الإمام محمد متولي الشعراوي
الإمام محمد متولي الشعراوي


خواطر الإمام الشعراوي| الإعراض عن اللغو

الأخبار

الخميس، 18 نوفمبر 2021 - 07:13 م

يقول الحق فى الآية 55 من سورة القصص: «وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِى الْجَاهِلِينَ» هذه صفة أخرى من صفات المؤمنين «َإِذَا سَمِعُواْ اللغو أَعْرَضُواْ عَنْهُ...» « واللغو: هو الكلام الذى لا فائدة منه، فلا ينفعك إنْ سمعتَه، ولا يضرك عدم سماعه، وينبغى على العاقل أنْ يتركه، فهو حقيق أنْ يُترك وأنْ يُلْغى. ولذلك كان من صفات عباد الرحمن: «وَإِذَا مَرُّواْ بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً» «الفرقان: 72» أي: لا يلتفتون إليه.

وسبب نزول هذه الآية: لما استقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم رُسُل النجاشى وكانوا جماعة من القساوسة، فلما جلسوا أسمعهم سورة (يس)، فتأثروا لها حتى بكَوْا جميعاً، ثم آمنوا برسول الله، ولما انصرفوا تعرَّض لهم أبو جهل ونهرهم وقال: خيَّبكم الله من رَكْب- وهم الجماعة يأتون فى مهمة- أرسلكم من خلفي- يعني: النجاشي- لتعلموا له أخبار الرجل، فسمعتموه فبكيتُم وأسلمتُم، والله ما رأينا رَكْباً أحمق منكم، فما كان منهم إلا أنْ أعرضوا عنه.

وهؤلاء مرُّوا باللغو مرورَ الكرام، وأعرضوا عنه، فلم يلتفتوا إليه، وزادوا على ذلك أنهم لم يسكتوا على اللغو إنما قالوا:«لَنَآ أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ لاَ نَبْتَغِى الجاهلين» لنا أعمالنا الخيِّرة التى يجب أنْ نُقبل عليها، ولكم أعمالكم الباطلة التى ينبغى أنْ تُترك، فكلٌّ مِنَّا له شَأْن يشغله. «سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ..» والسلام إما سلام تحية كما هو شائع بيننا، وإما سلام للمتاركة كما لو دخلتَ مع صاحبك فى جدل، فلما رأيتَ أنه سيطول وربما تعدَّيْتَ عليه فتقول له تاركاً: سلام عليكم. تعني: إننى ليس لديَّ ما أقوله لمفارقتك إلا هذه الكلمة.

ومن ذلك ما دار بين الخليل إبراهيم- عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام- وبين عمِّه، فبعد أنْ ناقشه ولم يَصل معه إلى نتيجة قال له: «سَلاَمٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ ربي...» «مريم: 47».
ثم يقول الحق سبحانه: فى الآية 56«إِنَّكَ لَا تَهْدِى مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِى مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ».
هذا خطاب لسيدنا رسول الله، خاصٌّ بدعوته لعمه أبى طالب الذى ظلَّ على دين قومه، ولكنه كان يحمى رسول الله حماية عصبية قربى وأهل، لا محبة فى الإسلام، ولله تعالى حكمة فى أنْ يظلَّ أبو طالب على الكفر؛ لأنه بذلك كسب قريشاً ونال احترامهم، حيث أعجبهم عدم إيمانه بمحمد وعدم مجاملته له، وأعجبهم أن يظل على دين الآباء، فاحترموا حمايته لابن أخيه، وهذا منع عن رسول الله إيذاءهم، وحمى الدعوة من كثير من الاعتداءات عليها.

لذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حريصاً على أنْ يردَّ له هذا الجميل، وردُّ رسول الله للجميل لا يكون بعرَض من الدنيا، إنما بشيء باقٍ خالد، فلما حضرت أبا طالب الوفاة قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا عم، قُلْ لا إله إلا الله كلمة أشفع لك بها عند الله يوم القيامة» فقال: يا ابن أخي، لولا أن قريشاً تُعيِّرنى بهذه الواقعة، ويقولون ما آمن إلا جزعاً من الموت لأقررت عينك بها.

لكن يُروى أنه بعدما انتقل أبو طالب، جاء العباس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له: يا محمد، إن الكلمة التى طلبتَ من عمِّك أنْ يقولها قالها قبل أن يموت وأنا أشهد بها.
ونلاحظ هنا دقة الأداء من العباس، حيث لم يقُلْ: إن هذه الكلمة لا إله إلا الله، بل سماها (الكلمة) لماذا؟ لأنه لم يكن قد أسلم بعد.

إقرأ أيضاً | خالد الجندي يفاجيء الجميع بمقطع للشيخ الشعراوي عن الانتحار| فيديو

وسبق أنْ تكلَّمنا فى معنى الهداية «إِنَّكَ لاَ تَهْدِى مَنْ أَحْبَبْتَ...» وقلنا: إنها تأتى بأحد معنيين: بمعنى الإرشاد والدلالة، وبمعنى المعونة لمن يؤمن بالدلالة، ومن ذلك قوله تعالى: «والذين اهتدوا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقُوَاهُمْ» أي: سمعوا الدلالة وأطاعوها، فزادهم الله هداية أخرى، هى هداية الإيمان والمعونة.

يقول تعالى فى هذه المسألة:«وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُم» «فصلت: 17» يعني: دللناهم «فاستحبوا العمى عَلَى الهدى» «فصلت: 17»؛ لذلك حُرموا هداية المعونة.
إذن: الهداية المنفية عن سيدنا رسول الله «إِنَّكَ لاَ تَهْدِى مَنْ أَحْبَبْتَ...» «القصص: 56» هى هداية المعونة والتوفيق للإيمان؛ لأنه صلى الله عليه وسلم هدى الجميع هداية الدالة والإرشاد، وكان مما قال: «ياأيها الذين آمَنُواْ هَلْ أَدُلُّكمْ على تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ» «الصف: 10».
فهداية الدلالة صدرت أولاً عن الله تعالى، ثم بالبلاغ من رسوله صلى الله عليه وسلم ثانياً.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة