لم يفكر أحد أن يميز بين طفل وآخر، إلا حين غضب أولياء أمور أبناء الذوات من «شبهة» أن يلطخ أبناءهم أطفال شوارع

هل هي قناة جديدة؟ أم تفريعة؟ أم ترعة؟ أم طشت.....؟! ألم تكن قناة «مرسي» أفضل من قناة «السيسي»؟ هل هي إنجاز أم أن «النظام» يجمّل وجهه لتمرير استبداده وقمعه؟ هل أولئك الفرحون في الشوارع يرفعون الأعلام ويغنون ويرقصون شعب مصرفعلاً؟! أم أنهم مجموعة من الجهلاء والمأجورين و»المأفونين»؟ هل أنت سيساوي أم مرساوي؟ هذه الأسئلة، وما شابهها،نموذج لسعار إعلامي انتاب الفضائيات،ومواقع التواصل، خلال اليومين الماضيين، وأنت لاتعرف هل تشغل عقلك بالإجابة عنها، أو حتي السخرية منها، أم تبكي، قهرا علي ما صنعه عهد مبارك بالعقول لثلاثين عامًا، فجعلها لاتستطيع أن تصوغ سؤالا دون أن تفكر طبقا للنموذج الكروي للأهلي والزمالك!بالرغم من أن المعرفة، في جوهرها، هي كيف تستطيع أن تسأل، سؤالا حقيقيا، لاسؤالا زائفا معروفة إجابته سلفا! لكن هذا الصراع، وإن بدا عبثيًا، لايخلو من فائدة، لأنه صراع كاشف؛ ففي الوقت الذي كانت فيه قنوات الإخوان تبث ماكان يمكن أن يتحقق لوكان مرسي قد استمر في الحكم! كانت السفن، بالفعل، تطلق صافراتها علي أرض أو بحر الواقع، وفي الوقت الذي تصدر شاشاتهم مشهد مأخوذ من مقلب قمامة، كان اليخت «المحروسة» يشق أمواج القناة الزرقاء، وعلي متنه رئيس الجمهورية، وضيوف مصر، بينما احتشد الفرحون،ومن مولوا المشروع من قوت أبنائهم، حول الشاشات، وما إن انتهت المراسم ومال قرص الشمس حتي ملأوا الشوارع.ولأن الأسئلة التي لاتنتج معرفة جديدة لاتبقي وتذروها الرياح، خاصة إذا كانت من نوع: ماذا لو أن ما قد مضي لم يكن قد مضي! أو كما تشدو أم كلثوم: «وعايزنا نرجع زي زمان،قول للزمان ارجع يازمان»، ولأننا لا نزال في مزاج النشوة، فقد أفاقتني كلما بالغت في الفرح الإشارات، حين بدت جلية، كصفحة البحر؛ وأول الإشارات كانت حين قاطعت خطبة الرئيس صافرتا سفينتين عابرتين، بدا المشهد وكأنه مشهد يتوازي والفرحة، وبدا لي إشارة لضرورة أن نسير في الاتجاهين، فقبلها بساعات كان الطفل «عمر صلاح»،المغرم بالجندية، قد أبدي رغبته في أن يري الرئيس، ولأن «البيروقراطية» كانت نائمة طيلة عام في قناة السويس، استطاع القدر أن يغافلها، وأن يحمل الطفل علي بساط الريح، خلال ساعات، ليلقي به علي ضفاف يخت «المحروسة»، في أحضان الرئيس، كما تمني، مرتديا البدلة العسكرية وحاملا علم مصر بيدين مرتجفتين، وحتي لاتفوتنا الإشارات في غمرة الفرح، فالطفل المرتجف مريض بالسرطان، ولمن يفكر في الاتجاهين سيلتقط المغزي، ويدرك أن منظومة «الصحة» في مصر لم تقطع من الألف خطوة، سوي واحدة، إذا تفاءلنا! الإشارة الثانية تبدو أكثر تعقيدا، فمن المعروف أن المايسترو «سليم سحاب» قد أسس مشروعا نبيلاً لامتصاص أطفال الشوارع ( مع اعتذاري عن التسمية) وتعليمهم الموسيقي، وإدراجهم ضمن كورال أطفال جدير بأن نفرح به، كان الكورال حاضرا في الحفل، جنبا إلي جنب أطفال المدارس الأجنبية، ولم يفكر أحد أن يميز بين طفل وآخر، إلا حين غضب أولياء أمور أبناء الذوات من «شبهة» أن يلطخ أبناءهم أطفال شوارع! فهاجوا وماجوا، وذرعوا الفضائيات ومواقع التواصل لإثبات أن الكورال صاف ونقي ولم تلوث دماءه النبيلة أصوات الشوارعيون ! الإشارة الملتقطة هنا ليست «صوفية» تماما، بل تشبه في الحقيقة إشارات المرور، بفجاجة ألوانها، ومباشرتها، فالدولة لم تقطع خطوة ملموسة في هذا الاتجاه المتشعب؛ من ضرورة حصول الأثرياء والفقراء علي القسط العادل من التعليم، ومن ضرورة حسم قضية «أطفال مصر» (لا أطفال الشوارع) كي نُسكت هذا الخطاب الطبقي «المتعجرف»، ومن ضرورة اتخاذ خطوات لتقليل الفجوة بين الأثرياء والفقراء، واختصارا؛ بحسم الانحيازات: تعليما وصحة علي الفور. ولأن أفراحنا قليلة فلنسعد بها، ولنصم آذاننا، ليومين فقط، عمن يكدرها، حتي ولوكان أنا نفسي بهذا المقال وإشاراته