حشود عسكرية روسية
بين أوكرانيا والغاز والقرم l مقامرة الدب الروسى
السبت، 11 ديسمبر 2021 - 10:46 ص
خالد حمزة
بسبب أوكرانيا وفى تسارع شديد، وصل التوتر إلى أعلى مستوى بين روسيا ودول حلف شمال الأطلسى، وسط مناورات عسكرية واتهامات متبادلة.
الرئيس الروسى، فلاديمير بوتين، اتهم دول حلف الأطلسى الناتو، بتجاهل قلق روسيا من توسع الحلف نحو حدودها، وهدد باتخاذ إجراءات عسكرية مناسبة، ردًا على استفزازات الناتو، كما بدأت القوات الروسية مناورات واسعة، واتهمت أوكرانيا بنشر 125 ألف جندى على خطوط التماس مع منطقة الدونباس، التى يُسيطر انفصاليون مواليون لروسيا على أجزاء منها، واقترح بدء مفاوضات لتحقيق ضمانات قانونية بعدم توسع الناتو باتجاه الحدود الروسية الشرقية، وبعدم تجاوز الخطوط الحمراء بعد نشر الغرب صواريخه فى أوكرانيا، وتهديده لروسيا بنقل أسلحة نووية إليها.
فى المقابل، طالبت أوكرانيا دول الحلف بتقديم حزمة ردع لروسيا من ثلاثة مستويات تشمل االتدابير السياسية، وتعزيز التعاون العسكرى، والتحذير من عواقب تحركاتها العدوانية المحتملة ضد أوكرانياب، لردع الرئيس بوتين عن اختيار السيناريو الأسوأ وهو العمل العسكرى، و دعا الرئيس فلاديمير زيلينسكى لمفاوضات مباشرة مع روسيا، لأنه بدون ذلك لا أحد سيكون قادرا على وقف الحرب مع انفصاليى الشرق الموالين لها، والذين قد تضمهم روسيا لأراضيها فى أى حرب قادمة، أسوة بما حدث فى القرم.
الأزمة التى بدأت مؤخرا لم تكن الأولى، بل كانت امتدادا لحالة عدم الاستقرار التى شهدتها أوكرانيا، منذ تفكك الاتحاد السوفيتى، التى كانت جزءا منه، وهى جارة لروسيا، وتتمتع بثروات وإمكانيات عسكرية وصناعية وزراعية ضخمة، وموقع جغرافى فريد يفصل بينها وبين الغرب، وثقافيًا واجتماعيًا يربط البلدان بعلاقات وثيقة وتاريخية، خاصة عبر المناطق الحدودية بينهما، وكل هذه الأمور، جعلت من أوكرانيا حديقة خلفية لموسكو، ترفض التخلى عنها وتحولها إلى وصاية الغرب، وبعد عقود طويلة من التبعية الكاملة لها.
وبعد أحداث 2014، وضم شبه جزيرة القرم إلى روسيا، أخذ المشهد الأوكرانى بعدًا جديدًا، تزايد فيه التوجه نحو الغرب والدور القومى، على حساب تراجع التأثير الروسى، فنجد أن أحد أهم وخاصة بعد تولى الرئيس الأوكرانى الحالى فلاديمير زيلينسكى السلطة منذ أكثر من عامين، وتبنيه خطابا قوميًا متشددًا ضد روسيا، وبإعادة بناء القوات المسلحة الأوكرانية، والأراضى المحتلة من بلاده، وزاد من حدة التوتر، قلق روسيا بشأن مصير خط أنابيب الغاز نورد ستريم 2 إلى ألمانيا، الذى تريد أوكرانيا وواشنطن إيقافه، ففى أوائل العام الماضى كانت روسيا على وشك الانتهاء من الخط، الذى يمر عبر بحر البلطيق.
وقد اكتسبت الحملة ضد هذا الخط الذى كانت ألمانيا أكثر بلدان أوروبا حماسًا له تأييدًا، بعد وصول بايدن، وعلى أساس أنه يضر بإيرادات أوكرانيا من تصدير الغاز، أو نقله عبرها، والنصيب الأكبر للدب الروسى.
ويتزامن كل ذلك، مع مشكلة اقتصادية ظهرت مؤخرًا فى أوروبا، عنوانها ارتفاع أسعار الغاز، وفى إثر تعرّض موسكو لانتقادات مفادها أنها تقلِّص إمدادات الغاز عمداً، فى محاولة لتسريع إطلاق خط أنابيب غاز نورد ستريم 2 الذى يربط روسيا بألمانيا، كما تبادلت موسكو وكييف الاتهامات بالعنف، وهو ما أفشل وقف إطلاق نار، وحسب صحيفة التايمز البريطانية، فإن ماتقوم به موسكو تجاه أوكرانيا هو عجزها عن إبقاء أوكرانيا حليفها، وميل أوكرانيا للغرب، وسعيها لعضوية الناتو، مع عدم رغبة أوكرانيا للماضى السوفيتى، وتسعى موسكو لمحارية هذا الاتجاه السياسى والشعبى، حتى لا يُشكل عدوى بين الدول الأعضاء فى الاتحاد الروسى.
ويزداد حساسية بالنسبة لبوتين، كلما اقتربت من الانضمام إلى حلف الناتو، وهى مسألة تمثل خطًا أحمر بالنسبة لروسيا، فقد أوضح بوتين مرارًا أنه يرى طموح أوكرانيا للانضمام إلى الناتو باعتباره تهديدًا وجوديًا، ولهذا تسعى لوقف أوكرانيا فى ذلك الاتجاه والإبقاء عليها، بعد أن بات خيار عودة الولاء مستبعدًا.
وبوصول العلاقات االروسية - الأمريكيةب لأسوأ مستوى لها عقب وصول بايدن للسلطة، جاء تشدد واشنطن مع موسكو فيما يتعلق بالأزمة الأوكرانية، ولتصعيد أخير كنوع من استعراض للعضلات بين موسكو وواشنطن، ورغم وجود أسباب قديمة تدفع روسيا للتصعيد فى أوكرانيا، فإنه مع مجيء بايدن زادت الرغبة لدى بوتين للمناورة، فعلى خلفية الأزمة الأوكرانية منذ عام 2014، فرض الاتحاد الأوروبى والولايات المتحدة وكندا العقوبات السياسية والاقتصادية على روسيا، التى أُبعدت بدايةً عن مجموعة الثمانى الكبار، ثم عن المشاركة فى البرلمان الأوروبى.
وقدم الغرب دعمًا ماليًا كبيرًا لأوكرانيا، استهدف إجراء الإصلاحات المرتبطة بتطبيق معايير العضوية فى الاتحاد الأوروبى والناتو، ولعل أكبر هذه المساعدات وأكثرها قوة، من الولايات المتحدة وجاءت على شكل مساعدات عسكرية وتدريبات مشتركة، وعلى صعيد الأحداث الأخيرة، قال البنتاجون إنه فى حالة تصعيد العدوان الروسى فإن الولايات المتحدة لن تترك أوكرانيا، إلا أن موسكو بالمقابل فى موقع يمكنها من تعزيز دورها فى القوقاز، وربما تتذرع بوجود قوات أمريكية داخل أوكرانيا، بعد تحذيرها من هذا الأمر أكثر من مرة، ما يفتح الباب أمام توقعات بنشوب صراع جديد.
ويتوقع الخبراء زيادة الدعم الأمريكى لأوكرانيا، فى حال تفاقم الوضع، ولكن دون المخاطرة بضمها إلى الناتو، الأمر الذى ربما يفتح أبواب جهنم، وهو ما أكده ديمترى كوزاك المسئول فى الرئاسة الروسية، أن أى تصعيد يمكن أن يمثل بداية النهاية لأوكرانيا، وليس رصاصة فى الساق، لكن فى الوجه، ولكل ذلك أيضا تم اختيار أوكرانيا من جانب الناتو نقطةَ ارتكاز لمواجهة الروس، فهى تشكّل واجهة روسيا الغربية على البحر الأسود وبحر أزوف، بالتالى تشكّل مدخل روسيا الحيوى نحو البوسفور والدردنيل، كما تُعتبر أوكرانيا حالياً خطَّ الدفاع الاستباقى الأخير بين دول الناتو والبر الروسى، لكن على الرغم من تعهدات الغرب لأوكرانيا بدعمها، فإنه لا يمكن تخيل أن أى دولة غربية تدخل فى مواجهة مع روسيا قد تتطور لحرب نووية من أجل أوكرانيا.
وفى ظلّ استحالة الصِّدام العسكرى المباشِر بين الناتو وروسيا، وهو أمر لم يحدث سابقاً حتى فى أزمات أخطر من أزمة أوكرانيا الحالية، ومع الخطورة والتداعيات للصِّدام المباشِر الذى لن يكون فى مصلحة أحد، كان لابدّ للرئيس الروسى من أن يوجه بعض الرسائل، التى تحمل فى طياتها مستوى من الجدية، من دون أن تلامس المواجهة العسكرية المباشِرة والخطيرة، فكانت رسالة ارتفاع أسعار الغاز فى أوروبا بطريقة مؤلمة، سارع إلى ضبطها بعد أن التمس أن الأوروبيين فهموها ولمسوا خطورتها، وكانت رسالة مناورة اللاجئين عبر الحدود البيلاروسية فى اتجاه بولندا ومنها إلى العمق الغربى الأوروبى، يبدو أنهم فهموها، وهم الآن يبحثون عن حل لها، والكل بذلك روسيا وأوكرانيا والغرب وأمريكا، يدفع باتجاه التصعيد، إما للحصول على تنازلات أو مكاسب من الطرف الآخر، أو إبقاء الأمور على ماهى عليه. ولكن الأرجح أن الوضع لن ينزلق لحرب شاملة، تأكل الاخضر واليابس، ولا فائز فيها ولا مهزوم، وأن الأمور قد تصل لحافة الهاوية دون السقوط فيها.
الكلمات الدالة
الاخبار المرتبطة