آمال عثمان
آمال عثمان


أوراق شخصية

فلسفة الجمال.. وفن القبح! (2-2)

آمال عثمان

الجمعة، 19 نوفمبر 2021 - 06:23 م

يرى الفنان فيما لا يراه غيره ما يثير خياله، ويحقق بتعبيره عنه جمالاً فنياً فى لوحة تُصور وجهاً بائساً، أو فى عمل فنى رائع يجسد دمار الحروب مثل «الجرنيكا» للفنان العالمى «بابلو بيكاسو» التى رسمها خلال الحرب الأهلية الإسبانية، وقد تكون فى فيلم جميل وعظيم مثل «بداية ونهاية»، «الزوجة الثانية»، «القاهرة 30» وغيرها من أفلام أبدعها المخرج الراحل صلاح أبو سيف، رائد «الواقعية» البعيدة عن القبح والابتذال والمبالغة، فكراً ولغة وصورة، أفلام عبرت عن أحلام وآلام وطموحات وصراعات الإنسان، وجسدت حياة الناس فى شوارع مصر وحواريها وريفها، من خلال سينما جميلة امتزجت بروحه المبدعة، ومشاعره الفنية الصادقة، دون تملق وتزلف وابتذال، أو تقزز وقرف واشمئزاز. 


فالواقعية لا تعنى القبح والقذارة، وقيمة العمل الفنى بما يثيره فى الجمهور من تأثير، وما يحدثه فى النفس الإنسانية، فالفيلم لا يُصوِر الواقع، لكنه ينقل تأثيراً واقعياً إلى مشاهديه، هذا التأثير النفسى يجعل السينما تعطى انطباعاً للمشاهد بأن ما يرى هو الواقع، أو إيهامه بأن ما يُعرض صورة للواقع، لكن ما يظهر أمامنا هو فقط ما تصوره الكاميرا، والتى تحرِكها إرادة المخرج وصناع الفيلم، واستيعابنا لقوة الأفلام السينمائية يقع -إلى حدٍّ كبير- على طرف النقيض من استجاباتنا الأقل حدة للحياة الواقعية، لذا فإن الزعم القائل بأن السينما جزء من الواقع، لا يقدم تفسيراً لأى من استجاباتنا القوية للأفلام، وهذا يجعلنا نبحث عن تفسير آخر -لا يعتمد على الواقعية- لتعليل قوة الأفلام.


إن وظيفة الفن السينمائى ليست الإمعان فى تصوير القبح والعنف والقمامة والقذارة، أو المبالغة فى الابتذال والقسوة والبشاعة والكآبة، تحت زعم الواقعية الساحرة أوالفن الطليعى أو الثورة على المألوف، ولكن السينما رسالة اجتماعية للتثقيف والترفيه، تلمس قلوبنا وتوقظ أفكارنا، وتفتح عقولنا على أماكن وتجارب مختلفة، تعيد البريق لحياتنا، وتغير رؤيتنا للأشياء.


 ويظل بين الجمهور داخل صالة العرض المظلمة، وصانع العمل السينمائي، عقد أو اتفاق ضمنى غير مكتوب، بموجبه يُصدق المشاهد ما يراه من أحداث على الشاشة السحرية المضيئة، وهو يدرك تماماً أنها ليست أحداثاً حقيقية، مقابل أن يحقق له الفيلم المتعة الفكرية والفنية والبصرية، ولكن إذا فشل صانع الفيلم فى تحقيق تلك المتعة، فهذا لا يعنى أنه أساء للواقع أو المجتمع أو سمعة بلده، وإنما أساء لنفسه وفنه وخذل جمهوره! 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة