نوال مصطفى
نوال مصطفى


حبر على ورق

هل عرفت يومًا «المومس الفاضلة»؟

نوال مصطفى

الأربعاء، 17 نوفمبر 2021 - 06:50 م

سؤال مباشر أوجهه إلى البرلمانى المحترم أيمن محسب: هل قرأت مسرحية «المومس الفاضلة» للكاتب والمفكر الفرنسى جان بول سارتر؟. هل لديك حتى فكرة عن موضوعها، أو الرسالة التى تريد طرحها للقارئ أو المشاهد؟

أعتقد أنه لو كانت إجابتك بنعم على أى من السؤالين السابقين، ما كنت تقدمت بطلب إحاطة إلى مجلس النواب تطالب فيه باستجواب وزيرة الثقافة حول السماح بهذا الفسق والفجور وعظائم الأمور على المسرح القومى، الذى يتبع الدولة.

الرواية العالمية الشهيرة سيادة النائب كتبها جان بول سارتر منذ خمس وسبعين سنة وكانت مستوحاة من حادثة حقيقية وقعت فى حى الزنوج بمدينة نيويورك. وتحكى عن محاولة غير أخلاقية لعائلة جنوبية بيضاء تخليص أولادها من عقوبة السجن بتهمة قتل رجل زنجى. المؤامرة الدنيئة تم تدبيرها عن طريق إقناع عاهرة بيضاء بأن تشهد زورًا بهدف اتهام رجل زنجى ليحمل التهمة بدلا من أولادها. حدث ذلك فى عام ١٩٣١، وعوقب فى تلك الجريمة تسعة رجال من الزنوج، وجهت إليهم تهمة الاعتداء على فتاتين عاهرتين.

عُرِضت المسرحية أول مرة فى باريس فى نوفمبر ١٩٤٦، انتقد «سارتر»، فى مسرحيته، العنصرية والنظام الطبقى فى المجتمع الأمريكى بشكل ساخر، ساردًا قصة العاهِرة البيضاء والزنجى المتهم بالاعتداء عليها، والرجل الأبيض الغنى الذى ارتكب الجريمة.

قدمت الفنانة القديرة سميحة أيوب هذه المسرحية قبل خمسة وأربعين عاما، وشاهدها سارتر فى زيارة له لمصر. وترجمت إلى اللغة العربية وتم نشرها فى طبعات عديدة. أعتقد أن السيد النائب لم يجهد نفسه فى البحث قبل أن يتقدم بطلب الإحاطة، ويثور ويجول تحت قبة المجلس دفاعا عن التقاليد والأخلاق والفضيلة!.

شيء محزن فعلًا. أن نصل إلى هذا المستوى من السطحية فى مناقشة أمور لا تستحق أن نستهلك وقتًا ثمينًا تحت قبة البرلمان لمناقشتها. المكان الطبيعى لمناقشة رواية أدبية أو عرض مسرحى هو الندوات الثقافية الأدبية والفنية، وليس قاعة البرلمان. زمان علمونا أنه لكل مقال مقام. لكن حتى تلك القواعد العقلانية الرصينة نسفها أشخاص يتسمون بالتفكير اللامنطقى، ويملأون الدنيا ضجيجًا بلا معنى ولا جدوى.

الفنون بمختلف أنواعها لاتزال هى القوى الناعمة التى تضع مصر فى مكانة متميزة، وريادة مستحقة فى الوطن العربى، دولة تملك إرثًا فنيًا وأدبيًا غنيًا ومشرفًا غير مقبول أن يعبث به هؤلاء الذين لا يقدرون قيمة الأشياء.

تذكرت وأنا أقرأ خبر طلب الإحاطة الغريب قصة وردة الصحراء فى رواية «قواعد العشق الأربعون» للكاتبة التركية الشهيرة أليف شافاك. ملخص القصة أن شمس الدين التبريزى، وهو صوفى، زاهد وصديق مولانا جلال الدين الرومى، رأى فتاة متخفية فى مسجد يخطب فيه جلال الدين الرومى، كانت تجلس منصتة للشيخ الكبير، وفجأة هجم عليها رجل بعدوانية رهيبة، وصاح بأعلى صوته «عاهرة فى المسجد» فهاج الجميع وانهالوا عليها ضربا، كادت الفتاة تفقد حياتها فى تلك اللحظات، لولا تدخل شمس الدين التبريزى الذى خلصها من بين أيديهم، وأخرجها من المسجد سالمة.

قالت له «وردة الصحراء»: كيف لى أن أشكرك؟ هز كتفيه بلا اهتمام وقال: «إنك لا تدينين لى بشيء، إننا لا ندين بشيء إلا له» وأشار إلى السماء.
هل وصلت الرسالة سيادة النائب المحترم؟

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة