عبدالله البقالى
عبدالله البقالى


حديث الاسبوع

هذا الغرب الذى يموت

الأخبار

السبت، 20 نوفمبر 2021 - 05:33 م

ألقى الكاتب والمؤلف الأمريكى (باتريك جيه بوكانن) بحجر كبير فى مياه بركة النقاش العمومى فى الغرب غير الراكدة أصلا، بأنْ طرح فكرة (موت الغرب) فى كتابه الجديد.


إذا كانت نظرية (نهاية الغرب) قد طرحت فى السابق لاعتبارات ديموغرافية صرفة، فإن نظرية (موت الغرب) تستند إضافة إلى العامل الديموغرافى إلى ما سماه مؤلف الكتاب بـ (السقوط الأخلاقى) للغرب، وبسبب ذلك فإنه يعتبر الموت المقبل مريعا ومخيفا «لأنه وباء ومرض من صنع أيدينا، ومن صناعة أفكارنا، وليس بسبب خارجي، مما يجعل هذا الموت أسوأ بكثير من الوباء الأسود الذى قتل ثلث سكان أوربا فى القرن الرابع عشر».


كثير من الكتاب والخبراء تحدثوا عن (نهاية الغرب) التقليدى بمفهومه الجغرافى والديموغرافي، مما يحتم اتخاذ تدابير وقرارات حاسمة قد تؤجل هذا الموت إلى وقت لاحق. ومن المرجح أن تتحول ظاهرة الهجرة التى يحاربها الغرب ويكرهها الغربيون، إلى وسيلة لإنقاذ الغرب من موته، أو على الأقل تأجيلها إلى حين، واستعرضوا تفاصيل الإحصائيات التى تؤكد هذه الحقيقة العلمية، ليس أقلها أهمية مثلا أن معدل الخصوبة انخفض لدى المرأة الأوربية إلى طفل واحد لكل امرأة، وأن الحاجة الديموغرافية تحتم معدل خصوبة لا يمكن أن يقل عن طفلين لكل امرأة، كحد أدنى لتحقيق مجرد التوازن بين معدل الوفيات ونظيره المتعلق بالولادات.


وتشير الإحصائيات إلى أنه إذا بقى معدل الخصوبة عند هذا الحد، فإن سكان أوربا الذين يتجاوز مجموعهم 730 مليون نسمة سيتقلص إلى 200 مليون نسمة فى نهاية القرن الجارى، وإذا ما تقلصت نسبة الخصوبة، وهذا وارد جدا، فإن عدد السكان سيقل عن ذلك ، ومن ثمة فإن منتصف القرن المقبل قد يمثل نهاية الجنس البشرى الأوربي، ويطرح الخبراء فى هذا الصدد إشكالية كبيرة جدا تتجسد هذه المرة فى شيخوخة الساكنة فى الدول الغربية ، فأمام انخفاض معدلات الخصوبة، تتسع دائرة السكان المسنين، لتفقد مجتمعات الدول الغربية التوازن بين أجيالها ، وتميل الكفة إلى المسنين الذين تتطلب أوضاعهم الهشة حماية اجتماعية شاملة وفعالة، لكنها جد مكلفة، و تتحول هذه المجتمعات إلى تجمعات ديموغرافية تخدم أقليتها لفائدة غالبيتها من الشيوخ.


ويستدل مؤلف الكتاب على موت أوربا بسبب الاختلالات الكبيرة بين المواليد والوفيات، بالإشارة إلى أن مناطق أخرى من العالم (الهند، الصين، دول أمريكا اللاتينية) تعرف انفجارا سكانيا غير مسبوق بوتيرة تزيد على 80 مليون ولادة كل عام، مما يعنى أنه بحلول سنة 2050 سيصبح مجموع السكان الإضافيين فى هذه المناطق أربعة مليارات نسمة من البشر. ويستعرض المؤلف إحصائيات دقيقة فى هذا الصدد، ليكشف حجم الكارثة التى يقدم عليها الغرب، حيث يؤكد أن سكان ألمانيا مثلا سينزل من 82 مليون إلى 59 مليون نسمة، وسيشكل مجموع المسنين منهم أكثر من ثلث السكان، وسيتقلص عدد سكان إيطاليا من 57 مليونا إلى 41 مليون نسمة، وستصل نسبة المسنين منهم إلى 40 بالمائة، فى حين سينخفض سكان إسبانيا بمعدل 25 بالمائة، وفى روسيا سينخفض عدد السكان من 147 مليونا إلى 114 مليون نسمة، وفى اليابان من 127 مليونا إلى 194 مليون نسمة سنة 2050.


طبعا، النقاش التقليدى للإشكالية الديموغرافية فى العالم بأسره، وعلى وجه الخصوص فى الدول الغربية، كان ينحصر فى إطار الصعوبات الاقتصادية، التى أضحت محددة وحاسمة فى كثير من الاختيارات، ومن ضمنها الإقبال على الزواج ، وبعده الإنجاب، وبعدهما معدلات الإنجاب، لكن صاحب نظرية (موت الغرب) يرى اعتبارات وأسبابا أخرى وراء عزوف الغرب عن الإنجاب، حيث يحددها فى «النتائج المميتة لهذه الثقافة الجديدة فى الغرب والموت الأخلاقى الذى جرته هذه الثقافة على الغربيين، وهذا ما سيتسبب فى موتهم البيولوجى» ويؤكد أن «انهيار القيمة الأساسية الأولى فى المجتمع، وهى الأسرة، وأخيرا الأعراف الأخلاقية الدينية التى كانت فيما مضى تشكل سدا فى وجه منع الحمل، والإجهاض والعلاقات الجنسية خارج إطار المؤسسة الزوجية، إضافة إلى تبرير، بل تشجيع العلاقات الشاذة المنحرفة بين أبناء الجنس الواحد، كل هذا دمر بشكل تدريجى الخلية المركزية للمجتمع، وأساس استمراره، ألا وهى الأسرة» ويقدم المؤلف ما يراه مناسبا من إحصائيات وأرقام لترجيح وجهة نظره فيما يحدث، فهو يذكر بأن العدد الإجمالى لعمليات الإجهاض مثلا انتقل فى الولايات المتحدة الأمريكية من 6000 عملية سنة 1966 إلى 600 ألف حالة إجهاض بعد مرور عشر سنوات فقط، فى حين قفز الرقم إلى مليون عملية إجهاض فى العام الواحد، أما نسبة الأطفال غير الشرعيين فهى تبلغ 25 بالمائة من مجموع الأطفال فى الولايات المتحدة، كما يعيش ثلث الأطفال من الأطفال الشرعيين دون أحد الأبوين بسبب الطلاق أو غيره من الأسباب، كما أن عدد حالات الانتحار بين المراهقين الأمريكيين تجاوز ثلاثة أضعاف ما كان عليه سنة 1960، أما عدد المدمنين على المخدرات (وليس المتعاطين) فبلغ أكثر من ستة ملايين شخص.


إذن نظرية (موت الغرب) التى يتحدث عنها المؤلف بكثير من القلق والغضب تربط بين العاملين البيولوجى والديموغرافى الناتج عن السياسات الاقتصادية والاجتماعية السائدة فى الغرب، وهى سياسات ليبرالية غارقة فى التغول والتوحش، والتى فرضت واقعا معينا تقدمت فيه المصالح الاقتصادية والمالية الصرفة على الإنسان كأولوية الأولويات، والعامل الأخلاقى الذى أفقد المجتمع الغربى الهوية الإنسانية، حيث اضمحلت القيم والمثل المرتبطة بالدين وبالحضارة البشرية وبالعلاقات الإنسانية، وتوارت الأدوار الطلائعية للمؤسسات المركزية فى المجتمع، كما هو الشأن بالنسبة إلى الأسرة والمدرسة والإعلام والعلاقات العامة بين الأفراد والجماعات.


ومن الطبيعى أن يخلف هذا الترابط بين عاملين خطيرين رزمة كبيرة من الأسئلة الحارقة والمحيرة حول مصير هذا الغرب، الذى يفقد قوته الضاربة والظالمة بالتدريج يذهب بها البعض إلى حد الموت الطبيعى والحتمى.


نقيب الصحفيين المغاربة

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة