جان بول سارتر
جان بول سارتر


بعد دعوات منع «المومس الفاضلة»: من يتحكم في الذوق العام؟

أخبار الأدب

الأحد، 21 نوفمبر 2021 - 04:50 م

كتب : شهاب طارق

سميحة أيوب: هل يعقل أن يتم الحكم على مسرحية بناء على اسمها فقط؟

 

زين العابدين فؤاد: جهل فاضح


أثيرت مؤخرًا حالة من الجدل بسبب ما أعلنته الفنانة إلهام شاهين بشأن استعدادها للعودة إلى خشبة المسرح لتجسيد دور البطولة فى المسرحية التى كتبها الفيلسوف والكاتب الفرنسى جان بول سارتر، «المومس الفاضلة»، بناء على ما اقترحته عليها الفنانة سميحة أيوب والتى سبق أن قدمت تلك المسرحية فى ستينيات القرن الماضى.
وبمجرد أن أعلنت إلهام شاهين الخبر حتى لاقى الكثير من الاعتراضات من جانب رواد منصات وسائل التواصل الاجتماعى، وسرعان ما انتقل الأمر إلى مجلس النواب إذ تقدم أحد الأعضاء بطلب إحاطة رافضًا من خلاله اسم المسرحية! وفى المقابل رفض الكثير من المثقفين فكرة مصادرة الإبداع أو التدخل لمنع أى عمل فنى. 


الفنانة سميحة أيوب قالت لأخبار الأدب: كان يجب أن تناقش المسرحية، لا أن يقوم أحد بمهاجمتها بمجرد طرح اسمها فقط، فهذا أمر لا يجوز إطلاقًا. وتساءلت أيوب: على أى أساس يتم الحكم المسبق على الأعمال الفنية والإبداعية؟ فهل يعقل أن يتم الحكم على المسرحية بناء على اسمها فقط، فأنا اتأسف على ما وصلنا إليه .


واتفق معها الناقد الفنى طارق الشناوى إذ أوضح: ما حدث هو تراجع كبير أصاب الثقافة المصرية والوعى المصرى أيضا، لأن عضو مجلس الشعب الذى تقدم بطل إحاطة داخل المجلس اعتبر أن لفظ «المومس الفاضلة» سبة ولا يجوز أن تكتب الكلمة، فهذا معناه أنه لا يعرف أن الفن لا يوجد به مثل هذه الأمور، لأنهم لا يعلمون أن هناك تناقضاً بين الكلمة الأولى والثانية؛ فالتناقض هنا جزء من العملية الإبداعية، فعمق الرواية يتجه نحو معنى أجمل وأعمق، إذ يدعو إلى نبذ التطرف والحكم المسبق على الناس وكذلك التحرش المعنوي، فالدعارة ليست ممارسة جسدية فقط لكن الدعارة تعتمد على الممارسة الفكرية هذه هى الدعارة الحقيقية وفقا لمفهوم سارتر، لأنه طرح فكرة مغايرة ومنطقية من وجهة نظره، فعنوان العرض جزء من العرض نفسه، بالتالى فلا يجوز مصادرة عنوان العرض، فهذا التناقض الذى يخلقه العنوان يدخلنا إلى مساحة إبداعية أخرى تسيطر على المتلقى عندما يتعرض للعمل، فلا يجوز أن نصادره أو نغيره فالمسرحية سمح لها أن تعرض فى ستينيات القرن الماضي، ولم يفرض أحد عليها أية قيود.
يستكمل المفترض ألا يتصدر الإنسان لشيء لا يعلمه فأنا لست ناقدًا رياضيا وبالتالى لا يمكننى أن أتحدث عن الرياضة بطريقة نقدية، لذلك يجب علينا أن نحترم العلم، ولا نبدى رأينا فى كل الأمور، فالنائب الذى تقدم بطلب إحاطة ليس ضليعا بكل شيء، فمن حوالى 4 سنوات اعترضوا أيضا على روايات نجيب محفوظ لذلك لا يجوز أبدا أن تطرح الأمور بهذه الطريقة.

 


الكاتب والسيناريست محمد السيد عيد قال بأنه ضد ما حدث، وضد التقييد على الفن، وضد الحجر على الأفكار، وخصوصا أن تلك المسرحية سبق أن قدمت منذ أكثر من  نصف قرن ولم تعترض عليها الرقابة ولم تعترض عليها أى جهة آنذاك، فمصر كانت تقدم مسرحيات شديدة الجرأة وأكثر جرأة من تلك المسرحية سواء لسارتر أو غيره، ولم يعترض أحد، فالمفترض أن نفتح مساحة كبيرة لجميع الأفكار «فقد استمعت إلى طلب النائب الذى تقدم بطلب الإحاطة إلى مجلس النواب، وعلمت أنه يعترض فقط على الاسم، فأنا لا أعرف ما هو وجه الاعتراض على هذا الاسم؟ فالاسم موجود فى اللغة العربية  وفى كتب الفقه، لذلك لا داعى أبدا أن نصنع مشكلة من لا شىء، فلا يليق أبدا أن نحاكم عمل بهذا الشكل لأن العمل كائن حى كامل واسمه جزء منه».
مرحلة شديدة الحرج
الشاعر زين العابدين فؤاد أشار إلى أن الاعتراض على اسم المسرحية يعبر عن الجهل الفاضح وكذلك الاستقواء من جانب البعض. فيقول: فى الستينيات والسبعينيات عرضت أمامنا تلك المسرحية لعشرات المرات ولم يعترض أحد وقدمت فى جامعة القاهرة، بل دخلت ضمن لجان التحكيم بالجامعة باعتبارها من أفضل الأعمال المعروضة، فقد كانت هناك مسابقة دائمة بالمسرح الجامعي، لذلك أرى أن طرح مثل هذه الأمور فى هذا التوقيت ينم عن جهل فاضح بالثقافة. إذ إننا حاليا فى مرحلة شديدة الحرج لأن هناك البعض الناس يستقوون بالقانون العام؛ كخدش الحياء العام وغيرها من الأمور، وكأنهم حكام على ضمائرنا وهم من يقررون ذلك، فهذا هو جوهر الموضوع، فكيف لأحد أن يتوقف أمام عمل بناء على اسمه فقط، فلو دخل على الانترنت وبحث من خلال جوجل لوجد أن تلك المسرحية هى لسارتر ولها قصة فلسفية عن المقاومة، لذلك أنا حزين جدا، فكيف لأحد أن يحكم ذوقنا العام؟.


يضيف زين العابدين ويقول: هؤلاء يفكرون فى المنع أولا وهم «منعجية» إذا جاز التعبير فهم يفكرون فى المنع لأنهم يظنون أنهم ضمير المجتمع وأولياء أمورنا، لذلك يجب أن تدار الأمور بطريقة أفضل، فهناك الكثير من المحاولات المستمرة للمنع، وهذا نفسه ما حدث مع نجيب محفوظ، ومع المفكر نصر حامد أبو زيد، من خلال رفع قضايا عليهم،

لترهيبهم، وبالتالى هذه هى إحدى محاولات تنفيذ بعض الأجندات السياسية لترهيب المبدعين كما ذكرت، فأنا أرفض المنع نهائيا فمنذ أكثر من 20 عاما عندما كتب سلمان رشدى رواية باسم «آيات شيطانية» فحدث احتجاج وقتها فى الأساس «إيرانى» لأن هناك شخصية داخل العمل فسرت بأنها «الخمينى» لكن فجأة وجدنا فى مصر انتقاد كبير للرواية وبدأ البعض يهاجمونها بل وفوجئنا بصدور فتوى ضد هذه الرواية من جانب علماء الأزهر والذين لم يقرأوا الرواية أصلا. فهذا المنطق والجهل هو ما أخشى أن يعيده البعض مرة أخرى لأنه يعبر عن جهل فاضح.


دروس أخلاق
النائبة ضحى عاصى عضو لجنة الثقافة والإعلام بمجلس النواب أوضحت أن هناك نائباً بالمجلس تقدم بالفعل بطلب إحاطة بخصوص المسرحية، إذ إن طلبات الإحاطة تقدم مباشرة للجهة المسئولة، أو تقدم أولًا للجنة المعنية داخل المجلس، وحتى الآن لم يصل طلب الإحاطة للجنة الثقافة، وبالتالى فلجنة الثقافة والإعلام لم تتخذ حتى الآن موقفا حول هذا الشأن، «لكنى أود أن أشير أنه يحق لأى عضو داخل المجلس أن يتقدم بطلبات إحاطة فى أى موضوع، لكن لا يمكن «وصف» الأمر بأن البرلمان نفسه هو المعترض، لأن الأمر لكى يكون سارى المفعول يجب أن يتم الموافقة عليه داخل اللجنة المعنية، ثم يأخذ الموافقة بالإجماع من جانب أعضاء المجلس فى الجلسة العامة، وهو الأمر الذى لم يحدث بشأن مسرحية «المومس الفاضلة».


أما بالنسبة إلى فأنا أرفض أن يتم منع أى عمل أدبى أو مسرحى لأن الحجر على الثقافة يؤدى فى النهاية لعواقب كبيرة ويؤدى إلى الكبت وعدم القدرة على التعبير فالفن هو جزء من الحياة، ولا يمكن أبدا أن يبرز دائما الأشياء الإيجابية والأشياء المثالية داخل المجتمع، فهو لا يقدم «دروس أخلاق»، فهذه ليست وظيفته، فالحياة ممتلئة بالسلبيات، أما بخصوص الاعتراض على اسم المسرحية فعندما فكرت فى الأمر بنظرة مختلفة، فوجدت أنه من الممكن أن يكون هناك نص مسرحى باسم «القاتل الفاضل» أو «المرتشى» على سبيل المثال والمجتمع بدوره يقبل مثل هذه الأمور، لذلك اتساءل «هل لهذه الدرجة المجتمع أصبح مغرق فى الذكورية لدرجة أن لفظ «المومس» يثيره أكثر من لفظ «القاتل»؟

طارق الشناوى: المسرحية عرضت فى الستينيات ولم يعترض أحد 


 

محمد السيد عيد: العنوان جزء من العمل 
ومصر كانت تقدم مسرحيات أكثر جرأة

 


 

اقرا ايضا | رحيل عاشق القاهرة «همفري ديفيز»

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة