كنا متحلقين حول هيئة الدفاع في قضية خالد سعيد، رئيسها شيخ المحامين رأفت نوار ومعه زمرة من أكبر محامي مصر، حضر منهم د. أمين الخولي وعصام السعدني، وعبد الرحمن الجوهري وآخرون من مثقفي الإسكندرية وقواها الوطنية. دار الحديث في الصالون الثقافي للجمعية الوطنية التي أسسناها 1995، واقتبس البرادعي وبعض مهاويسه اسمها في 2010. كان التعليق دائراً حول البرادعي ذلك الرجل الباهت الذي ينصبونه زعيماً دون أية شواهد لهذه الزعامة من كاريزما أو تاريخ نضالي أو مواقف سياسية سابقة تنبئ عن شخص مناضل صاحب قضية، لقد كان الرجل خلواً من ذلك كله ولايزال يعاني هزالاً وسطحية وطفولة سياسية نادرة، حتي بدا خالي الوفاض بلا أمل في امتلاء، اللهم إلا من نوبل التي تحوطها الشكوك في مواقف حامليها من سياسات العم سام وإسرائيل والصهيونية العالمية، ثم رئاسته للوكالة الدولية للطاقة الذرية التي رشحه لها الأمريكان من خلال حلفاء أفارقة، خلفاً للسويدي «هانز بليكس» الذي استعصي علي التدخل الأمريكي في شئون الوكالة وتقارير لجان التفتيش، ولم يجد الأمريكان أفضل من البرادعي المتشوق للمنصب الدولي المرموق ومهما كلفه ذلك، حتي لو كان اتهامه لوطنه مصر بامتلاكها ليورانيوم مخصب في أنشاص.
جاءت التعليقات حول موقفه المخزي من مستقبليه في مطار القاهرة عند عودته، وتركه لهم ملوحاً من خلف زجاج سيارته الفارهة، ثم فتوره وبروده أثناء محاكمة خالد سعيد ومحاولته ركوب الموجة دون مؤهلات، يومها تذكرنا جميعاً الوقفة أمام الكورنيش والآلاف المحتشدة بعد صلاة الجمعة في منطقة الإبراهيمية وسيدي جابر دعما لخالد سعيد والحريات، وتعجب رأفت نوار قائلاً: تصورته يأخذ المبادرة والميكروفون ويخطب في الناس بني وطني... لكنه انصرف كما جاء وعلي مايبدو أنه لم تكن لديه تعليمات مباشرة ممن يحركونه من السفارة الأمريكية ورجال المخابرات أمثال «دان برامن» وآن باترسون وآخرين. عندما زار المنصورة بصحبة الدكتور محمد غنيم واستقبلته الجماهير استقبال الأبطال، وجاء حضوره باهتاً، تماماً كما حدث عندما صلي الجمعة في الأزهر ورغم الاستقبال الحار، لم تصدر منه خطبة أو كلمة تشير إلي رجل تحركه زعامته وتدفعه قضيته لحشد الجماهير، وفي الوقت الذي كان نوار يهتف في مرافعته ضد النظام القمعي الذي قتل خالد سعيد ويتوعد بأن الشباب هو صوت الغضب القادم، كان حضور البرادعي فاتراً وباهتاً كما كومبارس يؤدي دوره في مسرحية لايعرف منها إلا مايملي عليه. كان دائم الهروب من المواقف التي تحتاج زعيماً أو مناضلاَ أو ثائراً، ولأنه يفتقد ذلك كله، دأب علي السفر للخارج حتي في وطيس معارك الثورة. المرة الوحيدة التي قال فيها كلمة كان في ساقية الصاوي حيث قال : جئنا لنهد المعبد علي رأس هذا النظام، تعجبنا يومها من هذه الشجاعة الطارئة، لكن توالت الأحداث والمواقف وسقطت كل الأقنعة واختار لنا الببلاوي وبهاء الدين ومصطفي حجازي وملك الطابور الخامس مقاليد السلطة واستبعد كل الوطنيين، وتوالت الأحداث ليستقيل من رئاسة الجمهورية ويضرب وطنه في خاصرته تنفيذاً للمخطط الأمريكي واستكمالاً للدور الذي يلعبه، ويسافر حيث يستقبله في جنيف الإخواني الدولي المجرم يوسف ندا، وتستمر «تويتاته» كما غراب البين ينعق بالخراب، وكصوت سيده عاد ينعق من جديد بعد أن فشلت محاولة سادته الأمريكان وحلفائهم الإرهابيين في الشيخ زويد ورفح والعريش. خاب أملهم أن يرفعوا علماً أسود ويعلنوا إمارة، لكن جيشنا البطل أفشل خدعتهم ولقنهم درساً قاسياً، فعاد البرادعي ينعق من جديد، ومعه كل الكلاب العقورة يتحدثون عن استخدام القوة المفرطة ضد الإرهابيين في سيناء وأكتوبر وغيرهما. عاد البرادعي يقود واحدة من طوابير أخوية مالطا في قوافل الظلام المتلمظة للنيل من مصر التي أفسدت المخطط الأمريكي للشرق الأوسط الجديد وتقسيم المنطقة في 30 يونيو التي تزعجهم ذكراها. وعاد البوم ينعق من جديد.
إنه البرادعي عاد ينعق من جديد، ودائماً مايأتي ظهوره مقدمة لهجمة غربية أمريكية غير مقدسة علي مصر، وكأنه يمهد الأرض لجحافل التتار الجدد يحرقون في طريقهم الأخضر واليابس أينما حلوا وحيثما وجدوا، أو كأنه قائد طابور غامض من أخوية مالطا «الهوسبتاليين» الجدد الباحثين عن الثأر والماضين في عبثية أفكارهم ورجعيتها عن حربهم الصليبية التي لم تنته بعد ضد مصر باعتبارها طليعة الأمة العربية وحصنها الأكبر ووريثة عرش صلاح الدين الذي هزمهم وطردهم وشردهم.
أخوية مالطا من بقايا فرسان مالطا، كانوا قد فروا إلي رودس بعد أن هزم صلاح الدين الأيوبي الصليبيين واستعاد القدس منهم في 1291 ثم غادروها إلي مالطا واستقروا بها وحكموها إلي أن طردهم نابليون منها 1798، فاتجهوا إلي روما وأسسوا مايشبه الدولة، واستقر فريق منهم في القدس مرة أخري. ولايزالون حتي اليوم يرفعون رايات أعمال الخير ويجزون أسنانهم ويطوون قلوبهم علي الثأر والشر، يلفهم الغموض وتحيطهم الأسرار، ولايبدو من مواقفهم وتحركاتهم إلا مايشي بالتوجس والعداء لكل مايتعلق بالإسلام والمسلمين والعرب بمن فيهم إخواننا الأورثوذكس، وكأنهم لايزالون علي العهد في حربهم الصليبية غير المقدسة.
ولأن التاريخ غالباً مايلقي ببعض ظلاله علي الحاضر، فيكشف عما يحاك من مؤامرات ودسائس، جاءت زلة لسان جورج دبليو بوش عن حربه علي العراق وأفغانستان بأنها الحرب الصليبية لتدلل علي مزاعم كثيرة لكتاب معروفين بأن أخوية مالطا لايزالون علي عهدهم سائرين وأنهم هم «الهوسبتاليون الجدد» حلفاء الماسونية العالمية وأحد قوتين كبريين تشكلان الحكومة العالمية التي تدير العالم من خلف ستار. بمثل هذا الكلام تحدث الصحفي الأمريكي الشهير «سيمور هيرش» ونقلت عنه صحيفة «نيويوركر» ومجلة «فورين بولسي» الأمريكيتان بعد محاضرة ألقاها في 2008 بالدوحة، أن بعض أبرز القادة العسكريين الأمريكيين ينتمون إلي «أخوية مالطا» وأنهم متعصبون علي قناعة أنه يتوجب عليهم إكمال مهمتهم في الحرب الصليبية التي يرون أنها لم تنتهي بعد.سيمور هيرش أشار إلي بعضهم بالإسم كرئيس قيادة العمليات الخاصة الأميركية المشتركة السابق، الجنرال ستانلي ماكريستال، والذي أصبح فيما بعد قائد القوات الأميركية في أفغانستان، وخليفته ويليام ماكرافن، بالإضافة إلي عدد آخر من كبار القادة والسياسيين. ويذكر التقرير أنعدداً ممن ينتمون إلي «فرسان مالطا» يتمتعون بحضور مؤثر وغامض في مراكز صنع القرارات الأمريكية، وقد أثيرت حول بعضهم كثير من «نظريات المؤامرة» علي مدي السنوات الماضية ولايزالون. ولقد سبق أن كتبت عن إمبراطورية الماك وورلد والبلاك ووتر والعلاقات السرية الغامضة في الحرب العراقية وأبطالها النافذين في النظام العالمي ووكلائه المتآمرين بما يشير إلي أدوارهم الشريرة.
إوصل الماضي بالحاضر ومد الخط علي استقامته يقابلك البرادعي وبقية طابوره من الهوسبتاليين الجدد، أخوية مالطا المهزومين وقد غيروا مسارهم في محاولة رديئة لمعاودة الظهور من جديد. لكن ولات حين مناص.