أقول هذا ويمكن أن أستطرد فيه لعشرات الصفحات حزينا علي ماجري من جنازة للفنان العالمي الكبير عمر الشريف.

القوة الناعمة اصطلاح نقرأه ونسمعه كثيرا من كتاب ومفكرين وفنانين وكذلك من المسئولين. استقر الأمر أن قوة مصر الناعمة التي هي الآداب والفنون هي رسالة الأمة إلي العالم التي لا تزال لها تأثيرها. بعض مفرداتها انكمشت مثل السينما التي كانت نافذة العالم العربي علي مصر الحقيقية. حتي وقت الأزمات مع الدول العربية كانت الفنون المصرية توحد بينها كثيرا وليس هذا من باب الفخر ولكنه من باب الحقيقة. ليس من تاريخنا علي طوله شيئ باق إلا ماخلفه الأجداد من فنون وآداب نسميها آثارا يأتي إليها العالم كله. كل ما فعله الحكام انتهي ولم يعد باقيا منه إلاصفحات كتبها أدباء أو مفكرون أو رسوم نقشها فنانون علي الآثار. عندما عرف العالم تاريخنا بعد أن فك شفرة اللغة الهيروغليفية ، عرفها من معابد أجدادنا وجدرانها وعرف الناس أسماء الحكام. حتي في عهود الظلم والانحطاط وصدور أوامر من الحكام لبناء مسجد أو قصر كان يبنيه الفنانون وليس الحاكم. من مال الحاكم حقا لكنه مال الشعب ولو لم يكن هناك فنانون لما بقي من عهود الظلم إلاسيرة سيئة للحكام في كتب.
أقول هذا ويمكن أن أستطرد فيه لعشرات الصفحات حزينا علي ماجري من جنازة للفنان العالمي الكبير عمر الشريف. مات عمر الشريف في مصر بعد أن ظل فيها أكثر من خمسة عشر عاما لا يغادرها ، وبعد أن ظل طيلة حياته يحمل جواز سفره المصري ، وبعد أن جعل اسم مصر يقفز مع كل الأفلام التي أبدع فيها. مات عمر الشريف فراحت كل صحف العالم تحتفي بسيرته ، وأصدرت الصحف الكبري ملاحق عنه مصورة ومكتوبة ، وشغل ساحات الفضاء الافتراضي، وكانت التعليقات في الخارج علي وفاته وحياته وقيمته أكثر من أي تعليقات علي أي حدث آخر. صارت مصر حديث العالم مع اسمه بشكل كثيف ورهيب. هذا أمرطبيعي مع فنان خرج من مصر وحقق أسطورته بعد فيلمين فقط. في الأول « لورانس العرب « كان يقوم بالدور الثاني مع الأسطورة بيتر أوتول ، وفي الثاني « دكتور جيفاجو « كان يقوم بالدور الأول مع الأساطير الإنجليزية والأمريكية من الفنانين: جيرالدين شابلن و....... وإليك جينس ورود شتايجر..
مات عمر الشريف ودفن كأنه شخص عادي لايعرفه أحد. اختير لجنازته مكان بعيد « مسجد المشير طنطاوي « ولم يحضر جنازته أحد من المسئولين غير وزير الثقافة الذي ذهب متأخرا ليقف في الصف الأخير من المصلين كأنه يتحرج من الظهور في جنازة ممثل في الوقت الذي يطلبون فيه من الممثلين العمل علي مكافحة الإرهاب. حضر خمسة أو ستة فنانين علي رأسهم حسين فهمي ومادلين طبر. ولا ألوم الفنانين فكل واحد وظروفه لكن ألوم الحكومة التي لم تعرف معني وفاة عمر الشريف ولا معني استثمارها. كنت أتصور عاقلا يجعل الجنازة في عمر مكرم ليأتي محبوه بسهولة أمام العالم أو يتم إرجاء الجنازة عدة أيام حتي تتم دعوة عدد من محبيه من الفنانين في الخارج وأن يتم الحشد لها فتخصص لها مركبات لمن يشاء من عامة الشعب ويكون علي رأس الحضور رئيس الوزراء والوزراء القريبون لعمل وزارة الثقافة مثل السياحة والآثار والتعليم والتعليم العالي وأن تحتشد نقابة السينمائيين بأعضائها وكل المؤسسات الفنية مثل أكاديمية الفنون بكل كلياتها ليكون يوم وداعه يوما مشهودا في العالم. ليس من أجل عمر الشريف فهو الآن لا يعرف ، لكن من أجل صورة حلوة لمصر في العالم من مسئوليها بعد أن استيقظت صورتها الجميلة بموته عدة أيام. من أجل الاحتفاء بالقوة الناعمة في مواجهة الإرهاب !. لكن للأسف القوة الناعمة في التراب.