صورة أرشيفية
صورة أرشيفية


أستاذ الاقتصاد العالمى بجامعة الأعمال والاقتصاد الدولية ببكين لـ «الأخبار»: الصين لا تصدر التضخم للعالم .. و«كورونا» أثرت علينا بشدة

«الأخبار» تجيب: ماذا يحدث فى بلاد التنين؟

حسام عبدالعليم

الخميس، 18 نوفمبر 2021 - 09:41 م

 

مع ظهور فيروس كورونا، بداية العام الماضى فى الصين، وانتشاره سريعاً على كوكب الأرض، دفع دول العالم إلى أكبر عملية إغلاق يشهدها التاريخ الإنسانى، فأُصيبت الحياة بالشلل التام فى كل أركانها، لا سيما الاقتصاد الذى هو شريان العالم، وبعد انخفاض حدة الوباء، أعادت دول العالم فتح أبوابها أمام تجارتها وسفر مواطنيها على نحو كبير، إلا أن هذا الانفتاح الاقتصادى رغم أنه بطىء، لم يستطع أن يُقاوم حالة «التعطش» التى أصابت المستهلكين على مستوى العالم، مما أدى إلى زيادة الطلب مع قلة العرض، فى مشهد أشبه بمن يُلقى حجرًا ضخمًا من قمة جبل نحو منزل صغير فى الأسفل. وأصبحت المصانع فى حاجة إلى مزيد من الطاقة، لم تستطع أن تُجابهه الدول الصناعية الكبرى، على رأسها الصين التى تعد «مصنع العالم» من تلبية تلك الحاجة. كل هذا، وسط أزمات وإجراءات أخرى انبثقت منها موجة ارتفاع الأسعار وزيادة التضخم عالميا. فى هذا التحقيق تشرح «الأخبار» الأسباب وتداعيات كورونا على الأزمة الاقتصادية الحالية.

توليد الكهرباء من الفحم لدينا يمثل 70%  ونقص إمداداته سبب أزمة الطاقة.

 زيادة تسعيرة الكهرباء بنسبة 5-7% يجبر المشروعات الصغيرة على التوقف

مصر مستعدة لتوطين صناعة المنسوجات والمنتجات البلاستيكية والسلع المعمرة

أتوقع ارتفاعاً مستمراً فى أسعارالسيارات والاتصالات والمنتجات الصناعية الأخرى خلال النصف الاول من 2022

د. جاو يى جو

وسط  موجة ارتفاع الأسعار عالمياً الحالية،.. أصبح التساؤل الأكثر «شعبية» بين المصريين: ماذا يحدث فى الصين؟ وما علاقة أزمة الطاقة هناك بموجة الارتفاع فى الأسعار؟ ومتى تنتهى؟ ولكون مادة الاقتصاد ثقيلة بطبعها على الفهم لدى قطاع عريض من الناس، حاورت «الأخبار» أستاذ الاقتصاد العالمى د. جاو يى جو، زميل باحث بجامعة الأعمال والاقتصاد الدولية فى بكين، عبر مراسلته بالبريد الإلكترونى، ليجيب عنها بصورة مبسطة قريبة للإدراك والفهم للمواطن المصرى.. إلى الحوار.

- هل تشرح لى بصورة أكثر توضيحاً طبيعة أزمة نقص الطاقة فى الصين، ولماذا أغلق عدد كبير من المصانع فى أنحاء البلاد؟
يمثل توليد الطاقة من الفحم ما يقرب من 70٪ من الكهرباء فى الصين. وفى الوقت نفسه، أدى نظام تسعير الكهرباء الذى تقوده الدولة إلى تقليص أرباح شركات الطاقة، مما أدى إلى تثبيط الإنتاج ، وهذا يعنى أن شركات الطاقة ليست على استعداد لتوليد المزيد من الكهرباء من أجل تجنب خسارة المالية.. علاوة على ذلك، وعدت الحكومة الصينية بالفعل بخفض انبعاثات الكربون بحلول عام 2030، لذلك كان على السلطات المحلية أن تفى بأهداف محددة لتقليص استهلاك الطاقة - وهو الأمر الذى أخفق  فيه الكثير منهم حتى الآن هذا العام - لذا فإن الحكومة المركزية تضغط على الحكومات المحلية لخفض معدلات انبعاثات الكربون. لذلك، فإن النقص فى إمدادات الفحم، وازدهار الصادرات وجهود الحكومة المحلية للحد من استهلاك الطاقة الصناعية، جميعها عوامل ساهمت فى الموجة الأخيرة من انقطاع الكهرباء فى الصين، مما أدى  ذلك إلى إغلاق عدد كبير من المصانع.

أسعار الكهرباء
- تنوى الحكومة الصينية رفع أسعار الكهرباء، ما تداعيات هذا القرار على الوضع الاقتصادى فى الصين وانعكاسه عالميا؟
 الحكومة الصينية سوف ترفع سعر الكهرباء بنسبة 5.7٪ فقط . ولكن أوضح هنا أن رفع أسعار الكهرباء ليس هو المشكلة، إنما المشكلة الحقيقية هى نقص الكهرباء. ولا شك فى أن تؤدى هذه الموجة من انقطاع الكهرباء إلى إغلاق المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم، مما قد يسبب فى ارتفاع معدل البطالة وارتفاع مؤشر أسعار المستهلكين. وقد يؤثر أيضًا على سلاسل التوريد العالمية مما يؤدى الى ارتفاع أسعار بعض السلع والمنتجات.

- هل تصدر الصين التضخم للعالم؟
بالتأكيد لا تصدر الصين التضخم للعالم. فخلال عام 2020  كان الاقتصاد الرئيسى الصينى الوحيد فى العالم الذى حقق نموًا فى الناتج المحلى الإجمالي، وصولاً إلى أكتوبر 2021 . حيث ارتفع حجم صادرات الصينية بنحو 40٪.. ويرجع هذا النمو الحاد إلى القدرة التنافسية العالية للمنتجات الصينية عالميًا، هذا بالإضافة إلى حالة الفراغ الإنتاجى الذى تعود أسبابه إلى انتشار وباء كورونا فى باقى دول العالم. حيث إن السلع والمنتجات الصينية دائمًا ما توفر المال ليس فقط للمصنعين ولكن أيضًا للمستهلكين. لكن فى النهاية والتى نلمسها جميعا، أن هناك ارتفاعا فى مستوى أسعار المنتجات الصينية إلى حد ما فى الأسواق، وذلك بسبب نقص النقل والشحن الجوى فى انحاء العالم.

خطر التضخم
- هل تعتقد أن خطر التضخم المصحوب بالركود آخذ فى الارتفاع فى الصين وكذلك فى بقية العالم  خلال الفترة القادمة؟
تواجه الصين خطر التضخم المصحوب بالركود فى الربعين الثالث والرابع من العام الجارى. وأعلن الوطنى الصينى للإحصاء فى وقت لاحق المكتب، أن نمو الناتج المحلى الإجمالى المتوقع لعام 2021 سيكون 4.9 % فقط . وبالتأكيد الإنتاج الصناعى فى الصين يتأثر بارتفاع أسعار المواد الخام، ولا يزال الاستهلاك المحلى مرتفعًا، وهذا يرجع إلى  سياسات الإغلاق الصارمة من قبل الحكومة الصينية، أيضا تباطؤ سوق العقارات، وكذلك ديون الحكومة المحلية الضخمة. ولكن بحلول نهاية هذا العام، من المتوقع أن توسع الحكومة المركزية الصينية المشتريات الحكومية، بالإضافة إلى خفض سعر الفائدة ، وخفض الضرائب على الشركات، وقد تكون هذه السياسات قادرة على مكافحة الركود التضخمي.

أما بالنسبة لباقى دول العالم، وخاصة فى الاتحاد الأوروبى والولايات المتحدة، فإن الركود التضخمى هو الوضع الفعلى فى بعض البلدان فى شرق وجنوب أوروبا. لا يزال الاقتصاد الأمريكى يواجه مخاطر عالية من التضخم المصحوب بالركود، ولكن نظراً  لظهور اللقاحات الفعالة ضد فيروس كورونا التى تتم الموافقة عليها قريبًا من قبل إدارة الغذاء والدواء الأمريكية ، فقد يؤدى إعادة فتح البلاد إلى تقليل المخاطر هناك.

إقرأ أيضاً | رفع عدادات الكهرباء بالوحدات السكنية المخالفة بمدينة السادات 

- من وجهة نظرك، كيف يمكن للصين أن تلعب دورًا مهماً فى ترويض هذه الموجة التضخمية؟
منذ بداية انتشار وباء كورونا، توقفت الاستثمارات والاقتصاد الصينية فى  بعض أجزاء من العالم إلى حد ما. وعلى الرغم من استمرار نمو حجم التجارة، فإن التأثير الاقتصادى الصينى محدود بشكل أساسى فى التجارة والتصنيع. . ولاشك ان الاستثمار الخارجى بتأثر بشدة بالحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة، ولكن لا يزال بإمكان الصين لعب دور إيجابى فى البلدان النامية، والدول  المنضمة لمبادرة الحزام والطريق، مثل مصر على سبيل المثال، وذلك  من خلال تقديم مشروعات البنية التحتية والقروض طويلة الأجل.

حياد الكربون
- هل الإجراءات التى تتخذها الصين بشأن تقليل انبعاثات الكربون يفرض ضغوطاً مستمرة على أسعار السلع الأساسية؟
اجراءات الصين تجاه حياد الكربون يشير إلى أنها لا تسعى فقط إلى النمو الاقتصادى الخاص بها، ولكن أيضًا تسعى إلى النمو المستمر للعالم. وفى الواقع، تلك الاجراءات تمثل ضغط على أسعار السلع الأساسية. ففى سبتمبر الماضى، نمت أسعار بوابة المصنع السنوية فى الصين بأسرع وتيرة على الإطلاق، وكان هذا مدفوعًا بقيود الطاقة وارتفاع أسعار السلع الأساسية، وسوف يتم تمرير هذا الضغط إلى شركات المصب. فى الوقت الذى لا تزال  فيه الحكومة الصينية تبحث عن التوازن بين خفض انبعاثات الكربون وإنتاج الصناعة،  وأعتقد ان السياسات القادمة سوف تكون أكثر ليونة، وسيتم تأمين إمدادات الطاقة فى المقاطعات الصناعية فى جنوب الصين، ولكن قد يستغرق هذا الأمر من 6 إلى 12 شهرًا، لذلك فى النصف الأول من العام القادم، قد نشهد ارتفاعا مستمرا فى الأسعار خاصة فى مجالات السيارات والاتصالات السلكية واللاسلكية والسلع الصناعية الأخرى. وسيؤثر هذا الاتجاه أيضًا على الشركاء التجاريين الرئيسيين للصين إلى حد ما.

- وهل يشعر المواطن الصينى بموجة ارتفاع الأسعار التى يشهدها العالم حاليا؟
بالتأكيد، لكن ليس بشكل قوي،  حيث  موجة أرتفاع الأسعار فى الخضروات ، والطعام الطازج ، وأسعار العقارات ، وأسعار منتجات التجزئة، تتجه نحو الانخفاض. فالحكومة الصينية  تدرس الاَن فى فرض ضريبة على العقارات فى بعض المدن، وقد يؤدى ذلك إلى مزيد من الانخفاض فى أسعار العقارات، وبالتالى فإن الوضع فى الصين مختلف تمامًا عن بقية العالم.

تحديث الصناعات
- لماذا تتجه الصين إلى التخلص من بعض الصناعات، وما أنواعها؟
دعنى أوضح لك الأمر، لا أوافق على أن الصين تتخلص من أى صناعات. لكن الصين تحاول تحديث معظم الصناعات، باستخدام أحدث التكنولوجيا والذكاء الاصطناعى، وأقل استهلاكًا للطاقة، وصديقة للبيئة. ومنها على سبيل المثال،  تحديث مركز التجارة الإلكترونية، فى مقاطعة تشجيانغ.

وأمثلة للصناعات التى تسعى الحكومة للتطويرها، صناعة النسيج والصباغة ومحطة الطاقة الحرارية، حيث تساهم كل هذه الصناعات بنسبة 30 ٪ من الناتج المحلى الإجمالى ولكنها فى نفس الوقت تستهلك 70 ٪ من الكهرباء. لذلك  تعمل الحكومة على تغيير هذا الوضع غير المتناسب، ويرجع أسباب اتخاذ الصين بالبدء فى هذه العملية،  أزمة الطاقة  وانتشار فيروس كورونا.

- لا شك أن موجة ارتفاع الأسعار تؤثر على المستوردين على مستوى العالم، وخاصة المستوردين المصريين.. كيف تقيم تأثير ذلك على حركة التبادل التجارى بين البلدين فى الفترة القادمة؟
تعد مصر من بين أكبر 3 شركاء تجاريين للصين فى إفريقيا، ولا يستورد المصريون فقط من الصين القارية ولكن أيضًا من دبى ، لذا فإن العلاقة التجارية أكثر أهمية مما تظهره الإحصاءات. كما ذكرت مسبقاً، تتأثر التجارة الدولية بشدة بسلسلة التوريد العالمية وارتفاع تكلفة الشحن، لكن أعتقد أن الوضع سيكون أفضل بحلول منتصف عام 2022، وقد تستأنف واردات السلع الإلكترونية وأجهزة الصناعة فى ذلك الوقت.

السلع المستوردة
- من وجهة نظرك، ما الصناعات التى قد تنجح مصر فى إنتاجها محلياً؟.
أعتقد أن مصر مستعدة لتوطين صناعة المنسوجات ، والمنتجات البلاستيكية، والسلع المعمرة الرئيسية( السلع البيضاء)، وقطع غيار السيارات. لقد علتنا أزمة وباء كورونا أن سلسلة التوريد العالمية أكثر هشاشة مما كنا نظن، لذلك فقط اجعل العمال مشغولين واجعلهم يتعلمون أشياء جديدة.

- كيف تتحكم الصين فى قيمة عملتها المحلية ( اليوان) لتحقيق التوازن بين الطلب على صادرات البلاد وارتفاع أسعار السلع؟
خلال الأشهر العشرين الماضية، ارتفعت قيمة الرنمينبى الصينى بنسبة 10-12٪ مقابل الدولار الأمريكي، ويرجع ذلك فى الأساس إلى زيادة السيولة النقدية بشكل كبير من قبل ااحتياطى الفيدرالى الأمريكي. ومن أجل الحفاظ على الميزان التجارى مع الشركاء التجاريين الرئيسيين على مستوى العالم ، يتعين على الصين أن تحافظ على ارتفاع قيمة عملتها ( اليوان الصينى) بوتيرة معتدلة، ليس سريعًا جدًا ، وليس بطيئًا للغاية، مما سيضعف بالصادرات الصينية.

- ما تأثير ارتفاع قيمة الرنمينبى على التبادل التجارى بين الصين والدول النامية؟
يتأثر تداول السلع العالمية بشكل كبير أيضًا بارتفاع قيمة الدولار الأمريكي، وسوف يقود هذا فى دفع السلع المستوردة إلى مستوى سعر أعلى.
 حتى الآن، لم نشهد أى تغيير فى هذا الاتجاه. ولكن من أجل تخفيف ضغط ارتفاع الدولار الأمريكي، تواصل الصين تشجيع الواردات من الخارج ، لذلك بالنسبة لدول مثل مصر يجب أن تفكر فى بيع المزيد من السلع إلى الصين، سيكون هذا مفيدًا أيضًا لميزان التجارة الثنائية.

 

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة