د. أسامة السعيد
د. أسامة السعيد


خارج النص

المدافعون عن القبح!!

د. أسامة السعيد

الأربعاء، 24 نوفمبر 2021 - 05:26 م

تقول الحكمة الفرنسية عند وقوع جريمة ما: «فتش عن المرأة»، ويؤكد الواقع عند وقوع أى مصيبة: «فتش عن المصلحة»، وأقول لكم عندما تجدون شخصا يتجاوز حدوده: «فتشوا عمن سكت عليه وسانده»!

والحقيقة أن ظاهرة رجل الأعمال نجيب ساويرس تستحق بلا جدال الكثير من البحث والنقاش، بأسلوب يتجاوز الغضب العابر الذى تثيره تصريحاته المستفزة، سواء على المستوى السياسى أو الاقتصادى، أو حتى الفنى، وبطريقة يجب أن تعلو على كونها ردة فعل، فهذا الرجل بالفعل «ظاهرة» جديرة بالدراسة وظهوره المثير للجدل، واستمراره العابر للأنظمة والحكومات والمراحل يحتاج إلى تأمل عميق.

وربما أجد من المناسب هنا التذكير بأننى أحد من كتبوا فى مطلع 2019 عدة مقالات عن تجاوزاته الفجة فى الاستيلاء على حديقة الشيخ زايد المركزية، وإنشاء مشروع يخالف كل معايير التخطيط العمرانى للمدينة التى كانت هادئة قبل أن يغزوها صاحب المليارات ويحولها إلى بؤرة عشوائية حتى ولو كان ذلك بإنشاء مشروع من فئة النجوم الخمسة!!

أحد تلك المقالات حمل عنوان «المعلمة فضة فى الشيخ زايد»، وحذرت فيه من تسلل القبح ـ بموافقة حكومية ـ  إلى المدينة التى هرب إليها الآلاف بحثا عن الهدوء والسكينة، ومخالفة كل القوانين من أجل تسهيل سيطرة رجل الأعمال المعجزة على حديقة بنيت بمليارات دافعى الضرائب، لتكون متنفسا لمئات الآلاف من المواطنين، فإذا بها تتحول إلى حديقة خلفية ومجرد «لاند سكيب» لمشروع يضاعف المليارات «الساويرسية»، بينما لن تجنى المدينة التى استثمرت بها الدولة والمواطنون مئات المليارات سوى القبح والفوضى!!

الآن تحول المشروع بالفعل إلى بؤرة إزعاج لا تطاق فى المدينة، ودون أن يتحرك أحد لإنقاذ آلاف السكان الذين يضجون بالشكوى بغير مغيث، ولأن المصلحة هى اللغة التى يجيدها الملياردير المعجزة، فكان لابد أن يدافع عن زبائنه وأصدقائه من مطربى المهرجانات الذين يحيون له الليالى الملاح فى مشروعه الفخم، ويستضيفهم فى مهرجانه السينمائى، حتى ولو كان الثمن هو تدمير الذوق العام ونشر القبح تحت زعم الحرية.

أثق أن حكم التاريخ سيكون صادقا وعادلا على ملياردير مهرجانات الفساتين العارية، فما يقدمه لا يمت بصلة للرأسمالية الوطنية التى تحملت الكثير من أجل بناء اقتصاد مصر فى أوقات بالغة الصعوبة، وتحملت الكثير من الضغوط من أجل إنقاذ البلاد، بينما كان البعض يتباهى بعلاقاته بدول أجنبية، ويستقوى باستثماراته وشراكاته مع مؤسسات خارجية، ويتفرغ للقيام بدور السمسار الذى يجيد دور اقتناص الفرص فى أوقات الاضطرابات والأزمات، ثم يبيع بأضعاف السعر فى أوقات الاستقرار والانتعاش!

رأسمالية السمسرة والانتهازية التى لا تسعى سوى وراء مصالحها الخاصة، مهما كان الثمن الذى تتكبده الدول والمجتمعات، لا ينبغى أن يكون لها وجود تحت سماء وطن يعيد بناء نفسه بتضحيات أبنائه، ويواصل الليل بالنهار من أجل تجاوز سنوات الارتباك التى برزت فيها نماذج تصورت نفسها فوق القانون.
 فى دولة القانون لا ينبغى لأحد أن يبقى فوق القانون، ولا فرق أمام العدالة بين فقير وملياردير.

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة