الاستثمار فى اللقاحات
الحسابات المجهولة تـساعد فى ترويجها
«الأخبار الكاذبة».. منافسة وأرباح أم «حرب شائعات»؟!
الأحد، 21 نوفمبر 2021 - 09:52 ص
كتبت: دينا توفيق
بين التشكيك والصمت،يدخل العالم فى متاهة الشائعات.. خبر وتقرير يوصف بالحصري.. ولكن ما مدى صحته، أين الحقيقة.. لا أحد يعلم.. أخبار تنشر والجميع يتكهن وتكثر الثرثرة ومع تكرارها يتم تداولها وكأنها حدثت بالفعل، ولكن دون الاستناد إلى أساس، أو معلومة تدعمها.. ومع صمت وسائل الإعلام الرسمية والمسئولين عن نفى الخبر أو تأكيده؛ تزيد علامات الاستفهام ويكتنف الأمر غموضًا.. ونبدأ فى البحث عن أى خيط رفيع يمكن أن يرشد نحو الحقيقة الضائعة أو يزيد الأمر تعقيدًا!
ومثلما حدث خلال الأيام القليلة الماضية مع انتشار أخبار عن قيام مكتب التحقيقات الفيدرالى FBI بإلقاء القبض على المدير التنفيذى لشركة فايزر األبرت بولارب فى إحدى ضواحى نيويورك بعد توجيه تهمة تضليل الرأى العام العالمى حول الآثار الجانبية للقاح، وأمر السلطات الأمريكية بحظر النشر فى هذه القضية لحين الانتهاء من التحقيقات، وفقًا لموقع Conservative Beaver الكندى . ولكن ما زاد الأمر غموضًا ودفع البعض إلى التأكيد على مصداقية الخبر، هو عدم نفيه سواء من وكالات الأنباء ووسائل الإعلام الرسمية أو من السلطات الأمريكية.. الجميع التزم الصمت عدا مجلة افوربسب الأمريكية، التى سعت فى اليوم التالى إلى توضيح الأمر ومحاولة الوصول إلى معلومات لتكذيب الأخبار التى نشرها الموقع الكندي.
ومنذ نشر الخبر كثرت التكهنات وربط البعض الأمر بالإعلان عن دواء الشركة الجديد لمحاربة وباء كوفيد-19. كما جاء صمت ابولارب نفسه وعدم نفيه الخبر بتغريدة عبر حسابه الشخصى على مواقع التواصل الاجتماعى اتويترب لعدة أيام، ليفتح الباب على مصراعيه أمام التكهنات والترويج لمزيد من الأخبار، التى تبدو غير صحيحة لعدم تأكيدها أو نفيها. وأوضحت افوربسب أنه لم يتم القبض على بورلا بتهمة الاحتيال كما زعم الموقع الكندى، واصفة ما حدث بالمؤامرة وادعاءات غير مدعومة بأدلة على صحة الاعتقال أو الاحتيال بأى شكل من الأشكال. لم يكن موقع الكندى محددًا بشأن الاتهامات الموجهة للرئيس التنفيذى لشركة فايزر، حيث ذكر أن ابورلا يواجه اتهامات بالاحتيال لدوره فى خداع العملاء بشأن فعالية لقاح كوفيد-19. بالإضافة إلى اتهامه للشركة الأمريكية بتزوير البيانات والتلاعب بالمعلومات ودفع مبالغ كبيرة كرشاوى للحكومات ووسائل الإعلام الرئيسية كى تلتزم الصمت. وكان الموقع مستندًا فى تقريره على تصريحات لأحد محققى مكتب التحقيقات الفيدرالي، دون ذكر اسمه.
ومع الضجة التى نتجت عن التقرير وانتشرت سريعًا مثل انتشار النار فى الهشيم بين مواقع التواصل الاجتماعى المختلفة، بما فى ذلك العديد من الحسابات المجهولة، لم يكن هناك أى تصريح من أى جهة مسئولة يخمد النيران ويزيح دخان الشائعات. وبحسب مجلة فوربس لم يقدم الموقع الكندى أى حقائق وأدلة فعلية لدعم مزاعمه؛ حتى محقق مكتب التحقيقات الفيدرالى ظل مجهولًا وراء عبارة ارفض ذكر اسمهب حتى لم يكن هناك صور أو مقاطع فيديو لعملية الاعتقال. وتوضح المجلة الأمريكية أنه فى نفس يوم نشر خبر الاعتقال ظهر بورلا فى برامج تلفزيونية مختلفة مثل قناة CNBC؛ لكن فى نفس الوقت أرجع البعض ظهوره قبل عملية القبض عليه. صمت بورلا فى ذلك التوقيت مع إعلانه عن دواء جديد يكافح الوباء أثار علامات استفهام كثيرة وحتى يومنا هذا، خاصة أنه ظهر يوم 10 نوفمبر الجارى بعدة تغريدات وكان من بينها تغريدة يوضح فيها مدى سعادته لحضور إحدى الحفلات مع زوجته وابنته.
وبحسب فوربس الأمريكية، فيما يتعلق بـاالتعتيم الإعلاميب المفترض، ليس من الواضح من الذى قد يكون قد تلقى مثل هذا الأمر أو المذكرة، أى شخص يعتقد أن مثل هذا التعتيم سيحدث فى الولايات المتحدة لا يفهم كيف تعمل وسائل الإعلام الشرعية فى هذا البلد. سيكون من الصعب جدًا على أى شخص منع قصة كبيرة مثل إلقاء القبض على شخصية عامة كبيرة أو لقاح له آثار جانبية كبيرة؛ خاصة أن كل مراسل سوف يكافح ليكون أول من ينشر مثل هذه الأخبار إذا كانت قد حدثت بالفعل. هل كان الادعاء بوجود اتعتيم إعلاميب وسيلة لتبرير سبب وجود هذا الخبر على الموقع الكندى فقط، بمعنى أنه كان حصريا للموقع، لا أحد يعلم أيضًا؟.
وبالتأكيد، من المهم مراقبة ما قد تفعله شركات الأدوية. وعلى سبيل المثال، خلال جائحة فيروس كورونا، تم انتقاد شركات الأدوية لعدم إتاحة اللقاحات بشكل أكبر للسكان ذوى الدخل المنخفض، خاصة بعد تلقى أموال كبيرة من الإدارة الأمريكية لمواصلة تطوير اللقاحات وتوزيعها؛ حتى أن المفاوضات المالية بين إدارة الرئيس الأمريكى السابق ادونالد ترامبب وشركات الأدوية عام 2020 كان معلنا عنها.
ومن ناحية أخرى، سعت صحيفة USA Today الأمريكية إلى محاولة الوصول للحقيقة، ولكن الأمر الغريب بعد أسبوع من نشر الموقع الكندى لخبر اعتقال بورلا الرد جاء متأخرا من الصحيفة الأمريكية مما كان وحده علامة استفهام كبرى؛ تحت عنوان االتحقق من الحقائق: قصة ملفقة تفيد بأن الرئيس التنفيذى لشركة فايزر قد تم اعتقاله بتهمة الاحتيال على لقاح كوفيد-19ب، كان ردها أنه على الرغم من الادعاءات المستمرة عبر الإنترنت، لا يوجد دليل على أنه تم القبض على بورلا أو اتهامه بالاحتيال المتعلق باللقاحات. وقالت المتحدثة باسم شركة فايزر، إيمى روز فى رسالة بريد إلكترونى أن هذا الادعاء عارٍ تمامًا من الصحة، مما أثار تساؤلات أيضًا نحو صمت الشركة طوال هذه الأيام على ادعاءات يمكن أن تصيب مصداقيتها فى سوق الدواء ومن ثم تكبدها خسائر طائلة.
هذه ليست المرة الأولى عن تداول أخبار وتقارير، كما يقولون كاذبة، التى تتناول الصحة العامة فى ظل تفشى جائحة كورونا وظهور اللقاحات والإعلان على قرب توافر عقاقير؛ خاصة مع سرعة انتشارها وعدم وجود نفى أو تكذيب لها أو حتى تصحيح المفاهيم الخاطئة الدائرة حولها. الغريب فى الأمر أن الصحف الرئيسية مثل انيويورك تايمزب أو اواشنطن بوستب وحتى وكالة ارويترزب التزمت الصمت ولم تخرج لتنفى أو تؤكد صحة الخبر. كما لم يخرج مسئولو الصحة العامة بأى تصريحات تتعلق بخبر اعتقال بورلا سواء بالنفى أو الإيجاب، حتى أنهم طوال الشهور الماضية منذ تفشى الوباء كانت تصريحاتهم متضاربة بشأن طرق الوقاية والتصدى للمرض، الخبر وعكسه فى غضون أيام وربما ساعات.
ووفقًا لـامدرسة لندن لحفظ الصحة وطب المناطق الحارةب، تثير اللقاحات القلق ومع تزايد تصورات المخاطر والشائعات. يتم تنظيم اللقاحات - وإلزامها فى بعض الأحيان - من قبل الحكومات، ويقاومها أولئك الذين يشعرون بأن حرياتهم مقيدة لفرضها عليهم. كما يتم إنتاجها أيضًا من قبل صناع الأدوية، التى من المفترض أن تهدف فى المقاوم الأول إلى دوافع إنسانية؛ إلا أنها فى الحقيقة مشاريع لجنى الأرباح، ما يزيد من إثارة مخاوف الجمهور بشأن دوافعها. كل هذا يعدُّ تداخلًا فى القطاع الصحى الذى أثبت عقودًا من النجاح فى إنقاذ ملايين الأرواح والوقاية من الأمراض، بحسب ما جاء فى تصريحات أستاذة الأنثروبولوجيا وعلوم المخاطر ومديرة امشروع الثقة باللقاحاتب التابع لمدرسة لندن اهايدى لارسونب حول التحديات وثقة الأفراد فى عملية التحصين. وترى لارسون أن الإعلام الرقمى ساهم فى تضخيم مخاطر التحصين فى نظر المجتمع، لكن لا يمكن إلقاء اللوم على طرف واحد فى ظهور هذه الموجة من رفض اللقاحات.
فيما رأى البعض أن ما يحدث الآن منافسة شركات ولا يتعلق بالصحة العامة بوجه عام الأرباح وبراءة الاختراع فى المقام الأول؛ مثل النزاع على براءات الاختراع بين شركة موديرنا والمعاهد الوطنية للصحة اNIHب، فيما أعلنت الأخيرة قائلة إنها لن تستسلم فى معركة براءات الاختراع مع موديرنا بما فى ذلك اتخاذ إجراءات قانونية إذا رأى المحامون ذلك ضروريًا، مؤكدة على أن علماءها ساعدوا فى ابتكار مكوِّن حاسم من لقاح فيروس كورونا الحديث. لقاح موديرنا، ووفقًا لما نشرته صحيفة انيويورك تايمزب الأمريكية، نشأ من أربع سنوات بالتعاون الشركة وعلماء مركز أبحاث اللقاحات التابع للمعاهد الوطنية للصحة. وذكرت الصحيفة أن الشركة منعت ذكر أسماء هؤلاء العلماء فى طلب براءة الاختراع. وتمضى قائلة أكثر من كونها أزمة اعتراف علمي؛ فإن عند مشاركة المعاهد الوطنية فى براءة الاختراع، سيكون للحكومة حق غير مقيد فى منح ترخيص لقاح موديرنا لمصنعين آخرين، مما قد يوسع الوصول إليه فى الدول الفقيرة ويجلب للحكومة إيرادات بملايين الدولارات. وتلقت شركة موديرنا 1.4 مليار دولار من الحكومة الفيدرالية لتطوير لقاحها و 8.1 مليار دولار أخرى لتزويد البلاد بنصف مليار جرعة. كما أنها تحقق أرباحًا بمليارات الدولارات من صفقات التوريد. فيما أوضح مسئولو إدارة الرئيس الأمريكى اجو بايدنب إنهم يفتقرون إلى السلطة القانونية لمطالبة موديرنا بالإفصاح عن مكون اللقاح من المركبات والعناصر مع الشركات المصنعة التى يمكن أن تنتجها بتكلفة أقل للدول الفقيرة. الأكاذيب ونيران الشائعات ستظل مشتعلة طالما تجد وقودها مع الصمت نحو نفيها أو حتى تأكيدها.
الكلمات الدالة
الاخبار المرتبطة