تشابكها مع المجتمع لتكشف عن ثقافته وسلوكياته وأفكاره وكذلك أهمية المكان من حيث البناء السردى، وكيف أنه العمود الفقرى للنص، الذى يؤسس الحكى.

فى الفصل الأول الذى جاء بعنوان (أنماط المكان ودلالاته عند البساطى) وفيه قسم الباحث إلى أماكن مفتوحة مثل: القرية، المدنية، النهر، الشارع، الشرفة، وأماكن مغلقة: البيت، السجن، المقهى، والعشة.

وفيه حاول الباحث استنباط المعنى المراد للنص عبر تقديم دلالات الأمكنة التى تجلت فى رسائل اجتماعية وسياسية ونفسية كشفت فى مجملها عن هموم المقهورين والمستلبين والباحثين عن الحرية.

ويقول الباحث إنه على الرغم من تنوع الأمكنة عند البساطى فإن القرية تبقى همزة الوصل أو المكان الإطارى العام الذى ظلل غالبية أمكنة القصص.
وفى الفصل الثانى، تناول الباحث (آليات تصوير المكان عند البساطى).

أما الفصل الثالث والأخير فكان عن (جدلية العلاقة بين المكان والزمان والشخصية) فالمكان لا يعيش منعزلاً عن باقى عناصر السرد إنما يدخل فى علاقات متعددة وعدم النظر إليه ضمن هذه العلاقات والصلات يجعل من العسير فهم الدور النص الذى ينهض به المكان داخل النص.

وفى نهاية دراسته توصل الباحث إلى أنه ليس من المبالغة بل ربما يكون من الإنصاف وصف محمد البساطى بـ(المبدع المكانى) إذ أنه يقدم سيرة المكان الذى كان مستدعياً روح المكان وتاريخه وجغرافيته وحساسيته وثقافته وكان القاص يعانى أرق المكان وهمّه أو بالأحرى حمل المكان الذى ينوء به فأراد أن يتخلص منه بالبوح الإبداعى نسجل سيرة المكان بأسلوب تصويرى جمالى وعليه توصل لعدة نتائج منها: ثمة وحدة مكانية حزمت منجز البساطى القصصى تتجسد فى القرية المصرية إذ أن غالبية أحداث القصص تجرى فى مكان واحد: القرية أو فى مناطق متشعبة من ذلك المكان فالمقاهى، مقاهى القرية والبيوت بيوت القرية.
 
وتميزت قرية البساطى بأنها جمعت فى طياتها ثلاثة أمكنة نادراً ما تتهيأ لقاص واحد، فلديه القرية الزراعية، والساحلية، وأحياناً الصحراوية، وهو ما يمنح المكان ثراءاً وتفرداً، إذ فى تلك البقعة نجد الفلاحين والصيادين أو العاملين، كل بثقافته وأسلوبه وحياته.

وأكد أن المكان لدى البساطى حمل دلالات ورسائل سياسية، فعلى الرغم من أن الشخصيات فى القصص- دائماً- ما تكون محايدة أو مسلوبة الإرادة أو أن الهم السياسى لا يشغلها فإن المكان يأتى مشحوناً بالرمزية السياسية.
وأكد الباحث أن الأمكنة لدى البساطى كشفت المنظومة الثقافية التى تحكم القرية المصرية آنذاك 

ومدى الخوف والقهر والاستلاب الذى مورس ضد الشخصيات فلجأت إلى المكان بهدف الاحتماء والاختباء من ذلك القهر كما أنه لم يجامل مكاناً على حساب آخر فالقرية تمارس عنفها ضد المرأة والمدينة كذلك ومن ثم لا انحياز لدى البساطى إلى مكان على آخر، قصص (فخ)، (صبية)، (لقاء) نموذجاً.

 

أحمد الدعدر

وتوصل الباحث بعد دراسته لمنجز البساطى إلى أن البساطى بدا مولعاً برصد الأشياء المحملة بالدلالات فأثاثات المنازل والصناديق والخزائن والأدوات جميعها تحمل دلالات تسهم فى فك شفرات النصوص وإلى جانب الأثاث، يأتى الطعام والملابس.. قصص (العمة فاطمة)، (زواج)، (شقة من حجرتين) نموذجاً.

كما أتقن البساطى استخدام الزمكانية فى تقديم مفارقات مكانية مرتبطة بتحولات زمانية محملاً إياها بدلالات، إذ ضربت الأماكن لديه بجذورها فى عصر الملكية وامتدت إلى الجمهورية، ومن ثم جاءت شاهدة على التغيرات التى طرأت على الجتمع من زمن إلى آخر، قصص (معرفة قديمة)، (القطار الملكى)، (الزعيم)، و(المجرى) نموذجاً).

وقد استخدم البساطى المكان فى تقديم رؤية استشرافية لذهنية الأجيال القادمة المتمردة فبينما الجيل الحالى وقت كتابة القصص، يخشى التمرد، ويحلو له الاستئناس بواقعه المتردى، يرفض الصغار والصبية ذلك الواقع فيتمردون على تلك الأمكنة، ويبحثون عن بديل، وكأن المستقبل لهؤلاء الشباب، الذين يمتلكون جرأة التمرد وفعل التغيير، فى قصص (كوكو)، (الهروب)، و(التوت البرى) نموذجاً.

تم مناقشة الرسالة بكلية دار العلوم، جامعة المنيا، بإشراف د. سعيد الطواب (مشرفاً ورئيساً)، د. هدى عثمان (مشرفاً مشاركاً)، د. شعبان إبراهيم حامد، د. سهير محمد حسانين (مناقشين).

 

أقرا ايضا | عاصي الحلاني يكشف سر حضوره السنوي لمهرجان الموسيقى العربية

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة