أحمد الإمام
أحمد الإمام


يوميات الأخبار

إذا انطفأت الروح أظلم الجسد

الأخبار

السبت، 04 ديسمبر 2021 - 07:39 م

 

قانون الايجارات القديم ظهر للوجود لأول مرة منذ 101 سنة ومنح هذا القانون كل الحقوق للمستأجر ونزع كل الحقوق عن الملاك

الانطفاء النفسى
كثير منا يتعرض لخيبات أمل متلاحقة يتلقاها جهازنا العصبى بصبر وتحمل، ولكن مع تكرار تلك الضربات الموجعة تنهار منظومتنا الدفاعية ويحدث شرخ عميق فى جدارنا الدفاعى تفشل معه كل محاولات الإصلاح. ويصاب بعضنا فى النهاية بما يسمى «الانطفاء النفسي»، وهو ذلك الشعورالسيئ الذى يجعلك تفقد الشغف بكل ما حولك بما فيها الاشياء التى كنت تحبها بشدة وتسعد بوجودها، وتجد نفسك ميالا بشدة الى أن تبقى وحيدا ترجو أن يمر يومك بسلام بدون وجع جديد .. تكتفى بالصمت ومحاولة رسم ابتسامة كاذبة على وجهك لتوحى لمن حولك انك بخير.


يقول «دوستويفسكي»: لو اننى أعرف كلمة أعمق من كلمة «انطفأت» لقلتها، فأنا لم أشعر من قبل بانطفاء روحى مثلما أشعر بها الآن.
ويشير هذا المفهوم إلى ان علاقة المرء بأى شئ اذا شهدت الانطفاء فمن الصعب إشعالها مرة أخرى مجددا.


ويضرب الباحث فى علم النفس «ريموند ميلتونبرجر» مثلا بآلة توزيع القهوة ذاتية التشغيل التى اعتاد أن يستخدمها كل يوم أثناء توجهه لعمله، ولكنه مر عليها يوما ووجدها معطلة لا تعمل، فجرب حظه ومر عليها فى اليوم التالى ووجدها مازالت معطلة، وحاول استخدامها فى اليوم الثالث وكانت النتيجة مثل اليومين السابقين .. الماكينة مازالت خارج الخدمة، وفى اليوم الرابع لم يمر عليها واختار التوجه مباشرة الى ماكينة اخرى رغم انها بعيدة عن مقر عمله.
السؤال هنا لماذا اختار الباحث ريموند ماكينة قهوة جديدة رغم بعدها عن مقر عمله، ولماذا لم يجرب حظه ويعود إلى الماكينة القديمة ليتأكد ما اذا كانت عادت للعمل أم مازالت معطلة؟

الاجابة ببساطة ان علاقته بالماكينة القديمة مرت بحالة انطفاء نفسى .. خيبة أمل وراء خيبة أمل أخرى خلقت بداخله شعورا انها لن تعمل مرة أخرى. الحال نفسه ينطبق على علاقاتنا الاجتماعية، فإذا حاولنا التواصل مع زملائنا واصدقائنا أكثر من مرة ولم نجد تجاوبا قد لانكرر المحاولة كثيرا، فتشهد علاقتنا بهم انطفاء قد يقتل هذه العلاقة.


بعد ذلك من الصعب جدا إشعال العلاقة من جديد، فانطفاء هذه العلاقة قد يعنى فى حالات كثيرة مؤشرا إلى نهاية هذه العلاقة التى كانت يوما ما متوهجة ومشتعلة.
تراكم الآلام وعدم البوح بها هو الشرارة الأولية التى تساهم فى إطفاء روحك، بل إن بعض الدراسات تؤكد أن الأشخاص الشكائين أطول عمرا من بين جميع الأشخاص لأنهم يقومون بتفريغ طاقاتهم السلبية أولا بأول بحيث لا يتبقى ما يضغط على أعصابهم.. والحل هو أننا فى حالة انشغالنا وعدم قدرتنا على التفاعل مع نداءات ورسائل واتصالات احبائنا لأى سبب من الأسباب علينا أن نكتب لهم ونعتذرعن تقصيرنا بحقهم ونتواصل معهم كلما سنحت الظروف قبل أن يتمكن الانطفاء النفسى منا ومنهم، ويحيل علاقتنا بهم إلى ظلام دامس، فنفرغ من مشاكلنا وانشغالاتنا ونتوجه إليهم ولا نجدهم فى انتظارنا، فقد ابتلعتهم العتمة وانطفأت علاقتنا بهم.
هل تذكرون الشاب المتفوق الذى قفز من أعلى برج القاهرة .. هل تذكرون طالبة الصيدلة التى أتت من الاسماعيلية لتلقى نفسها فى نيل الجيزة؟
لا شك انهم مروا بمرحلة متأخرة من الانطفاء النفسى، ولم يجدوا من يستمع لهم أو يتحدث اليهم.
انطفأت روحهم، وفقدوا الرغبة فى الحياة .
الانطفاء النفسى ليس مجرد حالة نفسية تصيب البعض فى إحدى مراحل حياتهم، بل هو سم قاتل بطئ المفعول يتسلل فى صمت وصبر حتى يجهز فى النهاية على ضحيته.
صفحات الحوادث
اذا أردت أن تتعرف على طبيعة أى مجتمع من الداخل عليك أن تقرأ صفحات الحوادث فى مختلف الصحف اليومية، وقتها ستتعرف على درجة الترابط الأسرى بين أفراد المجتمع وستتعرف بوضوح على أبرز المشاكل المادية والاجتماعية والاخلاقية التى يعانى منها هذا المجتمع.
البعض يرى ان صفحات الحوادث تكشف عورات المجتمع وتظهر عيوبه وسلبياته، ويطالبون بوقف نشر نوعيات معينة من الجرائم مثل جرائم التحرش والعنف ضد المرأة بكل أنواعه وأشكاله، ولكننى اختلف مع هؤلاء كل الاختلاف لاننا سنكون كالنعام الذى يدفن رأسه فى الرمال حتى لايرى الخطر، وتجاهل الخطر لا يعنى انه غير موجود.


الامراض الاجتماعية التى تكشف عنها صفحات الحوادث لا يمكن تجاهلها لأنها تمس صلب العلاقات الإنسانية بين أفراد المجتمع سواء داخل الأسرة الواحدة أو بين الجيران وزملاء العمل وغيرهم، والعلاج الصحيح والناجح يبدأ دائما من التشخيص السليم للمرض. هناك جرائم أسرية مرتبطة بعادات وتقاليد بالية لم يعد لها وجود ولكنها تحكم بعض العقول الظلامية وتتحكم فى تصرفات أصحابها مثل جرائم الثأر وجرائم الشرف والجرائم المرتبطة بالمواريث وغيرها، وكلها جرائم تمزق أوصال الأسرة وتزرع الضغينة والبغضاء بين أفرادها. وهناك جرائم أخلاقية مثل الاغتصاب والتحرش وهتك العرض، وكلها جرائم تعكس خللا نفسيا فى تركيبة مرتكبيها ويجب فحص أسبابها جيدا للحد منها تمهيدا للقضاء عليها نهائيا. وهناك جرائم اقتصادية مرتبطة بالاستيلاء على المال العام مثل الرشوة والفساد والاختلاس وغيرها من الجرائم التى يعد الطمع والبحث عن الثراء السريع قاسما مشتركا فيها، وكلها جرائم تضرب الاقتصاد الوطنى فى مقتل لأنها تحرم خزينة الدولة من ملايين الجنيهات لصالح فئة من معدومى الضمير. فى النهاية صفحات الحوادث تؤدى دورا وطنيا فى غاية الأهمية لانها تسلط الضوء على مواطن الخلل فى البناء المجتمعى وتمنح الفرصة للباحثين والمعنيين بالقضايا الاجتماعية والسلوكية لتحليل هذه الجرائم بشكل علمى ومنهجى للقضاء على جميع الظواهر الاجتماعية السلبية قبل أن تتحول إلى سوس ينخر فى قواعد المجتمع.


الايجار القديم
لم تشهد القوانين المصرية خلال القرن الماضى قانونا ظالما ومتعسفا مثل قانون الايجار القديم الذى انحاز للمستأجرين بشكل فاضح على حساب الملاك وقدم لهم كل الضمانات والأسانيد التى جعلت من الشقة المؤجرة ملكا أبديا لهم ولأولادهم وأحفادهم من بعدهم يتوارثونه جيلا بعد جيل.. وتجاهل هذا القانون كل حقوق المالك الذى لم يعد يملك شيئا سوى حفنة جنيهات يلقيها اليه المستأجر أول كل شهر.
قانون الايجارات القديم ظهر للوجود لأول مرة منذ 101 سنة وتحديدا فى عام 1920 وحمل الرقم 11، ومنح هذا القانون كل الحقوق للمستأجر ونزع كل الحقوق عن الملاك.
والغريب ان كل القوانين التى صدرت بعد ذلك كانت كلها فى صالح المستأجر مثل القانون رقم 151 لسنة 1941 الذى قضى بمنع الملاك من زيادة القيمة الإيجارية، وامتداد العقود تلقائياً لمنع طرد المستأجرين.


وتوالت القوانين بعد ثورة 1952، وجميعها كانت تهدف لتخفيض القيمة الايجارية، منها «القانون 199 لسنة 1952» والذى نص على خفض القيمة الايجارية بنسبة ١٥٪ للوحدات التى أنشئت من أول يناير 1944 حتى 18 سبتمبر 1952 وكذا القانون 55 لسنة 1958 للخفض بنسبة ٢٠٪ على الأماكن المنشأة من 18 سبتمبر 1952 حتى 12 يونيو 1958، والقانون رقم 168 لسنة 1961 الذى خفض الايجارات بنسبة ٢٠٪ على إيجارات الأماكن المنشأة منذ 12 يونيو 1958 حتى 5 نوفمبر 1961.. بطبيعة الحال عندما أصدر المشرع هذه القوانين انحاز للمستأجر باعتباره الطرف الاضعف فى المعادلة وأراد أن يحميه من جشع الملاك ومبالغتهم فى تحديد وزيادة القيمة الايجارية، ولكن المشرع بالغ فى انحيازه للمستأجر على حساب المالك حتى اختلت المعادلة وصار المالك هو الطرف الاضعف وأصبحت القيمة الايجارية الثابتة بلا قيمة، ويكفى للتدليل على ذلك ما قاله القطب الوفدى الراحل ياسين سراج الدين فى لقاء تليفزيونى مع الكاتب الصحفى مفيد فوزى فى أوائل التسعينات انه يقيم فى شقة تضم 6 غرف وريسبشن و3 حمامات فى جاردن سيتى ويدفع 15 جنيها فقط ايجارا شهريا.. اختلت المعادلة وأصبح معظم المستأجرين يمتلكون شققا أخرى ولكنهم ظلوا محتفظين بالشقق المستأجرة التى لا تكلفهم سوى جنيهات زهيدة. تضاعفت الرواتب والأسعار عشرات المرات وظلت القيمة الايجارية ثابتة لدرجة ان صديقا لى قالها من باب التندر انه يدفع 300 جنيه شهريا للجراج الذى يركن فيه سيارته فى حين انه يدفع خمسة جنيهات فقط قيمة ايجار الشقة التى يقيم فيها مع زوجته واولاده والتى امتد عقد ايجارها اليه بعد وفاة والده.

هناك رغبة حقيقية لدى مجلس النواب لمناقشة قانون الايجار القديم بعد أن ظلت المجالس المتعاقبة تتردد فى فتح هذا الباب لعقود طويلة خوفا من غضب المستأجرين الذين تفوق أعدادهم بطبيعة الحال أعداد الملاك، ولكننى أرى ان الفرصة سانحة هذه المرة فى ظل وجود رئيس قوى لا يخشى فى الحق لومة لائم وحكومة وطنية بامتياز تعمل للصالح العام وتحقيق العدالة بين جميع المواطنين. وهناك بالفعل بعض مشاريع القوانين التى أعدها بعض النواب ومن الممكن مناقشتها باستفاضة واجراء حوار مجتمعى حولها للوصول الى قانون عادل يرفع الظلم عن الملاك ويحافظ على حقوق المستأجرين، فلم يعد من الإنصاف أن نترك قانونا تجاوز المائة عام يجثم على الصدور ويكتم الأنفاس ويهدر الحقوق بهذا الشكل الجائر.
قالوا
• أن تكون حراً ليس فقط ان تفعل ما تريد، بل أن تريد ما تستطيع (جان بول سارتر).
• إذا كانت الطريق سهلة، فاخترع الحواجز (روبير ساباتيه).
• أعظم الجهل معاداة القادر، ومصادقة الفاجر، والثقة بالغادر (الإمام علي).
• يمدحون الذئب وهو خطر عليهم، ويحتقرون الكلب وهو حارس لهم، كثير من الناس يحتقر من يخدمه، ويحترم من يهينه.

 

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة