د.جلال أمين
د.جلال أمين


جلال أمين: أشعر بوخز الضمير نحو كبار السن

الأخبار

الأربعاء، 17 نوفمبر 2021 - 06:57 م

مازلت أشعر ببعض الألم ووخز الضمير حتى الآن، كلما تذكرت منظر أبى وهو جالس فى الصالة وحده ليلا، فى ضوء خافت، دون أن يبدو مشغولا بشيء على الإطلاق، لا قراءة ولا كتابة، ولا الاستماع إلى راديو، وقد رجعت أنا لتوى من مشاهدة فيلم سينمائى مع بعض الأصدقاء.

أحيى أبى فيرد التحية، وأنا متجه بسرعة إلى باب حجرتى وفى نيتى أن أشرع فورا فى النوم، بينما هو يحاول استبقائى بأى عذر هروبا من وحدته، وشوقا إلى الحديث فى أى موضوع،  يسألنى أين كنت فأجيبه.

وعمن كان معى فأخبره، وعن اسم الفيلم فأذكره، كل هذا بإجابات مختصرة أشد الاختصار وهو يأمل فى عكس هذا بالضبط.

فإذا طلب منى أن أحكى له موضوع الفيلم شعرت بضيق، وكأنه يطلب منى القيام بعمل ثقيل، أو كأن وقتى ثمين جدا لا يسمح بأن أعطى أبى بضع دقائق، ولا أستطيع حتى الآن أن أفهم هذا التبرم الذى كثيرا ما يشعر به شاب صغير إزاء أبيه أو أمه، مهما بلغت حاجتهما إليه، بينما يبدى منتهى التسامح وسعة الصدر مع زميل أو صديق له فى مثل سنه مهما كانت سخافته وقلة شأنه.

هل هو الخوف المستطير من فقدان الحرية والاستقلال، وتصور أى تعليق أو طلب يصدر من أبيه أو أمه وكأنه محاولة للتدخل فى شئونه الخاصة أو تقييد لحريته؟

لقد لاحظت أحيانا مثل هذا التبرم من أولادى أنا عندما أكون فى موقف مثل موقف أبى الذى وصفته حالا، وإن كنت أحاول أن أتجنب هذا الموقف بقدر الإمكان لما أتذكره من شعورى بالتبرم والتأفف من مطالب أبى. ولكنى كنت أقول لنفسى إذا اضطررت إلى ذلك «إنى لا أرغب فى أكثر من الاطمئنان على ابنى هذا، أو فى أن أعبر له عن اهتمامى بأحواله ومشاعره، فلماذا يعتبر هذا السلوك الذى لا باعث له إلا الحب، وكأنه اعتداء على حريته واستقلاله؟».

د. جلال أمين من كتاب « علمتنى الحياة»

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة