د. أحمد الشحات
د. أحمد الشحات


د. أحمد الشحات يكتب: الصين الناعمة

بوابة أخبار اليوم

الخميس، 02 ديسمبر 2021 - 07:23 م

من خلال متابعتي لفعاليات منتدى التعاون الصيني الأفريقي الذي انعقد في العاصمة السنغالية داكار يومي 29 و30 نوفمبر الماضي بمشاركة الرئيس عبد الفتاح السيسي عبر الفيديو كونفرانس، تأكد إدراكي من الحرص الصيني على تنامي حالة التقارب مع دول القارة الأفريقية منذ عقود من الزمن ، ومع التوسع في البحث تبين الآتي:

تنظر الصين إلى أفريقيا على أنها خزان استراتيجي للموارد الأولية والطبيعية في العالم، وهو ما يعطيها القدرة على تلبية حاجاتها المتزايدة من هذه المواد الأولية والخام والأحجار النفيسة التي يشتد الضغط عليها في ظل التنافس الشديد بين كبری الدول المستهلكة لهذه الموارد إثر ازدياد الطلب العالمي وتقلص نسبة الاحتياطيات العالمية ومعدلات الإنتاج في أماكن ومناطق أخرى من العالم، وبالتالي الحفاظ على النمو الاقتصادي للبلاد وكذا دعم حالة الصعود الجيوسیاسي على المستوى الإقليمي والدولي. وتسعى الصين من خلال علاقاتها مع دول القارة الأفريقية إلى تحقيق عدة أهداف رئيسية أهمها : إيجاد أسواق للمنتجات والخدمات الصينية، وتأمين دعم دبلوماسي للسياسات الصينية في دول القارة الأفريقية، وتقديم نموذج ومسار بديل لنموذج التنمية الغربي ، والتأكيد على قدرات الصين كقوة كبرى.

وتعد القارة الأفريقية ثاني أكبر قارات العالم بعد أسيا، وتبلغ مساحتها حوالي 30 مليون كم2 تشكل حوالى 20% من مساحة اليابسة في الكرة الأرضية. وتضم أفريقيا حوالي 800 مليون نسمة تمثل قرابة 15% من مجمل سكان الكرة الأرضية، وهي تتمتع بثروات طبيعية وموارد ضخمة .وتكتسب القارة الأفريقية أهميتها أيضاً من تمتعها بالعديد من الموارد المهمة أبرزها :

1- النفط والغاز، حيث تضم القارة حوالي 10% من احتياطي النفط العالمي ، في حين تبلغ احتياطيات الغاز في القارة حوالي 8% من نسبة الاحتياطيات العالمية ومن مميزات النفط والغاز الأفريقي سهولة إستخراجه نسبياً وسهولة تسويقه بسبب موقع القارة الاستراتيجي بين قارات العالم من جهة وبسبب تركز كميات كبيرة من النقط على السواحل أو في المياه الإقليمية لدولها.

2- الموارد الطبيعية والأولية: وتعتير أفريقيا في هذا السياق منجما ضخما ينتج حوالي 80% من البلاتين فى العالم، وأكثر من 40% من ألماس العالم و20% من ذهبها وكذلك الأمر من الكوبالت.

ويمكن إدراك مدى النفوذ الصيني المتنامي في أفريقيا مؤخرا من خلال عدد من المؤشرات، أهمها على سبيل المثال لا الحصرعدد الصينين الذين يعيشون ويعلمون في بلدان القارة الأفريقية، وحجم البضائع والخدمات الصينية في دول القارة الأفريقية، والمساعدات الصينية لدول القارة الأفريقية (من بينها الهبات والمنح، والقروض الميسرة، والإعفاءات المالية)، ودور الإستثمارات الصينية الخارجية المباشرة في دول القارة، وحجم التدفقات المالية الصينية الأخرى لدول القارة.

وقد شكل وضع الصين المالي والتجاري في العالم رافعة للعلاقة الثنائية بينها وبين دول القارة، إذ وجدت الصين ضمن هذه المعطيات انه من الممكن للقارة الأفريقية أن تحتل موقع الشريك الإستراتيجي في ظل إمكانية التكامل العالية لدى الطرفين، فتعمل دول القارة على إشباع إحتياجات الصين من المواد الأولية والطبيعية، في حين تقوم الصين بدعم دول القارة بالمساعدات المالية السخية وغير المشروطة، إضافة إلى تأمين العقود التجارية والاقتصادية المجزية للطرفين وتوفير الخبرات أو المساعدات اللازمة لهذه الدول في تهيئة بنيتها التحتية والانطلاق بها نحو تحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي.

وقد عملت الصين على وضع هذه الإستراتيجية موضع التنفيذ منذ منتصف التسيعينات من القرن الماضي تقريبا، لكن الثمرة الحقيقة للمجهود الصيني بدأت تظهر منذ انعقاد المنتدي الصيني - الأفريقي عام 2000، والذي أرسى أسس متينة للعلاقة بين الطرفين لاسيما في المجال الاقتصادي والتجاري وفي جوانب أخرى سياسية وحتى عسكرية.

وقد شهدت بداية عام 2006 وضع الوثيقة البيضاء حول سياسة الصين الأفريقية الأمر الذي أعطى مؤشرا على مدى أهمية وثقل الدور الصيني في أفريقيا، كما أعطى مؤشرا آخر عن مدى ثقة الدول الأفريقية بهذا الدور المتنامي لبكين خاصة مع تأكيد الأخيرة على أنها لا تسعى إلى هيمنة سياسية ولا تمتلك نزعة إستعمارية وهو ما يعني أنها ماضية في إتجاهها الصحيح في القارة الأفريقية وأن دورها سيتعاظم مستقبلا .

ولتعزيز القوة الناعمة الصينية في أفريقيا، قامت الصين باستخدام أدوات مختلفة منها الأدوات الاقتصادية الأكثر تأثيرا كالمساعدات الرسمية والعلاقات التجارية والاستثمار. كذلك الأمر بالنسبة إلى الأدوات الثقافية التي احتلت موقعا مهم أيضا خاصة أن هدفها الأساسي العمل على خلق صورة إيجابية وبناءة للصين من أجل توظيفها في مجال العلاقات الصينية-الأفريقية. وقد ساهم ذلك إضافة إلى الدبلوماسية العامة والمساعدات التقنية في تطوير العلاقة بين الطرفين إلى مستوى شراكة متقدم كما فتح الباب واسعا أمام النقود الصيني في أفريقيا.

في ضوء ماسبق، يمكننا أن نزيد الإدراك بضرورة التوجه لتعظيم إستخدام أليات القوة الناعمة لدى الدولة في تحقيق التأثير المطلوب في محيطها الأقليمى وعلى المستوى الدولى ، فالأدوات الاقتصادية والإعلامية والثقافية وغيرها هي الأكثر تأثيراً وفاعلية في النفاذ إلى الشعوب ولنا في ستينات القرن الماضى أسوة نتعايش على أثرها في دولنا العربية حتى الأن ، على أن تصب كافة التحركات في المصلحة الوطنية .

د. أحمد الشحات- استشاري الأمن الإقليمي والدولي

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة