الأحد، 14 نوفمبر 2021 - 09:31 م

المفكر الكبير والناقد القدير د. سعيد توفيق أستاذ الفلسفة بآداب القاهرة والأمين العام الأسبق للمجلس الأعلى للثقافة، تصدى لترجمة كتاب أحد أبرز الفلاسفة فى عالمنا المعاصر، وهو المفكر الأسترالى الشهير «بيتر سينجر»، وقد  حمل الكتاب -الذى ترجم إلى معظم لغات العالم الحية- عنوان «الحياة التى يمكنك إنقاذها»، فبعد الإقبال غير المسبوق من القراء على النسخة الإنجليزية، سعت الدوائر الثقافية فى البلدان الكبرى إلى نقله إلى لغتها كى يستمتع به قراؤها، وظلت العربية تنتظر من ينقل إليها هذا الكتاب الذى يقرؤه العالم الآن، وقد حقق مبيعات غير مسبوقة فى العديد من الدول، واستجابة لـ«الأخبار» يلخص د. سعيد توفيق محتوى هذا الكتاب لقرائنا عبر هذا المقال الذى أهداه إلينا بصفته مترجم النسخة العربية.

أكثر الناس لا يعلمون حقيقة مشكلة الفقر حول العالم رغم أن هناك كتابات عديدة تناولت هذه المشكلة ولكن كتاب الفيلسوف الأسترالي-الأمريكى ذائع الصيت «بيتر سينجر» Peter Singer بعنوان «الحياة التى يمكنك إنقاذها» The Life You Can Save، هو الكتاب الذى جلب هذه المشكلة إلى الصدارة 

وجعلها مفهومة لدى القارئ العام بعيدًا عن تعقيدات النظريات السياسية والاقتصادية؛ ببساطة لأنه يوظِّف الإحصائيات الرسمية فى إظهار بؤس العالم الذى نعيش فيه وبؤس موقفنا الأخلاقى منه 

وهو يقيم البرهان الفلسفى على ضرورة اتخاذ موقف أخلاقى إزاءه بحيث يوجهنا إلى حلول من خلال التبرع للمؤسسات الموثوق بها فى مواجهة هذه المشكلة يُعرِّف البنك الدولى من يعيشون فى فقر مُدقِع بأنهم من يعيشون على أقل  1.25 دولار فى اليوم الواحد مجموع عدد الناس الذين يضعهم دخلهم تحت هذا الحد هو 1.4 بليون شخص معظمهم يعيش فى جنوب شرق آسيا خاصة فى الهند 

وفى الصين وفى جنوب الصحراء الإفريقية وفى أمريكا اللاتينية وشاطئ البحر الكاريبي، والشرق الأوسط، وشمال إفريقيا، وشرق أوروبا، وآسيا الوسطى،هذا الكتاب هو واحد من أشهر كُتُب هذا الفيلسوف المعاصر 

وهو مقروء على نطاق واسع حول العالم بلغات عديدة؛ولهذا فإن «سينجر» قد أبدى سعادته بترجمة كتابه إلى اللغة العربية. 

ومن المدهش أن هذه الترجمة التى قمت بها جاءت بتكليف من هيئة نشر سعودية معنية بنشر الكتابات المهمة فى الفكر والفلسفة.. وهى هيئة تأسست منذ بضع سنوات تحت اسم «مَعنَى»

وليس أدل على رصانة ما تنشره هذه الهيئة أن إصداراتها قد نفدت بل إن ترجمتى لهذا الكتاب قد نفذت تقريبًا فور صدورها فى معرض الرياض!يندرج هذا الكتاب فى مجال الفلسفة التطبيقية 

(د. سعيد توفيق)

وتحديدًا فى مجال فلسفة الأخلاق العملية التى يُعد «سينجر» أبرز أعلامها فى عصرنا الراهن فلسفة الأخلاق التقليدية التى وضع العظيم «كانط» أساسها الميتافيزيقى فى كتابه «تأسيس ميتافيزيقا الأخلاق» تصبح الآن «أخلاقًا عملية» تمشى على قدمين لتدل الناس على ما ينبغى فعله فى المواقف الواقعية الأخلاق الكانطية النظرية تقول لنا: إننا ينبغى أن نفعل الخير- 

ومن ثم الإحسان باعتباره واجبًا أو مبدأً أخلاقيًّا عامًا وقد جاء سينجر» ليبرهن لنا عمليًّا فى هذا الكتاب على هذه الضرورة الأخلاقية. ذلك أن أخلاق كانط النظرية تضع فضيلة الإحسان باعتبارها مسلمة للعقل العملي أى للتصرف فى مجال الفعل 

ولكنها لا تبين لنا ضرورة الإحسان من الناحية العملية وعلى أى نحو ينبغى أن نفعل الإحسان فى المواقف المختلفة وما وجوه الإحسان وما الجهات التى ينبغى أن يتوجه إليها إحساننا 

وبأى قدر يمكن أن نقدم إحساننا هذه التساؤلات الضرورية هى ما يجيب عنها كتاب سينجر مستعينًا بحشد هائل من الأمثلة والشواهد القوية التى تدعم برهانه 

وربما يبدو الموضوع الأساسى لهذا الكتاب بالنسبة إلى بعض القرَّاء مجرد دعوة للتبرع بالمال من أجل الفقراء فقرًا مُدقِعًا حول العالم وبالتالى فهو دعوة لمواجهة الفقر حول العالم 

وما يرتبط به من أمراض وأحوال معيشية مزرية ولكن مثل هذه القراءة تختزل القيمة المعرفية لهذا الكتاب باعتباره برهانًا فلسفيًّا عمليًّا على ضرورة الإحسان 

وفقًا لبرنامج يحدد ما يمكن أن يتبرع به المرء وفقًا لدخله وبما لا يجور على معيشته الشخصية ومن المهم كذلك أن نلاحظ أن مفهوم التبرع فى هذا الكتاب لا يقتصر على التبرع بالمال 

(غلاف الكتاب الأصلى)

وإنما أيضًا بالوقت والعمل التطوعي وهو بهذا المعنى يمتد ليشمل سائر وجوه البِّر والإحسان ولهذا كله وغيره فإن هذا الكتاب يحثنا على أن نكون موجودات بشرية أكثر خيرية وعلى أن نشارك فى صُنع عالم أفضلَ.

أقرا ايضا | سفير إندونيسيا: الأزهر مؤسسة تستطيع مواجهة التحديات على مر العصور