نسرين موافي
نسرين موافي


‏في الأقصر.. موعد مع البعث المصري الجديد

بوابة أخبار اليوم

الخميس، 02 ديسمبر 2021 - 12:15 ص

عندما قررت أن أكتب عن احتفالية افتتاح طريق الكباش ،  بحثت عن عنوان يناسب الحدث ، عن وصف له ، عن كلمات تصف هذه البقعة الحبيبة من القلب.. و لم تسعفني الكلمات، فوجدت في النهاية أنها "الأقصر"… فقط "الأقصر". ففخامة و هيبة و تاريخ الاسم يكفي. 

الأقصر ..طيبة..مدينة المائة باب..مدينة النور ..مدينة الشمس..مدينة الصولجان … الخ ، الكثير من الألقاب و الصفات تحملها هذه البقعة التي يتردد اسمها كأكبر مدينه أثرية في العالم . لكنها بالنسبة لي و لكثيرين من المصريين قلب الحضارة و منشأها . الاسم الذي إذا ذُكر يجعلك تلقائيا تسترجع تاريخ الأجداد ، تتذكر المعابد القديمة قدم التاريخ .. مدينة عمرها ممتد لأكثر من ٣٥٠٠ عام.
مدينة قديمة جدا .. لكن في مساء ٢٥ نوفمبر ٢٠٢١ ارتدت الأقصر ثوب الاحتفال ، و أعلنت للعالم …تاريخي يزيدني جمالا و أصالة ، بهجة و سحرا . و سأباهي العالم الليلة بسحر جديد يأسر العالم . فكان لها و لنا ما أردنا و كان هذا الاحتفال المهيب .

تعيش مصر فترة تحول ثقافية ، أو بمعنى أدق "تعديل مسار " منذ فترة ، بدأت منذ ما يقرب من السبع سنوات . لكن وضحت معالمها و أعلن عن سماتها مؤخرا ، فرأينا لاول مرة استخداما لرموز مصر القديمة في احتفالات تخرج الكليات الحربية : مثل مفتاح الحياة و زهرة اللوتس . و توالت الإشارات و العمل في صمت ، من ترميم ، و إحياء للتراث ، و بناء جديد لأكثر من متحف ، اهتمام بالثقافة و الآثار ..يراه الجاهل اهتماما فيه شيء من الرفاهية . فالدولة متهالكة تعاني في كل النواحي و في ظل أزمات أحاطت بمصر بعد ثورتين و حرب على الارهاب و أزمات اقتصادية و مجتمعية كفيلة بهدم أقوى الأمم . لكن لأنها مصر فقد تجاوزتها ، وأصبحت أقوى و أكثر شباباً ، برعاية من الله و قوة و جلد و حب من أبنائها لهذه الأرض.
صفات جعلها الله في جينات أولادها منذ قديم الأزل . و جاء هذا الاهتمام بالآثار و التاريخ مهما في هذه الفترة الصعبة ليعيد الروح للمصري جنباً الي جنب مع إعادة بناء و تنظيم بل و هيكلة الدولة و المجتمع . اهتمام هدفه أن يذكر المصري  بانتمائه و تفرده ، يزرع فيه الفخر بجذوره بعد ازدراء عانت فيه مصر من بغض لتاريخها من بعض أبنائها بدافع من التدين الزائف المغلوط  . 

فترة كانت فصلاً من فصول الحرب النفسية على مصر لطمس هويتها ، و أملا في القضاء على الانتماء و الشخصية المصرية برمتها .
المراقب الجيد يري في رعاية معرض الكتاب في دورته الواحدة والخمسين لكتاب شاعر الجغرافيا "جمال حمدان" بداية إعلان لتوجه واضح . إعلان للفكر الذي سينتهجه النظام المصري.. و الهدف منه (إحياء تفرد مصر ) . توجه لربط المصريين و زيادة انتمائهم . فالشخصية المصرية عند "جمال حمدان" هي ملكة الوسطية و الامتصاص .. بحر يبتلع كل الثقافات الواردة و يمتصها و يلبسها ثوبًا و إطارًا وسطيًا مصريا بامتياز . شخصية تؤثر و لا تتأثر برافد معين سواء كان اجتماعيًا او عقائديا.. بل "يمصر" كل الثقافات، فحتى الأديان -كل الأديان- لها طابع في مصر غير كل بقاع الأرض . 

و بدأ التوجه في الكشف عن نفسه للعالم ، فكان موكب المومياوات الملكية بكل فخامته و جلاله تحية من الأحفاد للأجداد في مشهد مهيب جنباً إلى جنب مع  افتتاح المتحف القومي للحضارة المصرية ، حيث امتزجت كل روافد الشخصية المصرية  في تجانس فريد تحت نفس السماء و على نفس الأرض لتؤكد حقيقة لاشك فيها .. أن روافد الحضارة تثريها لا تلغيها أو تغيرها . فالنهر لا يتغير بروافده ، و شعرنا مع الاحتفال و كأننا نستطيع من جديد بناء أهرامات . و كيف لا ، فكل عناصر الاحتفال مصرية . و ارتفع سقف طموحاتنا ليصل عنان السماء .
فرحة عارمة اجتاحتنا مع الاحتفال الا من غصة في القلب تؤرقه و تبث فيه الخوف بسؤال واحد ماذا لو كان ما حدث صدفه ، مرة تهيأت فيها العوامل و لن تتكرر ؟ ماذا لو كانت فورة حماس و ستهدأ ؟! سؤال مخيف في ظل أمل و رجاء أن تصحيح المسار حقيقة و ليس مجرد حلم ، عمل و ليس مجرد أمل.

فجاء الاحتفال بافتتاح طريق الكباش ليرد على هذا التساؤل ، و يثبت سقف الطموحات عند حد السماء . جاء ليؤكد على هذا المفهوم .."تمصير" كل الروافد ، فلا يطغى رافد للحضارة على غيره بل تطغى فقط مصرية الطابع على الجميع ، فترى "المسجد" و "الكنيسة" في أحضان معبد قديم ، أقدم من التاريخ نفسه . جاء الاحتفال ليؤكد أن للمصري الحق ، كل الحق ..في أن يثق في قدراته ، يثق في إمكانياته ، كما أن له الحق في الفخر بأجداده .
في كل هذا نجد أن الهدف أبعد من تشجيع السياحة -على أهميته- . حيث أكد الاحتفال على تفرد الشخصية المصرية ، و أن الاحتفال الأسطوري لموكب الموميوات أبدا لم يكن مصادفة أو نجاحا لحظيًا. و أن المصري قادر على الإبهار . فهذا طبع هذه الأرض ، وجدت لتبهر العالم قديما و مازالت ، و أن الثقة فيه مستحقة ، و أن القرار اتخذ فعلا بأن يستعيد كل أمجاده و يبني الجديد ليتركه لأحفاده ، و أن الاحتفاء بحضارته القديمة و إزاحة السبة عن تلك الحضارة ، و مواجهة الهجمة الشرسة عليها يجري جنباً إلى جنب مع الاحتفاء بباقي روافد حضارته و ثقافته ، من قبطي الي اسلامي بكل عصوره . فقد تتغير أدوات الثقافات و العصور في بعض سماتها و أشكالها ، لكن في مصر يبقي ثبات جوهرها المصري الأصيل هو رمانة الميزان التي تحفظ للمصري تفرده .

جاء الاحتفال ليؤكد أن المصري يستحق الثقة في أنه يستطيع و أننا لابد و ان نزيح سنوات الظلام من صدورنا ، لابد ان نتجاوز التشكيك و توقع الفشل لأننا أثبتنا جدارة الانتماء للعظماء .

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة