الضرَّابة
الضرَّابة


الضرَّابة

أخبار الأدب

الأحد، 14 نوفمبر 2021 - 06:35 م

كتبت - إسراء أبو رحاب

أعادت فتح عينيها مرة أخرى فرأت من نافذة صغيرة فى غرفة نومها تطل على طرقة مؤدية للفناء الخلفى فى الدار الخيط الفاصل بين الليل والنهار انسلت من جوار زوجها بهدوء ونزلت من فوق سريرها النحاس ذى الناموسيه البيضاء.
 
أمسكت الضَّرَّابة (عصاها الطويلة) ذات التضاريس الحادة غليظة تشبه عقلات الأصابع دائماً تعاقب بها أبناءها ترهبهم بها ليبقوا مطيعين لها فكتها من لفاقتها القطن وراحت تقلب بها الدقيق فى مياه فائرة 

وهى تتثاءب وذراعها لا تزال متراخية فى رأسها فوضى عارمة حملت إناءها وتركته على السطح نزلت توقظ زوجها وأبناؤها التفوا حولها دجاجاتها تتقافز مرحبة بها وبحبات الذرة التى تنثرها حولهن اشرأبت أعناق حيواناتها الأخرى هكذا تحول الفناء إلى حفل استقبال مهيب وسعادة بالغة بالسيدة التى ترعاها. عادت بإناء فخارى ممتلئ باللبن الطازجوجدت ابنتها هانم تصب الماء الدافئ لأبيها ليتوضأ وأبنائها الذكور ليغسلوا وجوههم سعادتها غامرة هذا العام.
 محصول القصب خرج من أرضه عفياً وبالتالى سوف يزن أطناناً كثيرة.
 
يكون عائده وفيراً فتشترى أرض جديدة يتسع بها رزقهم بعد أن أفطر الجميع وذهبوا فردت هانم شعرها الطويل الناعم تسرحه وتنظر إليه فى مرآة استلفتها من صديقة لها ذات صباح وهما تجنيان البامية أرسلته فى ضفيرتين على ظهرها ربطت إيشارباً صوفياً ووضعت الطرحة اللبنية على رأسها رأت خصلة متمردة رفضت الانصياع 

والسير مع القطيع ملقاة على جبينها فزادتها جمالاً على جمالها وجهها الصغير أنفها المنمق فمها الذى يشبه فم الأطفال بشرتها المكسوة بلون سمار ساحر تذكـــــــــرت أن أمـــها قد تميتها ضرباً إن رأت هذه المياصة وقلة الحياء كما تسميها. أزاحتها تحت الإيشارب 

وذهبت إليها مسرعة تساعدها فى إنضاج الخبز وجدت الضرابة فى يدها خافت منها. لم تقترب حافظت على مسافة معينة، بينهما تنظر لما فى يد أمها نظرة حنق وغيظ من سطوتها ونفوذها الذى تبسطه على الجميع وخاصة عليها هى لقاءاتُهما ليست جميلة تترك آثاراً زرقاء فى جسدها ما زالت آثار الليلة الماضية تؤلمها ظلت تقاوم رغبتها فى الذهاب إلى فرح الجيران بملء مياه الشرب وتغطيتها. أعدت فراش الجميع للنوم 

ونظفت سقيفة البيت بدت كنحلة هنا وهناك أذان المغرب كأنه يؤذن لها بسرعة الذهاب إلى الفرح انهارت كلُّ مقاومتهاأخرجت رداءها الذى تحتفظ به للمناسبات راحت تتأكد أن أمها مشغولة مع زوجة عمها وأن ذلك يستغرق وقتاً يؤمن لها الذهاب والعودة دون أن تراها لو أخبرتها بما تريد لن تدعها تفعله لذلك قررت الذهاب دون أن تخبرها حملت أختها الصغرى على كتفها وذهبت كانت مشدودة بالعروس 

ولبسها والزينة التى على وجهها وراحتيها المخصبتين بالحناء حاولت الفتيات جذبها لدائرة الرقص رفضت كانت تختبئ بين الناس خشية أن يراها أحد فتكون العاقبة وخيمة.

أمسكتها من الخلف صديقُتها التى أعطتها المرآة فارتعدت ظنتها أمها نظرت إليها الكحل مشدود كخط حتى خارج زاوية العين حجابها للخلف قليلاً يظهر شعرها اندهشت وسألتها: هل رأتك أمك بهذه الحالة؟ أجابت: نعم رأتنى 

ولم تفعل شيئاً. جذبتها إلى وسط البنات ثم إلى دائرة الرقص تدريجياً. اختفى الخوف الذى داخلها ونسيت الأعين التى تخشى أن تراها فتخبر أمها، وأختها الصغيرة، تلاشى العالم كله إلا صوت الدف 

وهو يتراقص فيجعل جسدها ينساب متمايلاً كنسمة هواء مارة كالحرير يهدم حصون الخوف والرهبة التى فى داخلها يضع مكانها الحياة التى تجرى فى أوردتها بعد أعوام من الجفاف تتحرر من كل أثقال الممنوع والمسموح 

وكأن حركة يديها فى الهواء تكسر قيداً وحركة خصرها تعلن ثورة تمايلها كغصن شجرة يكاد يستقل بذاته توقفت عندما توقف صوت الدف فاقت من خدرها وجدت النساء قد تجمعن فى حلقة حولها صامتات مندهشات من رقصها هى ذاتُها لم تكن تعلم أنها تعرف الرقص. فقط استسلمت لصوت الدف. أثرن ضجة حولها لترقص مرة أخرى 

ولكنها هربت منهن بأعجوبة فى طريقها إلى البيت غمرها إحساس لذيذ. افتر ثغرها عن ابتسامة الخدر فعلت شيئاً مختلفاً تماماً عما تفعله كل يوم: تنظيف.. طهى.. ذهاب إلى الغيط.. إطعام الحيوانات. رأت أن فعلاً كهذا يستحق أن يخلد فى ذاكرتها. رفعت أختها وضمتها إليها وأخبرتها أنها تحبها كثيراً 

ودخلت البيت ذهبت إلى غرفتها. خلعت رداءها وهنا ظهر لها أحد من خلف ملابسها المعلقة كل ما تذكره بعد ذلك الضرابة وهى تمزق جسدها 

وهى غارقة فى رقصها لم تكن تعلم أن الأخبار طارت بسرعة البرق إلى أمها وأن الحريق المتصاعد دخانهُ فى البيت لم يصل إليهاوعاد أخوها الذى أرسلوه للبحث عنها ولم يجدها بسبب أن مكان النساء لا يدخله الرجال، فاضطروا لانتظارها حتى تعود. لم يغلقوا الباب وتركوا طريق غرفتها آمناً حتى تواجه مصيرها داخلها. صُمَّت آذان الأم أن تسمع صراخها واسترحاماتها .

فى ساعة الغروب فى اليوم التالى بعد انتهاء الأعمال اليومية سمعت صوت الدف ينقر بسلاسة فى بيت الجيران مرة أخرى. رفعت يديها عن طلمبة الماء حاول جسدها أن يستجيب للرقص. لم يستطع من آثار الضرب التى تلقاها وهو شبه عارٍ لكن داخلها ما زال سليماً رقص وتمايل، وصنع أنغامه الخاصة به لم يخفه الضرب أو العصا الغليظة. عندما رأت أمها أخرجت خصل شعرها ورفعت الدلو وذهبت إلى السقيفة .

 

أقرا ايضا | حجاج عبد العظيم يحتفل بزفاف ابنته بحضور نجوم الفن| صور

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة