ديـر سانت كاترين
ديـر سانت كاترين


ديـر سانت كاترين.. زخم فى الثروات الأثرية بجنوب سيناء

محمد طاهر

الإثنين، 06 ديسمبر 2021 - 10:07 م

أكد د. محمد عبد اللطيف مساعد وزير الآثار السابق وعميد كلية السياحة والفنادق بجامعة المنصورة أن إسم سيناء له ذكر طيب فى النصوص المصرية القديمة والتوراة والقرآن. ولها شهرة كبيرة بمناجم الفيروز والنحاس التى استخدمها قدماء المصريين منذ الدولة القديمة. ولا تقتصر شهرة سيناء وأهميتها فى التاريخ على مناجمها بل اشتهرت بأنها أقدم طريق حربى فى تاريخ العالم القديم ، وهو الطريق الذى سارت عليه جيوش مصر عند ذهابها إلى آسيا ، والذى سارت عليه جميع الجيوش التى أتت عند غزوها لوادى النيل. 


  وبعد دخول الإسلام مصر كانت سيناء طريق الحج إلى بلاد الحجاز. ويعتبر جنوب سيناء ومنذ العصور المسيحية الأولى أحد أهم مناطق الجذب للرهبان المسيحيين ، حيث شهد القرن الرابع الميلادى ازدياد حركة الرهبنة خاصة بمناطق (وادى فيران) ، (الطور) ، (جبل موسى) وهى مناطق قريبة من مصادر المياه ، هذه الرهبنة كانت فى الواقع هرباً من بطش الرومان الذين لم يكونوا قد اعترفوا بالدين الجديد ، ولكى يكون الرهبان قريبين من تلك المناطق المقدسة وخاصة جبل موسى ، وهذا الجبل الذى يرتفع عن سطح البحر حوالى 2242 متراً ، وقد كان جبل موسى من أهم المناطق التى تختص بوضع مميز ، ليس فقط لدى المسيحيين بل لدى المسلمين أيضاً بعد ذلك. فيعتقد أنه الجبل الذى صعد إليه سيدنا موسى ، وتلقى فوقه ألواح الشريعة الموسوية ، وكذلك فإن الدير يقوم فى رحاب شجرة "العليقة" التى آنس عندها ناراً ، وعندما بدأت الدعوة الإسلامية فى الانتشار وجد رهبان الدير فى الدين الإسلامى كل مودة وإخاء. 

أنا عن شخصية القديسة كاترين فيؤكد د. عبد اللطيف أنها عاشت فى مدينة الإسكندرية ، فى عهد الإمبراطور مكسيمانوس (305 – 313م) وأبت أن ترتد عن المسيحية ، فعذبها الرومان عذاباً شديداً ، وربطوها فى عجلة التعذيب لتمزق جسدها ، ولم يؤثر ذلك على إيمانها ، وأخيراً قطعوا رأسها واستشهدت عام 307م.


وبعد مضى خمسمائة عام ، رأى أحد الرهبان رؤيا بأن الملائكة حملوا جسدها ووضعوه فوق قمة الجبل المسمى الآن جبل كاترين. فنقل الرهبان رفاتها إلى كنيسة التجلى الحالية ، فأصبحت منذ ذلك العهد تسمى كنيسة القديسة كاترين ، بل أطلق اسمها على الدير كله بعد أن كان يعرف باسم دير العذراء.


ولقد أطلق اسمها على أعلى جبل من جبال سيناء ، والذى يبلغ ارتفاعه 2642 متراً وأصبح يعرف باسم جبل القديسة كاترين ، وهى حالياً شفيعة الفلاسفة والحكماء.

وحول موقع دير سانت كاترين يؤكد مساعد وزير الآثار السابق أن الدير يقع أسفل جبل سيناء ، وهو منطقة جبلية حبتها الطبيعة بجمال أخاذ مع طيب المناخ ، وتوفر مياه الآبار العذبة.

وإلى الغرب من الدير يوجد وادى الراحة. وقد تأثر البناء بالموقع والوسط المحيط به ، والذى يتكون من سلسلة من الجبال الجرانيتية. 


وحول الوصف المعمارى للدير فله سور عظيم يحيط بعدة أبنية داخلية ، بعضها فوق بعض ، تصل أحياناً إلى أربعة طوابق تخترقها ممرات ودهاليز معوجة. ومن اختلاف أشكال الأبنية يستدل الزائر على أنها قامت فى عصور مختلفة.


وهذا الدير يشبه حصون القرون الوسطى ، وسوره مشيد بأحجار الجرانيت ، وبه أبراج فى الأركان ، وارتفاع جدرانه يتراوح بين 12 ، 15 متراً وتبلغ أطواله 117 × 80 × 77 × 76 متراً تقريباً.

والمدخل الرئيسى موجود فى الجهة الغربية ، ولكنه أغلق وصار غير مستعمل حالياً ، وإلى يساره المدخل الحالى. 

وقد أمرت الإمبراطورة هيلانة أم الإمبراطور قسطنطين ، فى عام 342م ببناء دير يحوى كنيسة عرفت باسم العذراء مريم ، عند الشجرة المقدسة. ثم أمر الإمبراطور جوستنيان ، فى القرن السادس الميلادى ، ببناء كنيسة فى نفس البقعة المقدسة ، كانت تعرف باسم كنيسة "التجلى". ولكن نسبة الدير والكنيسة إلى القديسة كاترين حدث فى عصور تالية. ولم يبق من المبنى الأصلى إلا أجزاء من السور وجزء من الكنيسة ، أما باقى المبانى التى نراها الآن فمن عصور لاحقة. بل إن الكثير منها لم يشيد إلا فى القرن العشرين.


وأهم مبانى الدير هى :الكنيسة الكبرى ، وكنيسة العليقة ، وجامع من العصر الفاطمى ، ومكتبة . ،هذا بالإضافة إلى قلايا الرهبان وزوار الدير ، ومعصرة ، وطاحونتين ، ومخازن الحبوب والمؤن ، والمطابخ ، وعدة آبار. وخارج سور الدير توجد حديقة كبيرة. 


وتقع الكنيسة الرئيسية فى الجزء الشمالى من الدير وتسمى أحياناً الكنيسة الكبرى أو الكاتدرائية ، وهى مشيدة على طراز البازيلكا الذى كان شائعاً وقت بنائها عام 527م ، وقد عرفت فى عصر الإمبراطور جستنيان باسم كنيسة التجلى.


وتتكون من رواق أوسط رئيسى "صحن الكنيسة" ، ورواقين جانبيين أقل مساحة ، تنفتح عليهما مقاصير صغيرة. وينتهى الرواق الأوسط بالمذبح "قدس الأقداس" ، فى الجهة الشرقية.

أما الرواقان الجانبيان فينتهيان بغرفتين ، إحداهما مخصصة لإعداد العشاء الربانى ، والأخرى استخدمت كأرشيف ، وتجميع هدايا الكنيسة وكنوز الدير.


وسقفت الكنيسة بجمالونات من الخشب ، والجانبان بنصف جمالون ، وقد كان مغطى فى الأصل بصفائح من الرصاص ، أما الغرف الجانبية فقد استعمل فى تغطيتها القبوات الدائرية.


ومن المعلوم أن الطوابق العلوية لبرج الكنيسة ، ترجع إلى عمارة أقيمت لها منذ حوالى مائة عام.

وتلتصق كنيسة العليقة الملتهبة بالجهة الشرقية للكنيسة الكبرى ، ومساحتها ٦ أمتار مربعة ، غطيت جدرانها بالفسيفساء المزخرفة ويعتقد أنها مقامة فى مكان العليقة المقدسة ، حيث كلم الله سيدنا موسى. وقد بنيت فى هذا الموقع تبركاً بها ، ولا يدخل هذه الكنيسة زائر إلا ويخلع نعليه خارج بابها ، تمثلاً بسيدنا موسى عند اقترابه من هذا المكان المقدس.


أما عن الجـامــع فقد تم بناؤه خلال العصر الفاطمى فى عهد الخليفة الآمر بأحكام الله سنة 500 هـ/ 1106م ويقع إلى الجنوب الغربى من الكنيسة ، داخل سور الدير. والمسقط الأفقى للجامع عبارة عن مستطيل مساحته 11 × 7م وارتفاع جدرانه 6م وتتصل به فى الركن الشرقى مئذنة مربعة المسقط ، ويتكون الجامع من ثلاثة أروقة أكبرها الأوسط ، ويُحمل السقف على عقود دائرية ترتكز فى الوسط على دعامتين ، والسقف بصفة عامة مشيد من الأخشاب والبوص ، والسطح من الخارج مغطى ببلاطات من الصخور والفخار ، كما يوجد بالمسجد ثلاثة محاريب ، ويعتبر المحراب الأوسط هو الرئيسى فيها ، والحوائط مشيدة من الصخور الجرانيتية والمونة المستخدمة هى الطفلة وكذلك تم تغطية الحوائط من الداخل والخارج بطبقة من الطفلة ، وأرض الجامع كانت مغطاة بطبقة من بلاطات الفخار. وهى ليست الأرضية الأصلية.


ويوجد أسفل المسجد المعصرة ، بحيث يمثل المسجد المستوى الثانى.

ويبلغ ارتفاع المئــذنة 12م وتتكون من دورتين كل منهما مربعة المسقط تقريباً ، والأولى 3 × 3.5م وتنتهى بشرفة تبرز50 سم عن سمت الحائط ، الذى يبلغ سمكه 75 سم ، والدورة الثانية مربعة المسقط ، وطول الضلع فيها هو 2.55م وسمك الحائط 45 سم وتغطى الدورة الثانية قبة نصف كروية الشكل ويوجد مدخل المئذنة فى الضلع الغربى من الدورة الأولى.

ويوجد المـنبـر فى الجانب الأيمن من المحراب الأوسط ، ملاصق لجدار القبلة ، وهو مصنوع من خشب الأرز ، ويتكون من جانبين عليهما حشوات من الخشب المزخرف – بالحفر – بزخارف نباتية على الأسلوب الفاطمى.

والمنبر هو واحد من ثلاثة منابر كاملة معروفة حتى الآن على الطراز الفاطمى أما الثانى فهو منبر مسجد بدر الدين الجمالى (484 هـ/ 1091م) المنقول من عسقلان إلى الحرم الإبراهيمى بالجليل فى فلسطين ، وأما الثالث فيوجد بمسجد الصالح طلائع ، فى قوص بصعيد مصر (550 هـ/ 1155م).

ومن محتويات الجامع يوجد شمعدانان من الفضة ، وهما مازالا محفوظين بحالة جيدة ، وكرسى مكتوب عليه نص من أربعة أسطر ، بالخط الكوفى المزهر ، وبالحفر البارز.

وهذا النص يشير إلى أن بانى هذا الجامع هو الأمير أنوشتكين الآمر ، نسبة إلى الخليفة الآمر بأحكام الله الفاطمى (500 هـ / 1106م).


وتقع مكتبـة الـديـر فى الطبقة الثالثة من بناء قديم جنوب الكنيسة الكبرى. وهى من أهم ما يحتويه الدير ، ولا تقتصر محتوياتها على المخطوطات النادرة. بل تحتوى على عدد كبير من الفرمانات التى أعطاها الخلفاء للدير.

وقد حظيت باهتمام العلماء والدارسين. وقد قامت جامعة الإسكندرية ومكتبة الكونجرس بواشنطن بتصوير مخطوطاتها بالميكروفيلم.


وللدير عدة آبار داخل السور ، مثل بئر موسى شمال الكنيسة الرئيسية ، وبئر العليقة بجانب العليقة الملتهبة ، وبئر إسطفانوس إلى الجنوب الغربى من الكنيسة الرئيسية.


أما المـعصـرة فهى خاصة بعصر الزيتون لاستخراج زيته ، وتقع فى طابق أسفل الجامع ، وتمتد حتى الساحة التى أمامه ، وسقفها عبارة عن عروق خشبية وأحزمة من القصب ، ويرتكز على عقود من الجرانيت.

وقد عمل فى أرضية هذه الساحة فوانيس "شخاشيخ" ، لإنارة هذه المعصرة.


وأمان الدير حـديقـة الـديـر يتوسطها مدفن للرهبان وحجرة للجماجم ، حيث كان الرهبان يدفنون موتاهم ويتركون الجثث تبلى ، ثم يأخذون عظامها ويضعونها فى حجرة خاصة قرب المدفن.

وبالقرب من هذا المكان يوجد مبنى أقيم فى عام 1863م فى عصر الخديوى إسماعيل ، ويسمى بمبنى الاستراحة.

د. محمد عبد اللطيف مساعد وزير الآثار السابق وعميد كلية السياحة والفنادق جامعة المنصورة

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة