الطريق من القاهرة إلي الإسماعيلية يقول إن هذا شعب قرر أن يمارس الفرح بعد سنوات من الكدح والتعب والعناء




وهو عنوان رواية من الروايات الأخيرة لروائي الدلتا المرحوم محمد عبد الحليم عبد الله. وكان الرجل يعشق اللغة العربية وتربطه بها علاقة من نوع خاص. ولذلك فقد كانت عناوين رواياته مدرسة في اختيار العناوين. ولا أعتقد أن أحداً من الناشرين تدخَّل في اختيار عنوان رواية أو مجموعة قصصية له.




ربما كان يصلح بدقة لأن يصف حال مصر الراهنة هنا والآن. مصر ما بعد افتتاح قناة السويس الجديدة. وبدلاً من أن أسأل نفسي ماذا بعد الافتتاح؟ أو ماذا عن مصر بعد الافتتاح؟ فيكفي أن يقول الإنسان إن البقية تأتي. ولا بد أن تأتي. وأن افتتاح القناة لا يشكل نهاية فعل يجعله يسكن صفحات الماضي. لكنه يصلح أن يكون بداية فعلا مستقبلي ننتظر استخراجه من المستقبل لنسكنه صفحات الحاضر.




يوم الخميس الماضي كنت هناك في نادي الدفاع الجوي عند آخر نقطة من مدينة نصر. وأول لحظة من التجمع الخامس في وقت مبكر لنبدأ رحلتنا. تنظر أمامك لتجد ملامح المصريين ممثلين في نخبتهم موجودة في قاعة كبيرة. والاهتمام بالتفاصيل من قبل من تولوا إعداد الرحلة من القاهرة حتي الإسماعيلية في الذهاب والعودة بدت نتائجه في حالة من الراحة رأيتها علي الوجوة. ولم أكن محتاجاً للبحث عنها.




الطريق من القاهرة إلي الإسماعيلية يقول إن هذا شعب قرر أن يمارس الفرح بعد سنوات من الكدح والتعب والعناء. قدَّم فيها أكثر مما كان سيتطيع أن يقدم. هل هناك أكثر من الأرواح وحيوات البشر لكي تقدم للأوطان في المفاصل التاريخية المهمة من حياتهم؟.




رأيت في الطرق والمشوار تحالف الثلاثي الخالد: جيش مصر العظيم. شرطتها النابهة والمتيقظة. وحولهم شعب هذا الوطن الذي قرر أن يقول نحن هنا. وأن يذكر الدنيا بأنهم أحفاد من بنوا الأهرامات. وأنهم قرروا بناء أهرامات جديدة. قناة السويس الجديدة الهرم الأول منها. ولا بد أن تعقبه أهرامات أخري في قادم الأيام.




حتي الأشجار حول الطريق. والطريق نفسه، وكلها تنتمي لفئات الجماد الذي لا ينطق ولا يتكلم ولا يعبر عن نفسه. لكن التعبير وصلني بأن يوم الخميس السادس من أغسطس سنة 2015 يوم خاص. يوم سيكون له ما قبله. ولا بد أن يكون له ما بعده. لا بد أن نعبر هذا اليوم محملين بخبرة وتجربة سنة من أمجد سنوات مصر ومن أحلاها ومن أجملها.




في صالة الانتظار قبل أن نستقل الأتوبيسات الصغيرة المكيفة. تعرفت علي الدكتور أسامة الأزهري. رأيته من قبل بشكل غير مباشر. خصوصاً اللحظة الفارقة. ولا يسألني أحد ماذا أقصد باللحظة الفارقة عندما صلي بالرئيس عبد الفتاح السيسي صلاة عيد الفطر المبارك. وكل قيادات ورموز الدولة المصرية في جامع المشير محمد حسين طنطاوي.




أمَّ أسامة الأزهري الصلاة. وخطب خطبة بليغة فيها من الرسائل ما تحتاج قراءته لمجلدات. وأتمني أن تكون وصلت لمن كان يقصد وصول الرسالة إليهم. عند الكلام معه أكتشف أن الرجل رغم صغر سنه وشبابه. مدرك تماماً لما حوله. يعرف قوانين ما يجري. وقواعد ما يتم.




قال لي إنه سوهاجي. وإن كان قد جاء للدنيا في الإسكندرية. وقضي طفولته ومراهقته وشبابه فيها. أي أن الرجل جمع بين صلابة الصعيد وحضارة المواني التي تطل علي البحار وتصل إلينا عبرها الأفكار الجديدة والرؤي المغايرة والحياة التي لم نجبها من قبل.




في الأتوبيس جاءت جلستي خلف خالد يوسف. المخرج السينمائي قبل السياسي الذي يستعد لخوض انتخابات مجلس الشعب. عرفت منه أنه سيعود للإخراج رغم انشغله بالعمل السياسي. وأن قصة سره الباتع ليوسف إدريس سيحولها لمسلسل تليفزيوني يعرض في رمضان القادم. تنتجه شركة العدل جروب التي تعد أهم شركة إنتاج للدرامة التليفزيونية والأفلام السينمائية في مصر الآن. ربما تحاول أن تملأ فراغ الإنتاج بعد أن تخلت الدولة المصرية عن هذا الدور.




وما قاله خالد يوسف طبيعي. وأتوقعه منه. وأتمناه. بل وأحلم به. لكن الجديد الذي فاجأني به عندما ذكَّرته أنها المرة الأولي الذي سيتحول من إخراج الفيلم السينمائي إلي المسلسل التليفزيوني. قال لي: من قال لك أنني سأتحول؟ إن سره الباتع ستكون مسلسلاً تليفزيونياً وفيلماً سينمائياً في نفس الوقت.




قلت له لست متخصصاً في المسلسلات والأفلام. وعلاقتي بهما تتوقف عند المتابعة الوجدانية لأضع أذني علي قلب مصر وهو يدق علي مدار الليل والنهار. ولكني أعتقد أن هذا لم يحدث من قبل. لم يؤكد كلامي أو ينفه. لكنه قال لي إنه مصمم علي هذه التجربة مهما كانت المصاعب والمتاعب التي ستواجه تنفيذه.