عندما غادر طيفها جسدى
عندما غادر طيفها جسدى


عندما غادر طيفها جسدى

جودت عيد

الخميس، 09 ديسمبر 2021 - 07:28 م

كانت صرخاتها تعلو ويديها تلوح فى كل اتجاه، تحاصره بكلماتها ووعيدها، لكنه لم يكن يبالى بكل ذلك، يجلس منكسا رأسه وكأنه هائم فى عالم آخر، غير الذى يحاصره الآن.


هناك شىء أصبح يملأ قلبه وعقله، طارئ ظهر فجأة فى حياته، ظن أن القدر هو من وضع له السيناريو ليعود إلى محبوبته القديمة لذلك قرر أن يتمسك به رغم كل التهديدات والتحديات.

تناسى ذلك الزوج أنه أب ولديه اثنان من الأبناء أعمارهما لا تزيد على خمسة أعوام، لكنه فى هذه اللحظة لم يتذكر سوى ذلك الحب الذى عاشه سنوات وسنوات، ليكتشف بعد 15 عاما أنها تسكن بجواره، وأن الظروف متاحة بكل سيناريوهاتها ليلتقيا ويتبادلا الذكريات، ثم يتفقا على الزواج.


كان لقاؤهما فجأة، داخل سيارة أجرة متوجهة إلى نفس المكان الذى يسكن به، شاهدها بجواره وبيديها طفلان يجلسان على الكرسى الملاصق له.

لم تتغير ملامحها، هكذا حدث نفسه، نعم هى تلك الفتاة، نظرة عينيها الجذابة لم تختف، هذه تكشيرتها عندما تغضب، وتلك ابتسامتها اذا وجدت السعادة، لكن مهلا، كيف أخبرها أننى من كان حبيبها سابقا، هى لا تبالى بى، ولا تكلف نفسها بالنظر إلى، شاردة مع اطفالها، تسكت الصغير، وتصرخ فى وجه الابن الكبير حتى يغلق النافذة استجابة لإلحاح السائق ..

وسط لبختها، كنت أراقبها، أحاول أن أتأكد مرة أخرى أنها هى، حتى سمعتها تنادى على اسم طفلها الكبير، فوجدته هو نفس اسمى، أدركت وقتها أننى مازلت فى قلبها، وأن القدر هو من ساقها لى فى مكان يبعد عن مكان مولدنا مئات الكيلومترات لنلتقي وتكن بجوارى.


مشهد كثيرا ماراودنى فى احلامى، لم أنسها لحظة واحدة، كانت دائما معى، فهى حب سنوات الدراسة، وعشقى الوحيد، تذكرت وأنا أجلس بجوارها، كيف كانت السعادة لا تفارقنى وهى معى، كنا شبابا نحلم ونضحك ونمرح، لم يكن يشغلنا سوى الحب، كان هذا هو الرابط الوحيد بيننا.. تذكرت 7 سنوات من العطاء المتبادل، ففى مرحلة الثانوية عرفتها فتاة جميلة تسكن فى قرية مجاورة لى، لمست فى عينيها الوفاء وفى قلبها الرضا، احببت غيرتها على، نقاءها وطهارتها اللذين ليس لهما مثيل فى أى امرأة أخرى عرفتها.

رغم غناها لكنها قبلت الارتباط بى بعد تخرجنا فى الجامعة، أخبرتنى أنها ستتحدى العالم من أجلى، لكن لم يكن باليد حيلة، فقرى كان عائقا، قلة حيلتى كانت برهانا على رفض أسرتها الارتباط بى، لكن حقيقة تحدت الجميع من أجلى، قاومت، لكنها ضعفت أمام مرض والدها، الذى وهن قلبه وسقط عندما رآها تتمسك بالزواج بى، وتترك ذلك الشاب الغني الذي تقدم لخطبتها.


لم أنس يوم وداعها لي، كانت عيناها تتحدث عن حزن دفين يسكنها، لسانها لم ينطق سوى قهرا وضعفا، وجدتها تودعنى بكلمات سريعة.
قالت «لندع القدر يحدد لنا مستقبلنا، ليس لنا من الأمر شىء..

تعارفنا وأحببنا بعضنا بطهارة وصدق نوايا، واليوم يجب ألا نقول فراقا، بل علينا أن نكون متيقنين أن القدر سيجمعنا يوما ما، وقتها لا تتردد فى إخبارى أنك مازلت تحبنى، لأننى لن أنساك مهما مرت السنوات».


عاد الزوج من ذاكرته إلى موقفه الحالى، رمق بعينيه تلك الفتاة الجميلة التى طالما أحبها ولم ينسها، قرر أن يتابع النظر إليها، علها ترمقه بعينيها، وقتها قد يزيل رد فعلها الجليد بينهما فيخبرها دون خجل وتوتر أنه حبيبها الذى أعاده القدر إليها مرة أخرى.


ظل دقائق يحدق فيها، يتغزل بعينيه فى جمالها الذى زاد رونقه رغم مرور سنوات على فراقهما، حتى التقت عيناه بعينيها، هنا أصابها الذهول، ألقت ببصرها بعيدا، وظلت تحلق بعينيها فى سقف السيارة، فما رأته الآن أعاد إلى ذاكرتها سنوات من الفراق.


ظلت مترددة فى النظر إليه، هى تريد أن ترمقه خلسة حتى تتأكد أنه هو، لكنه لم يفارقها بعينيه، أراد أن يخبرها بنفسه أن إحساسها حقيقى، وأنه ذلك الشخص الذى أحبها ولم تفارق قلبه يوما.


ظل الوضع على ما هو عليه، هى شاردة بعينيها بعيدا عنه، مذهولة مما رأت، وهو متمسك فى أن تتحدث عيناه لتخبرها بحقيقة ما تتردد فى تصديقه الآن، حتى وصلا الاثنان الى مكان النزول، فى هذه اللحظة ظل كل شخص يراقب الثانى، من سيخبر السائق أولا، هما لايريدان ان يفارقا بعضهما البعض، الاثنان ينتظران، حتى تحدث الطفل الكبير وأخبر والدته انهما وصلا إلى بيتهما، فى هذه اللحظة سارع الزوج الى اخبار السائق ان عليه التوقف للنزول فى هذا المكان، فما كان منها إلا أن رمقته بعينيها خلسة فاطمأنت انه حبيبها الذى لم يفارق ذاكرتها  يوما، فعادت الى سكونها وابتسامتها المعهودة.


تذكر الرجل الكلمات التى أخبرته محبوبته بها عندما افترقا منذ ١٥ عاما، ظل لسانه يرددها «عندما يجمعنا القدر لا تتردد فى إخبارى أنك مازلت تحبنى، لأننى لن أنساك»


تملكته الشجاعة، نادى عليها باسمها لكن بصوت منخفض، رغم ذلك سمعته الفتاة، فقد كانت تراقب بعينيها واذنيها، ذلك الجسد الذى يتبعها بخطوات بطيئة وعلى استحياء، ردد النداء مرة اخرى ولكن بصوت مرتفع.


قال :مدام؟؟؟ ..هنا وقفت الفتاة، ادارت ظهرها ببطء نحوه، ثم وضعت عينيها فى مواجهة عينيه، ليخبرها ثانية


إلا أن الفتاة غادرت مصطحبة اطفالها الى حيث تسكن، وظل ذلك الزوج ثابتا فى مكانه، يراقب خطواتها من بعيد،هو لا يريد ألا يغادر هذا المكان، لكنها اختفت فجأة بين الناس، ليعود أدراجه إلى البيت.


تناسى ذلك الزوج اسرته التى تنتظره فى المنزل، لقد جلس على «المقهى» ليحتسى بعضا من الشاى، هو لايفكر فى شىء،غيرالذى حدث اليوم، لقد ادرك ان قلبه بدأ ينبض،وأن ابتسامته اخيرا قد عادت.


دائما ماكان يقنع نفسه، أنه لا يعشق جسدا، وهذه كانت مشكلته مع زوجتيه السابقة والحالية، هو يعشق روحا، سكنت فى جوارحه واحساسه، حاول ان ينساها بكل ما يملك من قوة،لكنه لم يستطع، تزوج مرة ورفض الانجاب على امل ان يلتقيها حرا، دون مسئولية، لكنه انفصل، وعندما تملكه اليأس فى البحث عنها وايجادها تزوج مرة اخرى،وانجب طفلين على امل ان تشغله المسئولية عنها ويتناساها، لكنه لم يستطع، طيف تلك الفتاة لم يغادر قلبه وعقله حتى الآن.


ظل ذلك الزوج هائما كعادته على «القهوة» حتى ساعات متأخرة من الليل، لقد اخبر اسرته انه سيتأخر قليلا زاعما انه فى مهمة عمل، لكنه تأخر حتى الواحدة صباحا، مما اثار القلق فى زوجته، التى هاتفته وطلبت منه الحضور الى المنزل، حيث الأولاد ينتظرون.


عاد الزوج الى منزله لكن بأحلام جديدة، تناسى الفقر الذى يعيشه، وقرر ان يفتح قلبه من جديد مهما كانت التحديات.


بمجرد أن دخل البيت، جلس على الكمبيوتر، واخذ يبحث عن حسابها على مواقع التواصل الاجتماعى ..لقد وصل اليه اخيرا .. أرسل اليها طلب صداقة..وافقت ومن هنا بدأ الحديث معها.


أيام وذلك الزوج يجلس بالساعات يتحدث مع الفتاه، لقد اخبرته عن كل شىء، شرحت له سبب انفصالها عن زوجها، قالت لقد خانها مرة واثنين، لذلك قررت خلعه ،والاستقرار بأولادها فى شقة قديمه كانت ملك زوجها .


ظل يتحدثان اشهر كاملة، اعادا معا زكرياتهما القديمه، اخبرها انه لم ينسها لحظة ،مازالت تسكن قلبه وعقله رغم مرورسنوات على فراقهما، وهى كذلك اخبرته انها حاربت كثيرا من اجله، وانه لم يغب عن حياتها طوال هذه الفترة.


تقابلا الحبيبان خارج المنزل، اعادا معا ذكريات الدراسة، وفى لحظة حب، اخبرها ان ايمانها بالقدر تحقق، وقد التقيا، وأنه لن يدع أى شىء يفرقهم عن بعضهما ،بعدها طلب منها الزواج ،الا انها فضلت مهلة لترتيب اوضاعها .


على جانب آخر، كانت زوجة ذلك الشاب تراقب تصرفاته ،ادركت ان هناك شيئا يشغله ،لم يعد زوجها الذى تعرفه، يجلس بالساعات أمام الكمبيوتر، ويتحدث عبر الهاتف، قررت فجاة معرفة ماذا يحدث، ترك الرجل حساب «الفيس بوك» مفتوحا على الكمبيوتر وذهب الى عمله .


قرأت الزوجة كل مادون من حديث بينه وبين محبوبته، هى لم تكن تعرف عنها شىء،لم يحدثها مسبقا انه يحب فتاة من قريته ،لكن هناك امرجلل حدث ،هذا الامر قد يهدم البيت الذى حاولت بقدر الامكان الحفاظ عليه .


قررت ان تخبر زوجها، ان تواجهه بهذه الحقيقة المؤلمة، تحدثت معه عن علاقته بتلك السيدة ،وماحقيقة طلبه الزواج منها، لم يتحدث الزوج، ظل جالسا منكسا الراس ،كان يعلم ان هذا المشهد سوف يحدث، لكنه لم يحدد طريقة للخروج منه.


ظل الزوج صامتا، وزوجته تكيل له الاتهامات، هى تخبره انها تحملت معه كل شىء ،فقره وكسله، ونفسيته التى تتغير كل دقيقة.


طلبت منه أن يطلقها، وأخبرته انه لن يرى اولاده مرة اخرى، لكنه ظل صامتا ،مذهولا من هول ماحدث ،كان يريد ان يكون هذا الصدام بعد ان يتزوج من محبوبته ورفيقة احلامه، الا انه حدث ما لم يكن يتوقعه.


وسط هذا الصدام، رن هاتفه، التقطته الزوجة بسرعه، اكتشفت انها محبوبته، ردت عليها بصرخة فى وجهها ،طلبت منها ان تغادر من ذاكرة زوجها، وان تنسى الماضى وتتفرغ لتربية طفليها.. حاول الزوج ان يتحدث مع فتاته، ويخبرها انه يحبها ،وسيضحى من اجلها، كان الزوج محقا فى كلامه، فكثيرا ما اراد ان يخبر زوجته انه لايحبها ،لقد تزوجها فى ظروف صعبة ،هى ضحية ازماته النفسية، ليس لها ذنب فيما يحدث، لكن محبوبته لم ترد عليه ،اكتفت بالصمت وطلبت الحديث معه فى وقت اخر..

مر اسبوع والجميع صامت كل شخص يحاول ان يراجع نفسه، الا الزوجة التى قررت ان تعاقب الجميع ،تواصلت مع الفتاه واخبرتها انها تركت زوجها لها وعليها ان تعيد معه زكريات حبهما القديم، اما الزوج فقد تلقى اعلان من محكمة الاسرة بدعوى طلاق اقامتها زوجته .


تواصلت الفتاة مع الزوجة، طلبت منها ان يلتقيا معا، ثم شرحت لها انها لا تفكر فى الزواج نهائيا من زوجها، وانها ستعيش من اجل اولادها فقط، وأن ما يمر به زوجها هو حب قديم ،عليها ان تعالجه بهدوء بعيدا عن الطلاق والانفصال.


لم تكتف الفتاة بذلك بل اخبرت الزوجة انها ستغادرالمنطقة ،وستعيش فى بيت شقيقها بمدينة نصر، وأنها لن تخبر احدا غيرها بهذا المكان، بعدها عطلت الفتاة حسابها على مواقع التواصل واتلفت بطاقة هاتفها أمام الزوجة، لتغلق اي وسيلة للتواصل معها.


حقيقة لم تكن الفتاة تفضل الزواج مرة اخرى، لقد اغلقت هذا الموضوع نهائيا، لكنها لم تنكر ان الايام القليلة السابقة أعادت إليها روحا كانت غائبة عنها، لذلك قررت الهروب وعدم العودة مرة أخرى، لقاء القدر الذي انتظرته كثيرا أدركت انه ليس لتحقيق الاماني، بل للرضاء بما قسمه الله لكل شخص منهما.


على الجانب الاخر، مازال الزوج ساكنا، عادت زوجته الي البيت، تنازلت عن دعوى الطلاق، لكن الأمور مازالت كما هي، الزوج هائما، شاردا، إنه يراجع نفسه الآن.


تركته الزوجة اسبوعا حتى عاد إليها كما عرفته، عاد مبتسما، احتضنها، قبّلها، ثم قدم لها الاعتذار عما حدث.. أدرك الزوج انه كان بحاجة إلى صدمة حتى يدرك النعمة التي كانت بين يديه، ايقن انه مهما حلم فلن يجد زوجة تتحمله مثل تلك الزوجة، لن يجد روحا نقية ومبهجة مثل أطفاله.


اقتنع الزوج انه كان مقيدا بطيف غائب، وأنه كان بحاجة الى صدمة لإخراج هذا الطيف من قلبه وعقله وجسده.

إقرأ أيضاً|رفعت الجلسة | تزوجت وحشًا سيدي القاضي

 

 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة