لكنه لم ييأس ولم يتخل عن أفكاره الصادمة للبيروقراطية والنظام وقدم برنامج الشارع المصري حتي صدر قرار جمهوري شهير من السادات باستبعاده مع عشرات الكتاب والمثقفين من أعمالهم



منذ رؤيتي لشفيع شلبي أول مرة في أواسط السبعينيات من القرن الماضي ، أدركت أنه غير متوافق مع المجتمع.أنه نسيج وحده يري أن حرية الانسان مقدمة علي كل المواضعات الاجتماعية والسياسية. كانت شهرته مع عجلته التي يركبها إلي مبني التليفزيون وظهوره كمذيع بلا جاكت وكرافته وشعره مجعد لفترات طويلة ، تعني اغترابه عما حوله. وهذا ما عنيته بغير التوافق مع المجتمع. هؤلاء لا يستسلمون للواقع حولهم أبدا، ويظلون دائما حتي لو لم يقرروا ذلك، سابقين عصرهم في الرؤية والخيال. لقد أحب الجمهور ذلك الوقت مظهر شفيع الجديد عليهم ، لكن التليفزيون طبعا لم يحب ذلك. في أول حياته المهنية أدار حوارا مع المرحوم يوسف السباعي عام 1971 انتهي بإيقاف البرنامج. كان السباعي وزيرا للثقافة وقتها وكان البرنامج اسمه «السهرة الكبري «. أذيعت الحلقة ، لكن الأسئلة التي سببت توتر السباعي وضيقه انتهت بإيقاف البرنامج. كان من بينها سؤال عن لماذا لم تصدر مجلة لشباب الأدباء ، وتلك كانت من قبل توصية مؤتمر الأدباء الشبان عام 1968. كان الأدباء الشبان الجدد قد أصدروا من قبل مجلتهم «جاليري 68 « ولم ينتظروا السباعي، بل دخلوا في مواجهات فكرية معه ومع الأجيال السابقة.وسأله أيضا لماذا لم يتم تأسيس اتحاد للكتاب. فعلها السباعي فيما بعد رغم ضيقه بالحوار وتم تأسيس الاتحاد. كانت تلك أول وآخر حلقة في البرنامج. ثم صار يقرأ الصحف في برنامج « فلاش « فأوقف البرنامج أيضا لأنه قرأ فيه من الصحف ما ينتقد التليفزيون. لكنه لم ييأس ولم يتخل عن أفكاره الصادمة للبيروقراطية والنظام وقدم برنامج الشارع المصري حتي صدر قرار جمهوري شهير من السادات باستبعاده مع عشرات الكتاب والمثقفين من أعمالهم ، وهي المعروفة بقرارات سبتمبر قبل اغتيال السادات في أكتوبر عام 1981. المدهش أن شفيع لم يشك أبدا. اختفي من التليفزيون الذي لم يكن أبدا موظفا رسميا فيه. كان يعرف أن مايريده أكبر من البيروقراطية والنظام الحكومي. صار له مشروعه الخاص ومشاركاته في العمل العام فكان من أول دعاة ضرورة وجود قنوات فضائية مصرية. دعا إلي ذلك وظل وراءه حتي تم. وهو الحالم بأن تعود الإذاعة أهلية كما بدأت وكذلك يجب أن يكون التليفزيون، ويخرجان من شرنقة الدولة. كان شفيع ومازال بين المثقفين يري أن العمل أهم من الكلام حتي وإن لم يقل ذلك. وأن الإنسان لا يهزم أبدا إلا إذا قرر الاستسلام ، وأن في العالم مايستحق الكفاح لتحقيقه. انشغل شفيع صاحب الطموح الكبير بما يمكن أن تنشغل به مؤسسة أو وزارة من فضلك ، وهو تصوير وتسجيل كل ماهو رائع في حياتنا من إنجازات في الثقافة والفنون والعمارة وغيرها في الماضي والحاضر. أسس المركز العربي للإنتاج الوثائقي في سبتمبر عام 1981. أي بعد إخراجه من العمل في أيام السادات الاخيرة كما قلت.مركز لايعتمد علي التمويل الخارجي أو الدعم بأي صورة ، والعمل فيه تطوعي. وانبثقت عن المركز مراكز أخري مثل المركز القومي لتوثيق مصر « والشبكة للناس وللأرض « وانهالت الأفلام التوثيقية مثل موسوعة المدن وسلسلة وصف مصر وتحولات سيوة وتراتيل طيبة وأوراق العمر عن حياة لويس عوض وثلاثية عن المعماري حسن فتحي ، وإنسانية العمارة في القرنة وسلسلة أعلام معاصرون ورائدات من القرن العشرين والحياة في المتوسط في جزءين والثالث في الطريق. وحده فعل شفيع ذلك كله وأكثر. وحده.هو الذي أحب الهامش. فمتي تجد إنجازاته طريقها إلي المؤسسات الثقافية المختلفة التي لم تستطع أن تفعل مثلها؟