رأس نفرتيتى
رأس نفرتيتى


هل تعود نفرتيتى لمتحف الحضارة ؟

آخر ساعة

السبت، 11 ديسمبر 2021 - 10:11 ص

عصام عطية

110 أعوام مرت على خروج رأس نفرتيتى من مصر، 6 ديسمبر 1912، ذلك اليوم الذى يحمل أهمية خاصة فى تاريخ علم المصريات والآثار والاكتشافات المصرية، ففى هذا اليوم تم اكتشاف واحدة من أشهر قطع الآثار فى العالم، تمثال رأس نفرتيتى فى منطقة تل العمارنة بالمنيا، لكن للأسف تم نقلها إلى ألمانيا بعد عملية تدليس أجنبية، وهى حتى الآن معروضة فى متحف برلين، رغم المحاولات المضنية المبذولة على مدار السنوات الماضية من قبل المصريين لاستعادتها، فهى أشهر مهاجرة خرجت من مصر بالخديعة.

فى أحد الأيام كان هناك نحو 150 عاملا من بعثة التنقيب بقيادة عالم الآثار المصرية الألمانى لودفيج بورشارد، موزعين على منطقة الحفريات، وكانت مجموعة تنقب فى بيت تحتمس الذى كان فى خدمة الفرعون إخناتون وفى ورشة عمل هذا الفنان تم العثور فى البداية على قطع تمثال نصفى مكسر لأحد الفراعنة، ثم تلتها قطع فنية من نوعية رفيعة، كان أهمها التمثال النصفى لنفرتيتى.

أى "الجميلة أتت". وكانت تحظى بمكانة متميزة لدى زوجها الفرعون إخناتون الذى أمر بعبادة الإله الواحد آتون، إله النور. وأسس عام 1346 قبل الميلاد عاصمة جديدة أخيتاتون، ومعناها "أفق النور"، التى تسمى اليوم بـ"تل العمارنة". وهناك شكّل الإله آتون والفرعون إخناتون ونفرتيتى ثلاثيا إلهيًا. فى ثلاثى تل العمارنة كانت نفرتيتى تلعب الدور النسائى وتشارك فى الطقوس الدينية كما تظهر فى العديد من الرسوم إلى جانب زوجها، وفى بعض الطقوس الدينية تظهر نفرتيتى وحدها.

ولكن لا أحد يعرف ما إذا كانت نفرتيتى قد شاركت فعلا زوجها إخناتون فى الحكم، كما يعتقد البعض. كما أن تاريخ وفاتها بالتحديد لازال مجهولا، حيث لا أحد يعرف ما إذا كانت نفرتيتى قد عاشت فترة أطول من زوجها إخناتون الذى توفى عام 1334 قبل الميلاد. وهناك شكوك تحوم حول شخصية سمنخ كارع الذى قد يكون حكم هناك لفترة وجيزة بعد وفاة إخناتون. وهناك نظرية تقول إن نفرتيتى كانت تختفى وراء شخصية سمنخ كارع. ولكن كل هذه النظريات ليست إلا تكهنات".

عند الاحتفال بمرور مائة عام على العثور على التمثال النصفى لنفرتيتى قامت كارولا فيدل، وهى مخرجة أفلام وثائقية، بالتركيز فى فيلمها على شخصية مشجع الفنون جيمس سيمون ورحلة نفرتيتى من تل العمارنة إلى برلين. وكان سيمون، وهو تاجر قطن يهودى ومليونير، قد مول بعثة التنقيب عن الآثار التى عثرت على نفرتيتي. "عندما تم تحقيق الاكتشاف المذهل للتمثال النصفى الملون، أدرك أنه تم العثور على قطعة فنية مدهشة". وفى يناير عام 1913 قام هاينريش سيمون، نجل جيمس سيمون، بنقل تمثال نفرتيتى فى حقيبة إلى برلين، حيث حطت الرحال فى بيته الفاخر، كما تقول فيدل.

وقد تم تصنيع نسختين مماثلتين لتمثال نفرتيتى بتكليف من جيمس سيمون الذى احتفظ بالنسخة الأولى، فيما أهدى النسخة الثانية للقيصر البروسى فيلهلم الثاني. أما التمثال الأصلى لنفرتيتى فقد أهداه سيمون، صحبة جميع القطع البالغ عددها 5500 قطعة التى حصل عليها بعد تقسيم الاكتشافات الأثرية مع السلطات المصرية حينذاك، لمجمع الفنون الملكى البروسي.

سنوات ومصر تطالب رسمياً باستعادة رأس الملكة نفرتيتى من برلين، لأنها ترى أن التمثال خرج على نحو غير شرعي، وهو ما تنفيه ألمانيا فهل يتحقق ذلك الحلم وتعود نفرتيتى للعرض فى متحف الحضارة؟. 

يقول عالم الآثار، الدكتور عبد الفتاح الصباحى، إن رأس نفرتيتى يجب أن يعود إلى مصر، وفى نفس الوقت الألمان متمسكون به، رغم أنه مُهرب، مضيفًا أن الدكتور محمد عبد القادر، رئيس رئيس هيئة الآثار فى ذلك الوقت، طالب برجوع رأس نفرتيتى لكنه كان عنيفًا، وتم إبعاده من منصبه بسبب رأس نفرتيتى، مُشيرًا إلى أن الألمان لن يعيدوا رأس نفرتيتى لأن هذا الرأس هو جوهرة متحف برلين.

لم تهدأ مطالبة مصر بعودة التمثال، ويذكر أن مصر قد تقدمت بعدة طلبات لاستعادة تمثال نفرتيتى من قبل، غير أن كل الجهود باءت بالفشل. مرة واحدة كادت مصر تحصل على رأس الملكة، وكان ذلك فى عهد النازى هيرمان جورينج الذى لم يدع فرصة خلال سنوات النازية دون أن ينهب كنوز أوروبا الفنية ويأتى بها إلى ألمانيا. استجاب جورينج للطلب المصرى عام 1933 عندما كان رئيساً للوزراء فى بروسيا، غير أن "الفوهرر" هتلر اعترض على ذلك.

أيضا أرسل الملك فاروق الأول ملك مصر والسودان مذكرة رسمية بتاريخ 14 أبريل 1946إلى مجلس قيادة الحلفاء فى ألمانيا يطلب فيها استعادة تمثال نفرتيتي، كما أرسلت الحكومة المصرية طلباً مماثلاً عبر السفير المصرى بالولايات المتحدة لوزارة الخارجية الأمريكية فى 21 فبراير 1947. وتلقت الحكومة المصرية رداً فى الثامن من مارس 1947 من مجلس قيادة الحلفاء بأن ليس لديهم السلطة لاتخاذ مثل هذا القرار، ونصح مجلس الحلفاء الحكومة المصرية بأن تخاطب الحكومة الألمانية التى أعيد تشكيلها آنذاك بعد هزيمة ألمانيا فى الحرب العالمية الثانية.

بعث الدكتور زاهى حواس خلال توليه منصب الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار طلباً رسمياً لاستعادة تمثال الملكة نفرتيتى. وأرسل حواس ثلاث رسائل رسمية لنقلها إلى الحكومة والسلطات الألمانية المختصة؛ فتم إرسال طلب رسمى إلى الدكتور هيرمان باتسنجر، رئيس مؤسسة التراث البروسى الثقافى فى برلين. كما تم إرسال طلب إلى العلاقات الثقافية بوزارة الخارجية لإرساله للمؤسسة الألمانية.

وعندما عاد تمثال نفرتيتى لمتحف برلين الجديد تجددت التساؤلات حول مدى ملاءمة برلين كموقع للتمثال. وقد حاول العديد من خبراء الفن الألمان تفنيد كل أدلة حواس حول خداع بورخاردت للسلطات المصرية عند الاتفاق على تقسيم الآثار، مستندين إلى وثيقة 1924. وقد تحججت السلطات الألمانية بأن التمثال هش للغاية، وقد يتهشم أثناء نقله، وبأن الحجج القانونية لإعادته غير صحيحة. ووفقًا للتايمز فإن ألمانيا تخشى عدم عودة التمثال من مصر إذا تمت إعارته لمصر. وفى ديسمبر 2009، عرض فريدريك سيفريد مدير المتحف المصرى فى برلين على المصريين وثائق محفوظة لدى المتحف حول العثور على التمثال التى تتضمن البروتوكول الذى وقّعه بورخاردت مع هيئة الآثار المصرية، وفى الوثائق وصف التمثال بأنه تمثال جص ملون لأميرة، ولكن فى مذكراته أشار بوضوح إلى أنه رأس نفرتيتي، وهو ما يثبت كذب وتلاعب بورخاردت حيث إن بورخاردت كتب هذا الوصف حتى تتمكن بلاده من الحصول على التمثال، وهو ما علق عليه حواس بأن هذه الوثائق تؤكد صحة ادعاء مصر بأن بورخاردت تصرف بشكل غير أخلاقى بقصد الخداع. إلا أن مدير المتحف علق بأن سلطة الموافقة على عودة التمثال إلى مصر تقع بين مركز التراث الثقافى البروسى ووزير الثقافة إلى حضن الوطن أملنا جميعا، ومازال التمثال وصاحبته يثيران جدلا كبيرا.

بسام رضوان الشماع، المؤرخ عضو اتحاد الكتاب المصرى والمرشدين السياحيين، يقدم قراءة جديدة للتاريخ حول جمال نفرتيتى الملكة الأشهر فى تاريخ عصر الأسرات المصرية القديمة حيث يقول: "نفرت إيتى" الحقيقية تمثالها الموجود الآن فى برلين، هل هو إنجاز؟ فنان ابتكره؟ أم آخر ربما أراد أن يقول الحقيقة؟ أسئلة غير مجاب عنها حتى الآن. لكن نظريتى هنا هى لماذا اختار العالم اللقطة الجميلة والتمثال الجذاب شكلا لكى يصفوها بالفاتنة  تاركا كل مناظر الملكة غير الحسان؟، ولماذا قالوا فى أشكالها المنقوشة الأخرى غير الحسان إنه فن جديد ثورجى أتى به إخناتون ويطلق عليه فن العمارنة ولم يطلقوا على الرأس الجميلة أنها من فن العمارنة أى الذى لا يحاكى الحقيقة؟ ولماذا اختزل العلماء كل تاريخ تلك الفتاة فى جمالها وتركوا بيانات عميقة تشرح لنا شخصيتها؟، مضيفًا: "أنا من خلال هذا البحث الذى يعتمد على نقوشات وبباتات على أرض الواقع وليس تكرارا لما قاله علماء فى الماضى من أنها رائعة الحسن ورفيعة الرقبة إلخ، وللأسف سرنا وراء من حكم على سيدة من شكلها، وهذا قمة التنمر التاريخى وقمة محدودية النظرة وضيق زاوية الحكم عليها، أقدم لكم فى هذه النظرية نفرت إيتى الحقيقية خالية من المجاملات.

"نفرت إيتي" التى ظلمها العلماء حيث حكموا عليها من تمثال لرأسها ورقبتها الرفيعة وجزء علوى من الجسم فاختزلوا تاريخ امرأة مؤثرة فى شكلها الجمالى المنحوت وهو تمثال أقل ما يقال عليه أنه غريب ويكتظ بالغموض، وغرابته أيضا تكمن فى كيف أنه وقع على وجهه وبقى لمدة طويلة فى تراب أتلييه نحاته "جحوتى مس" فى المنيا، وتحطمت وفقدت رأس ثعبان الكوبرا الذى ينتصف تاجها الغريب المتفرد! وبعض التحطيم والخدوش فى الأذنين وأعلى التاج وفقط جزء من الكساء الجصى فى جانب التاج، ومع هذا لا يوجد خدشة واحدة أوكشطة واحدة ولا تدمير ولا تحطيم فى الوجه، لا يوجد شرح منطقى لهذا!. 

ويضيف بسام أن "نفرت إيتى" كان لها علاقة بالتدريب على الأسلحة العسكرية ولها قوة وطاقة ووضع مؤثر فى الحياة السياسية والعسكرية والبلاط الملكى أكثر من الذى يعتقده البعض أن هناك بعض المناظر لها بمقابر بتل العمارنة بالمنيا وهى تقود العجلة الحربية وحدها وبدون قائد للمركبة، فقد كانت هى قائدة المركبة وهو ليس بالأمر الهين أو البسيط أوالسهل! مثل تلك المناظر الموجودة فى مقبرة "ميرى رع" الأول، وربما تكون هذه المناظر لها وهى تقود العجلة الحربية غير مسبوقة. وعلى حد تعبيره: (حتى الآن لم يتم لى مشاهدة ملكة قبلها تقود عجلة حربية)، وفى منظر منحوت متميز على لوحة حجرية تم اكتشافها فى منزل خاص بتل العمارنة تظهر العائلة المكونة من الأب الزوج الملك "إخناتون" وهو يمسك بابنته الطفلة صغيرة السن ويهم بتقبيلها، والزوجة الملكة "نفرت إيتى" التى تجلس على رجليها طفلة وهى ابنة  لهما وأخرى تداعب قرط الملكة الرائع. منظر عائلى متميز،  وطبعا المنظر يعلوه كالعادة قرص الشمس "إتن" (آتون) ذو الأشعة الممدودة. ولكن يوجد شيء لفت انتباهى يثبت تفرد وتميز الملكة هنا بشيء لا يوجد عند الملك زوجها، وهو أنك إذا نظرت إلى المقعد الذى تجلس عليه الملكة سوف تجده مزينا بمنظر يطلق عليه بالهيروغليفية  "سما تاوى" أى توحيد الأرضين. وهو منظر نجده على كراسى عروش ملوك مثل خفرع صاحب الهرم الثانى بهضبة الأهرامات ورمسيس الثانى وغيرهما. حيث يتم فى هذه المناظر إظهار توحيد القطرين المصريين عن طريق عمل رابط بعقدة وثيقة بين وردتى اللوتس والبردى الرمزين وهما يشيران إلى القطرين المصريين الجنوبى والشمالى، وبالتالى يكون الحاكم صاحب هذا الكرسى عرش مصر المنحوت عليه المنظر هو المسئول عن هذا الإنجاز العظيم ألا وهو توحيد القطرين. إذن استقرار مصر وتوحيدها هو مسئولية الحاكم وكون هذا المنظر منحوتا بوضوح على مقعد الملكة "نفرت إيتى" هنا فى هذه اللوحة الحجرية البديعة فهذا يؤكد لى أنه دليل يظهر قوة الملكة ووضع الملكة فى القصر ووضعها كمسئولة فى مصر وخصوصا أن منظر الـ"سما تاوى" غير متواجد على مقعد "إخناتون" ولا حتى أى منظر أو نحت أو نص أو شكل موجود بالمقعد خالٍ تماما من المناظر أو النقوش.

ويؤكد أن هذه اللوحة مكتملة العناصر والمناظر والنصوص والنقوش. إذن كان إظهار مقعد الملكة لإخناتون خالياً من النقوش واظهار "سما تاوى" عند "نفرت ايتى" كان مقصودا. بنسبة كبيرة، ويقول: الملكة "نفرت ايتى" إما تكون قد حكمت أو شاركت فى الحكم أو كان لها نشاطات سياسية وعسكرية.هل كانت رائعة الجمال كما تظهر فى رأس ورقبة وأعلى صدر تمثالها الحجرى الموجود الأن فى متحف برلين؟ لا أحد يستطيع أن يقرر الشكل الدقيق ولا الملامح الوجهية أو الجسمانية للملكة "نفرت إيتى". وهذا لأن من الصعب جدا أن نحدد أى شكل فى تماثيلها ومناظرها المنحوتة المختلفة هى التى تحوى كل الحقيقة.

نفرتيتي، الملكة التى اشتهرت بجمالها، وضاع قبرها منذ موتها فى عام 1340 قبل الميلاد حيرت علماء المصريات وأصبح العثور على مقبرتها أو موميائها لغزاً حتى يومنا هذا، ففى حين يرجح بعض علماء الآثار أنها دُفنت فى تل العمارنة المدينة التى أسسها زوجها حين انتقل فى العام الرابع من حكمه إليها.. بينما يرى آخرون أنّها قد تكون إحدى المومياءين اللتين وجدتا على بعد 250 ميلاً من النهر فى وادى الملوك فى العام الرابع عشر لحكم إخناتون، اختفت نفرتيتى ولم يوجد أى ذكر لها ويعتقد أنها توفيت ودُفنت فى مقبرة بأخيتاتون ومن الممكن أن تكون قد دُفنت فى مقبرتها بالمقابر الملكية، فى تل العمارنة، ولكن لم يتم العثور على المومياء الخاصة بها حتى الآن، فمثلما حدث مع زوجها، فقد تم محو اسمها من السجلات التاريخية كما تم تشويه صورها بعد وفاتها.

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة