ومن شأن تعزيز العلاقات مع طهران أن يمكننا من التصدي لمؤامرة خطيرة تحاول إعادة جماعة الإخوان الإرهابية إلي المشهد في إطار «محور سُنِّي « لمواجهة الخطر الإيراني «الشيعي»

رغم كل وعمق الأزمات التي تحاصرنا، فإن مصر الكبيرة تظل كبيرة بالتاريخ والجغرافيا والدور.. وعليه فإن سياستها الخارجيةش يجب أن تكون مستقلة تماماً ونابعة من مصالحها أولاً ثم من مصالح أشقائها.. هذه هي مصر القيمة والقامة التي لا يمكن أن تكون إلا زعيمة ورائدة في إقليمها أو تتحول إلي مجرد تابع لو عجزت قيادتها عن إدراك حقائق المكان والمكانة كما حدث في عهد المخلوع مبارك وفترة حكم الجماعة.. ولأن الإستقلال الوطني كان مطلباً رئيسياً لثورة 25 يناير وموجتها الثانية في 30 يونيو، فإنه تتعين مراجعة سياستنا الخارجية التي لم ترتقِ حتي الآن إلي تطلعات شعب عاني طويلاً من التبعية لقوي خارجية، وأسعده كثيراً كسر القيود والإنفتاح علي روسيا لإحداث التوازن المطلوب في العلاقات مع الكبار.. وأعتقد أنه من الضروري إعادة العلاقات الدبلوماسية الكاملة مع طهران الآن وليس غداً وتطويرها بما يليق بقوتين كبيرتين في الإقليم.. وسبق أن طالبتُ بذلك أكثر من مرة مؤكداً أنه لم يعد مفهوماً أو مقبولاً استمرار القطيعة بذريعة الخوف من نشر «التَشِّيُع» وتغلغل النفوذ الإيراني.. فذلك كلام رخيص ومهين لمصر ولا يعدو أن يكون إجتهادات قاصرة وغبية لبعض الجهات الأمنية ومخاوف بلا أساس يروجها السلفيون الوهابيون الساعون إلي فتنة مذهبية بين السُنَة والشيعة لحساب أطراف إقليمية تسعي لزعامة ليست أهلاً لها.. أما ما يقال عن تحفظات بعض بلدان الخليج التي تساعدنا إقتصادياً فذلك ايضاً كلام رخيص ومهين مع وجود علاقات كاملة بين طهران وجميع دول الخليج بلا استثناء.. ناهيك عن أن الإمارات التي تحتل إيران ثلاثاَ من جزرها لا تقيم معها علاقات كاملة فحسب بل يبلغ حجم التبادل التجاري بينهما 12 مليار دولار سنوياً!!.. كما بادرت الإمارات بتهنئة إيران بإبرام الاتفاق النووي مع الدول الكُبري.. وهذا موقف «براجماتي» يُحسبُ لها.. وكذلك فعلت الكويت.. وأري أنه لا يستقيم أن تكون مصر مَلَكِّية أكثر من المَلِك!!.. ويجب أن نعترف بأن إيران ليست شيطاناً ولا ملاكاً وإنما دولة لها مصالح مشروعة تسعي لتحقيقها.. ولأن العلاقات بين الدول تحكمها المصالح وليس المباديء لم تجد طهران غضاضة في الجلوس مع «الشيطان الأكبر» للتفاوض حول ملفها النووي.. ونجحت في تحقيق إنجاز يغير الموازين السياسية والإستراتيجية للمنطقة.. وهو ما يُحَتِم علي مصر إعادة ترتيب أوراقها.. والتحرك فوراً لرفع مستوي العلاقات مع طهران بما يحقق مصلحة البلدين بل ومصلحة وأمن الاشقاء في الخليج.. فإيران بلد كبير (80 مليون نسمة) استفاد من العقوبات الغربية لتطوير قدراته العسكرية والعلمية.. وفضلاً عن دخوله النادي النووي فسوف يسترد ١٢٠ مليار دولار من أمواله المجمدة بالخارج مع العودة إلي معدل إنتاجه العادي من البترول وهو أربعة ملايين برميل يوميا، بدلا من مليون ونصف مليون حالياً بسبب العقوبات إضافة إلي أن لديه ثاني أكبر احتياطي من الغاز عالمياً وهو ما يؤهل الدولة الفارسية لأن تصبح قوة سياسية واقتصادية يُعمَل لها ألف حساب..
ومن شأن تعزيز العلاقات مع طهران والتنسيق معها أن يُعيد مصر رقماً صعباً في معادلة توازن القوي بالمنطقة.. ويمكننا من التصدي لمؤامرة خطيرة تحاول إعادة جماعة الإخوان الإرهابية إلي المشهد في إطار «محور سُنِّي « لمواجهة الخطر الإيراني «الشيعي»!!.. ويوفر الحماية لدول الخليج المهددة من الأطماع الخارجية والتنظيمات الإرهابية إضافة إلي ردع إسرائيل والرد علي صفاقة تركيا وعزلها.. وعلي أشقائنا إدراك أن تواجد مصر الفاعل دبلوماسيا وربما عسكرياً بمنطقة الخليج سوف يحمي دولهم من تفكك مُرَجَح وانهيارِ محتمل.