د. يوسف إدريس
د. يوسف إدريس


كنوز| يوسف إدريس يكتب: ضبط المصطلحات

عاطف النمر

الأربعاء، 01 ديسمبر 2021 - 05:34 م

بقلم : د. يوسف إدريس

لا تغيظني كلمة أكثر من كلمة الحرية إذا ذُكرت مجرَّدة، فلا شيء هناك اسمه حرية فى الهواء، الحرية مجرد رغبة بشرية لا يمكن أن تحقق نفسها إلا من خلال كفاح الإنسان ونضاله وقدرته على التحقيق، وما أكثر المقالات التى نقرؤها فى صحافتنا تطالب بالحرية..

حرية ماذا ؟ وحرية مَن؟!


أنا أفهم أن يُطالِب الكاتب أو الحزب بحريات محدَّدة واضحة مجسَّدة من المُمكن تحقيقها، أفهم أن يُطالِب الكاتب بحرية الانتخابات، بحرية النقابات فى مزاوَلة نشاطها، كافة أنواع النشاط، بحرية تشكيل الأحزاب، بحرية إصدار الصحف، بحرية الكاتب، بحرية المواطن أن يختار مُمثليه وحاكمِيه وتغييرهم، الحرية مقترنة بتطبيق محدَّد، فالحرية ككلمة لا معنى لها بالمرة، إنما المعنى الحقيقى فى مزاولتها، فحرية الصحافة مثلًا شعار جميل جِدًّا، ولكن لكى تتحقَّق هذه الحرية، لا بُدَّ أن تُقرَن بالضمانات التى تحمى هذه الحرية وتَكفُلها، الديمقراطية أيضًا، مثلها مثل الحرية مجرد كلمة تظلُّ جوفاء لا معنى لها إلى أن تجسد على حياة ديمقراطية، ولقد كان الشعار السادس لثورة يوليو 1952 هو إقامة حياة ديمقراطية سليمة، ومنذ البداية اعترض على كلمة سليمة، لا توجد حياة ديمقراطية سليمة وحياة ديمقراطية غير سليمة، إنما توجد حياة ديمقراطية أو حياة غير ديمقراطية.


وكلمة مثل الانفتاح الرشيد، كلمة مُصطَنعة، أردنا بها أن نتحايل للانتقال من المرحلة شبه الاشتراكية إلى مرحلة شبه رأسمالية، فلماذا لا نُسَمِّى الأشياء بمسمياتها، لماذا لا نقول إننا نعيش عصرا رأسماليا، نقولها ونعيش هذا العصر بكل مُتطلباته، فالرأسمالية تستلزم إقامة حياة كاملة ديمقراطية، وإقامة الرأسمالية بدون ضمانات لحرية حركة رأس المال وحرية تكوين الشركات والأحزاب، وحرية اختيار ممثِّلى الشعب وممثِّلى الرأسمالية، هو سلب للرأسمالية من ميزة اختيار الأصلح والأقوى، وميزة حرية الصراع التى لا يصمد فيها إلا الجدير بالصمود ، أمَّا إقامة الرأسمالية فى ظل قيود أو «اختناقات!»

ديمقراطية، فلا يَنتج عنها سوى المحسوبية والشِّلَلية والعصابات وإدارة دفَّة الحكم من أجل طبقة غير ظاهرة للعيان، وغير مسئولة أمام مجالس نيابية وأمام صحافة حرة فى نقدها وكشفها وأمام قضاء له الحق الكامل فى إدانتها إذا أخطأت أو غشَّت أو دلَّسَت أو تهرَّبَت أو سرقت، وإذا سمَّينا الأشياء بأسمائها، فإن قمة الرأسمالية فى العالم هو النظام الأمريكى، والنظام الأمريكى ليس هو ما نراه فى حلقات « دالاس» وقصص «الكاوبويز». إن النظام الأمريكى قائم على مبدأ حرية المنافسة التجارية والصناعية والزراعية، ولهذا فالحرية مطبَّقة فى كل ناحية من نواحيه، فإذا كُنَّا قد أردنا أن نُقلد الانتعاش الرأسمالى الأمريكى بانتعاش رأسمالى مصرى، فلماذا نأخذ القطعة الضارة من الرأسمالية ونترك أحسن ما فيها ونستبدلها بأسوأ ما فى الاشتراكية.


والاشتراكية لها قواعد إمَّا أن تأخذها كلها كوحدة وإمَّا أن تتركها كلها وتُصبح رأسماليًّا، الاشتراكية لها ضماناتها، فبجانب أنها تضمَن حق التعليم وحق العلاج وحق العمل، فإنها تَضمن حق التعبير عن الرأى، سواء فى المجالس المحلية أو فى داخل الأحزاب التى تُطبقها، ولأننا اعتقدنا أن النظام الاشتراكى يستلزم بالضرورة أن يكون الحكم شموليًّا، فقد قرنَّا الاشتراكية بتَكميم الأفواه، وحق إبداء الآراء واختيار المُمثلين، وكثيرًا ما يبتسم الإنسان فى سخرية حين يقرأ لبعض الصحفيين ردَّهم على بعض المعارضين الماركسيين بقولهم: وهل صحيفتا «البرافدا أو الأزفستيا» تنشر كذا أو كيت، وكأن الطريقة الروسية للحكم هى الطريق الوحيد للاشتراكية، باختصار، أخذنا من الرأسمالية مساوئها، ومن الاشتراكية فعلنا نفس الشيء، وأصبحنا لا اشتراكيين ولا رأسماليين.
من كتاب « فقر الفكر وفكر الفقر» 

اقرأ أيضاً| يوســف إدريـس .. و«بـريــق» يـــــزداد دائـمـــا

 

 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة