محمد بركات
محمد بركات


يوميات الأخبار

أو ميكرون.. وخطيئة الدول الكبرى

محمد بركات

الثلاثاء، 07 ديسمبر 2021 - 07:09 م

لا يمكن القضاء على الوباء فى العالم، دون توفير وإتاحة اللقاحات للدول الفقيرة والنامية، حتى لا تتحول إلى بيئة حاضنة للفيروس، تهدد العالم كله بإنتاج سلالات جديدة.

بين ليلة وضحاها تعالت صيحات الفزع ومشاعر القلق فى أرجاء العالم خوفا وهلعا من مخاطر محتملة، يحملها معه المتحور الجديد لفيروس كورونا المسمى «أو ميكرون»، الذى انطلق من الجنوب الأفريقى منذ أسابيع، مهددا البشر بحقبة جديدة من الصراع مع الوباء الذى يجتاح العالم طوال عامين حتى الآن.


ورغم محاولات التهدئة ونداءات الاطمئنان التى يبذلها الحكماء من العلماء فى عالمنا، إلا أننا يجب أن نعترف باستمرار مشاعر القلق والتخوف لدى الكثيرين فى مشارق الأرض ومغاربها،..، ولكن قبل هذا يجب أن نعترف أيضا ويعترف معنا العالم كله، بأن الأنانية والحب المفرط للذات والرغبة فى الاستئثار بالحماية من خطر الوباء، التى انتابت الدول الكبرى والغنية فى العالم، هى السبب الرئيسى وراء ظهور التحورات الجديدة والمتعددة التى طرأت وسوف تطرأعلى فيروس «كورونا» الذى ابتلى به العالم فى نهاية عام 2019، ولم نستطع التخلص منه حتى الآن.


هذه حقيقة لابد من الإقرار بها إذا ما أردنا مواجهة الواقع، وتحديد المسئولية عما يعيشه العالم اليوم من قلق واضطراب، من الموجة الجديدة للوباء التى هبت علينا مع ظهور السلالة الجديدة «اوميكرون»، الذى أصبح مصدرا للقلق والفزع، فى ظل الكم الهائل من المعلومات والتكهنات الباعثة على الخوف على الرغم من أنها لم يتم التأكد من صحتها حتى الآن، بل مازالت قيد الدراسة والبحث من العلماء والباحثين فى كل المراكز البحثية فى كل أنحاء العالم.
حب الذات
والحقيقة التى يجب الاعتراف بها، هى ذلك الواقع، الذى عايشناه منذ التوصل إلى اللقاحات الموفرة للحماية من الاصابة بالفيروس، والذى مثل طوق النجاة من الوباء بالنسبة للعالم كله.


وكلنا شاهدنا وعايشنا أن العالم كله تنفس الصعداء فور توصل العلماء للقاحات، وذلك انطلاقا من التصور والتوقع الطبيعى، بأن هذه اللقاحات ستكون متاحة لكل الدول والشعوب لحماية مواطنيها،..، ولكن ذلك لم يحدث للأسف.


لم يحدث لأن الدول الكبرى والغنية غلب عليها حب الذات، واستطاعت بما تملكه من إمكانيات مادية وعلمية الاستحواذ على أكبر قدر ممكن من اللقاحات لحماية مواطنيها،.. ولم تلتفت إلى ما تحتاجه الدول النامية والفقيرة من اللقاحات، لوقاية مواطنيها من خطر الاصابة بالوباء.


ورغم أن ذلك التصرف كان هو الطبيعى للأسف من تلك الدول الغنية، طبقا للصفات البشرية فى حب الذات، والرغبة الطبيعية لدى البشر فى الاستئثار بما يتصور أنه يحقق المصلحة الذاتية،..، إلا أن هذه الدول لم تدرك ولم تستوعب أن هذا التصرف سيكون هو السبب الرئيسى، وراء عجز العالم عن تحقيق الانتصار الكامل فى المعركة مع الوباء، وأنها بهذا التصرف لن يتمكن العالم من القضاءعلى الفيروس، وهو ما حدث للأسف.


وفى ظل ذلك نسيت أو تناست أو تجاهلت الدول الغنية والكبرى البديهية التى أكدها العلم، وأثبتها تاريخ الأمراض الوبائية على الأرض، والتى تقول إنه فى ظل التواصل الدائم والسريع القائم حاليا بين البشر، وسهولة انتقالهم من مكان إلى آخر،..، أصبح من الصعوبة تصور إمكانية التصدى للأوبئة التى تجتاح العالم بطريقة جزئية أو فى أماكن محدودة دون غيرها،..، وتجاهلوا تماما أنه لا يمكن التخلص من الوباء فى دولة أو عدة دول دون غيرها، وأنه لتحقيق الأمان وضمان التخلص من خطر الوباء، لابد من السعى الجاد للقضاء عليه فى كل الدول، وفق منظومة متكاملة على مستوى العالم كله،..، أى فى كل الدول وكل القارات.. وهذا يعنى ضرورة السعى لإتاحة اللقاح لجميع الدول وكل الشعوب حتى يمكن القضاء على خطر الفيروس المسبب للوباء والسيطرة عليه فى كل العالم، وليس فى الدول الغنية والكبرى فقط.
الأغنياء والفقراء
وفى هذا الاطار كنا للأسف أمام حالة من التجاهل المتعمد من جانب الدول الغنية والكبرى لحقيقة ما كان يجب تجاهلها على الاطلاق، وهو ما جعل العالم كله للأسف فى مواجهة الخطأ الذى وقعت فيه هذه الدول عندما تصورت أنه من الممكن لها النجاة بشعوبها ومواطنيها من خطر الفيروس، إذا ما تم لها القضاء على وجوده على أراضيها محليا، أى فى دولهم فقط بغض النظر عن وجوده أو انتشاره فى بقية دول العالم.


وهذا تصور خاطئ بالقطع، لأن استمرار وجود الوباء فى بعض الدول، سيظل دائما يمثل مصدرا للاشعاع الوبائى لبقية المناطق على امتداد الكرة الأرضية، أى إلى كل الدول دون استثناء، ومنها بالطبع تلك الدول التى تم القضاء عليه فيها من قبل.
وهذا طبيعى ومنطقى وأى تصور غير ذلك هو تصور خاطئ ومخالف للواقع، ومخالف أيضا لطبيعة وصفات فيروس كورونا، وقدرته على الانتشار السريع، والتنقل المستمر بين دول العالم منذ ظهوره وحتى الآن.


وفى ظل ذلك كنا ولازلنا شهودا على خطيئة الدول الكبرى الغنية، عندما استأثرت بنفسها على الكم الكبير من اللقاح بل والفائض عن حاجتها، وقامت بتلقيح مواطنيها عدة مرات، وتجاهلت حاجة الدول الفقيرة والنامية ذات القدرات المادية المحدودة لبعض اللقاحات، حتى تستطيع حماية مواطنيها من خطر الاصابة،...، فكانت النتيجة الطبيعية بقاء الفيروس منتشرا ومستشريا فى الدول الفقيرة والنامية، وخاصة فى الكثير من دول القارة الافريقية، التى أصبحت مركزا للوباء للأسف يهدد كل الدول وكافة الشعوب.
وقد أدى ذلك فى الواقع الى اضطرار منظمة الصحة العالمية للتحذير من خطورة الوضع فى القارة الافريقية، والإعلان من خلال التقارير المتعددة التى أصدرتها عن الأخطار التى تهدد كل الدول، نتيجة انتشار الوباء فى أفريقيا نظرا لقلة اللقاحات المتاحة لدولها وتردى الظروف الاقتصادية والاجتماعية بها، وتحولها بالفعل إلى مصدر للاشعاع الوبائى بالنسبة للعالم كله،...، ولكن للأسف لم تستمع الدول الكبرى والغنية لصوت ونداءات منظمة الصحة العالمية المتكررة.
حاضنة للوباء
وفى ظل هذا الواقع المؤلم، الناجم عن تجاهل الدول الكبرى الغنية لضرورة وأهمية مساعدة الدول الفقيرة النامية وغير القادرة على الحصول على حاجتها الماسة للقاحات لمواجهة الفيروس المنتشر فيها، أصبحت دول القارة الافريقية حاضنة للفيروسات، وبيئة مناسبة لتحورها... ومن هنا كان من الطبيعى أن يتم تحور فيروس كورونا فى جنوب افريقيا.
وبالفعل اكتشفت السلالة الجديدة أو المتحور الجديد لكورونا فى جنوب افريقيا فى النصف الأول من شهر نوفمبر الماضى، وتم إبلاغ منظمة الصحة العالمية عنه فى ٢٤ نوفمبر وأطلقت المنظمة عليه اسم «أو ميكرون».
وقد أثارت السلالة الجديدة المكتشفة انزعاج العالم نظرا لأن كل الدلائل تشير إلى أنها تنتشر بسرعة أشد من السلالات الأخرى السابقة عليها، سواء ألفا أو بيتا أو جاما، وكذلك أيضا أكثر سرعة من المتحور «دلتا» الذى كان يعتبر سريعا جدا فى انتشاره وقدرته على الإصابة بالمرض.
وفى عدة أيام قلائل تم رصد المتحور الجديد «أو ميكرون» فى سبع دول من الجنوب الافريقى، وهى:  جنوب افريقيا وزيمبابوى وموزمبيق وبوتسوانا وليسوتو واسواتينى وناميبيا.


وهو ما دفع العديد من الدول لفرض قيود على السفر من وإلى هذه الدول، وقد قامت مصر وكندا وبريطانيا ودول الاتحاد الأوروبى، وأيضا السعودية والإمارات ودول الخليج ودول أخرى، بفرض حظر جوى على الرحلات إلى ومن الدول الافريقية السبع، تخوفا من انتقال السلالة الجديدة إليها بما تحمله من أخطار محتملة.


ولكن هل منعت هذه الإجراءات السريعة أو العاجلة السلالة الجديدة من كورونا «أو ميكرون» من الانتقال أو حدت من قدرتها على الانتشار؟!
الاجابة بكل بساطة لا لم تمنع، فقد ثبت فعلا انتقال الفيروس المتحور «أو ميكرون» إلى العديد من الدول، وتم رصد الإصابات به فى العديد من الدول الأوروبية والشرق أوسطية والولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل وغيرها،...، وذلك نظرا لأن العالم أصبح بالفعل دون حواجز يمكنها أن تمنع دخول أو انتقال الفيروسات أو غيرها.

والآن.. رغم كل هذه الضجة حول السلالة الجديدة، إلا أن هناك حقيقة لابد أن تقال بوضوح وبصوت مرتفع كى تصل لكل الناس،...، وهى أنه من الضرورى تجنب التهويل أو التهوين فى التعامل مع هذه القضية،...، وعلينا أن نلتزم جميعا باتخاذ جميع الاحتياطات الاحترازية للوقاية من الإصابة بالسلالة الجديدة أو غيرها من السلالات.


وفى ذلك لابد من الالتزام بالكمامة وغسل اليدين وتجنب الزحام والحرص على أخذ اللقاح،...، وذلك هو طريق النجاة من الوقوع فريسة للفيروس ومشتقاته.

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة