منزل ومسجد الشيخ عبدالباسط عبدالصمد
منزل ومسجد الشيخ عبدالباسط عبدالصمد


حكايات| قرية «عبدالباسط عبدالصمد».. مسجد مفتوح لا يعرف أطفاله «المحمول»

بوابة أخبار اليوم

الأربعاء، 01 ديسمبر 2021 - 12:49 م

كتب: أحمد كمال


قرن إلا ست سنوات مر على يوم ميلاد واحد من أعظم من قرأوا القرآن الكريم ورتلوه، إنه الشيخ عبدالباسط محمد عبدالصمد الذي ولد في عام الثلاثين من نوفمبر عام 1927 بمدينة أرمنت، وتحديدًا قرية المراعزة.

 

نشأ الشيخ عبدالباسط في بيئة تهتم بالقرآن الكريم، فالجد الشيخ عبدالصمد كان من المشهود لهم بالتمكن من حفظ القرآن وتجويده بالأحكام، والوالد الشيخ محمد عبدالصمد، كان من المجيدين للقرآن حفظًا وتجويدًا، أما الشقيقان محمود وعبدالحميد فكانا يحفظان القرآن بالكتاب فلحق بهما أخوهما الأصغر سنًّا عبدالباسط وهو في السادسة من عمره.


 
التحق الطفل الموهوب عبدالباسط بكتاب الشيخ الأمير بأرمنت فاستقبله شيخه أحسن استقبال؛ لأنه توسم فيه كل المؤهلات القرآنية، وقد لاحظ على تلميذه الموهوب أنه يتميز بجملةٍ من المواهب والنبوغ تتمثل في سرعة استيعابه لما أخذه من القرآن وشدة انتباهه وحرصه على متابعة شيخه بشغف وحب، ودقة التحكم في مخارج الألفاظ والوقف والابتداء، وعذوبة في الصوت تشنف الآذان بالسماع والاستماع. وأثناء عودته إلى البيت كان يرتل ما سمعه من الإذاعة.


 
يقول الشيخ عبدالباسط في مذكراته: «كانت سنّي عشر سنوات أتممت خلالها حفظ القرآن الذي كان يتدفق على لساني كالنهر الجاري وكان والدي موظفًا بوزارة المواصلات، وكان جدي من العلماء فطلبت منهما أن أتعلم القراءات فأشارا عليَّ أن أذهب إلى مدينة طنطا بالوجه البحري لأتلقى علوم القرآن والقراءات على يد الشيخ (محمد سليم) ولكن المسافة بين أرمنت وطنطا كانت بعيدة وشاقة ومكلفة، فالتحقت بالمعهد الأزهري بقنا».

 

اقرأ أيضًا| سورية تطارد الشيخ عبدالباسط عبدالصمد.. إما الزواج أو الموت ! 

 

بدأ الشيخ عبدالباسط رحلته الإذاعية في رحاب القرآن الكريم منذ عام 1952، وانهالت عليه الدعوات من شتى بقاع الدنيا في شهر رمضان وغيرهِ. كما كان استقبال شعوب دول العالم لهُ استقبالاً رسمياً على المستوى القيادي والحكومي والشعبي، فاستقبله الرئيس الباكستاني في أرض المطار. 

 

 

وفي جاكرتا عاصمة إندونيسيا قرأ القرآن الكريم بأكبر مساجدها فامتلأت جنبات المسجد بالحاضرين وامتد المجلس خارج المسجد لمساحة كيلومتر مربع تقريباً فامتلأ الميدان المقابل للمسجد بأكثر من ربع مليون مسلم يستمعون إليهِ وقوفاً على الأقدام حتى مطلع الفجر.


 
أما جنوب إفريقيا فعندما علم المسؤولون بوصولهِ أرسلوا إليهِ فريق عمل إعلامي من رجال الصحافة والإذاعة والتلفزيون لإجراء لقاءات معهُ ولمعرفة رأيهِ عما إذا كانت هناك تفرقة عنصرية أم لا من وجهة نظره، فكان أذكى منهم وأسند كل شيء إلى زميلهِ وابن بلده ورفيق رحلته القارئ الشيخ أحمد الرزيقي الذي رد عليهم بكل لباقة وأنهى اللقاء بوعي ودبلوماسية أضافت إلى أهل القرآن مكاسب لا حد لها فرضت احترامهم على الجميع. 


كانت أول زيارة للشيخ عبدالباسط خارج مصر بعد التحاقهِ بالإذاعة عام 1952، زار خلالها السعودية لأداء فريضة الحج ومعهُ والده، واعتبر السعوديون هذه الزيارة فرصة يجب أن تجنى منها الثمار، فطلبوا منه أن يسجل عدة تسجيلات للمملكة لتذاع عبر موجات الإذاعة.

 

 

لم يتردد الشيخ عبدالباسط وقام بتسجيل عدة تلاوات للمملكة العربية السعودية أشهرها التي سجلت بالحرم المكي وحرم المسجد النبوي الشريف، (لقب بعدها بصوت مكة). ولم تكن هذه المرة الأخيرة التي زار فيها السعودية وإنما تعددت الزيارات ما بين دعوات رسمية وبعثات وزيارات لحج بيت الله الحرام. 

 

من بين الدول التي زارها الهند، حيث تلقى الدعوة لإحياء احتفال ديني كبير أقامهُ أحد الأغنياء المسلمين هناك، وفوجئ الشيخ عبدالباسط بجميع الحاضرين يخلعون الأحذية ويقفون على الأرض وقد أحنوا رؤوسهم إلى أسفل ينظرون محل السجود وأعينهم تفيض من الدمع إلى أن انتهى من التلاوة وعيناه تذرفان الدمع تأثراً بهذا الموقف الخاشع.

 

أمير القراء 

 

لم يقتصر الشيخ عبدالباسط في سفره على الدول العربية والإسلامية فقط وإنما جاب العالم شرقاً وغرباً شمالاً وجنوباً وصولاً إلى المسلمين في أي مكان من أرض الله الواسعة، ومن أشهر المساجد التي قرأ بها القرآن المسجد الحرام بمكة والمسجد النبوي الشريف بالمدينة المنورة والمسجد الأقصى في القدس وكذلك المسجد الإبراهيمي في الخليل بفلسطين والمسجد الأموي في دمشق، وأشهر المساجد بآسيا وأفريقيا والولايات المتحدة وفرنسا ولندن والهند والعراق ومعظم دول العالم، فلم تخل جريدة رسمية أو غير رسمية من صورة وتعليقات تظهر أنه أسطورة تستحق التقدير والاحترام.

 

ويروي الشيخ محمد عبدالعاطي مواقف عديدة للشيخ عبدالباسط في باكستان، منها أنه كان شديد التواضع، حتى أنهم كانوا يعتذرون له لركوبه القطار، فكان يقول: «أنا جئت لخدمة للقرآن في أي مكان وبأي شكل حتي لو ركبت الدابة وهم يطلقون عليه أمير القراء».

 

هنا أرمنت الحيط

 

في عطر تلاوة القرآن بنغم الحنجرة الذهبية أو صوت مكة، شدت «أخبار اليوم» الرحال إلى قرية الشيخ عبدالباسط عبدالصمد «أرمنت الحيط» من الناحية الغربية مرورا على النيل التابعة إدارياً الآن لمحافظة الأقصر التي تم إنشاؤها في عام 2009، وكانت من قبل تتبع محافظة قنا، التي تبعد عن أرمنت الحيط حوالي 80 كيلومتراً، وتقع على الطريق الصحراوي الغربي وفي حضن الجبل.

 

 

يعتبر أهل القرية الشيخ عبدالباسط أهم الشخصيات التي أنجبتها، ويهيمون حباً في صاحب الحنجرة الذهبية، ويجتمع الصغار في عدة «كتاتيب» لتلاوة القرآن وتجويده بأسلوب الشيخ عبدالباسط، ويشرف عليهم عدد من المشرفين المشايخ.

 

مسجد مفتوح

 

وفي قلب القرية نفسها اتخذ عدد من الشيوخ «عبدالباسط» منارة لهم، فالشيخ محمد عبدالعاطي وهو أحد أقارب الشيخ الراحل والنسخة المصغرة منه فقد قرأ القرآن فى جميع أنحاء مصر وتمت دعوته إلى باكستان هذا الشهر، وهناك أيضاً الشيخ دغار غباشي الخضري (35 عامًا)، وهو معلم في تعليم القراءات العشر وفنون القراءة من حيث الصوت والأداء والمخارج.

 

ولا تزال قرية أرمنت الحيط تعيش بالكامل في رحاب القرآن، وتختفي فيها الشكوى العامة من إقبال الأطفال على التليفون المحمول وألعاب الكمبيوتر، فأبناء القرية قليلو الاهتمام بالإنترنت بسبب التركيز الشديد على حفظ القرآن الكريم، حتى أن معظم البيوت يضم كل منها كُتَّاباً لقراءة القرآن وحفظه وتعليمة، لتبدو القرية وكأنها مسجد مفتوح.

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة