في شهر ديسمبر الماضي، وفي أثناء تفقده للقوات الأمريكية في أفغانستان، حرص الرئيس باراك أوباما علي ارتداء جاكت القوات الجوية الأمريكية الجلدي ذي اللون البني.. وقد احتفت وسائل الإعلام الأمريكي بهذه اللفتة من «القائد الأعلي للقوات المسلحة» الأمريكية، حيث اعتبرت أن ارتداء الرئيس الأمريكي لهذا الجاكت العسكري فيه رسالة تقدير لهؤلاء الجنود، ورسالة تضامن معهم في قتالهم ضد الإرهاب.. ولم يفت وسائل الإعلام الأمريكية أن تلفت النظر إلي سابقة تاريخية، وهي ارتداء الرئيس إبراهام لينكولن للزي العسكري بما فيه الكاب أيضاً أثناء تفقده للقوات الأمريكية بقيادة الجنرال جورج ماككيلان.. وفي كلتا الحالتين، تم اعتبار الأمر ذكاء من القائد، وتضامناً منه مع قواته وجنوده.. الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ليس بعيداً عن هذا المشهد، إذ هو مغرم بارتداء الجواكت الخاصة بالجيش الروسي في مناسبات عديدة، ولعلنا نتذكر أنه أهدي الرئيس السيسي «جاكتاً» ذا نجوم حمراء في زيارته الأولي لروسيا قبل أن يصبح رئيساً للجمهورية.. وكان الرئيس السادات من أشيك القادة الذين يرتدون الزي العسكري في احتفالات أكتوبر.. ارتداء الرؤساء للزي العسكري له دلالات رمزية واضحة، من حيث الاحترام للجيش، والتضامن مع القوات، والإشارة إلي أن الدولة كلها علي قلب رجل واحد، وأنها في معركة حقيقية.. كما أنها رسالة تعبوية للشعب نفسه.. إذ تبعث برسالة تحذيرية وتعريفية بحجم المخاطر التي تحيط بالوطن..
كل هذه الأمثلة والدلالات لا أشك أنها دارت بخلد الرئيس عبد الفتاح السيسي عندما قرر ارتداء الزي العسكري الكامل، وزيارته لأبنائه الجنود في سيناء.. الدلالات واضحة في زيارة السيسي «للجبهة»، ولارتدائه الزي العسكري.. لقد أرسل رسالة تشجيع للجنود، ورفع لروحهم المعنوية، وتعزية لهم في أرواح الضحايا.. وبعث للشعب رسالة أن الرئيس والرئاسة يعلمان حجم المخاطر التي تحيط بالبلاد وأنهما في معركة حقيقية لا تقل عن معركة أكتوبر المجيدة والتي ظهر فيها الرئيس السادات في صورته الشهيرة مع قادة أكتوبر وهم يخططون للحرب.. وأرسل رسالة واضحة لأعداء الوطن في الخارج بأن الرئيس والجيش والشعب مستعدون لأي معركة.. لقد كان ارتداء الرئيس للزي العسكري مطلباً شعبياً نادي به كثيرون من قبل.. وقد حقق الرئيس هذا النداء بذكاء، وأرسل من خلاله رسالة طمأنة للشعب وتثبيت للجنود.. وفي اعتقادي أن رسائل الرئيس وأهدافه من ذلك قد تحققت كلها..
في المقابل، لم يكن أداء وسائل الإعلام المصرية منضبطاً في تغطيتها للأحداث الأخيرة في سيناء.. وقعت وسائل الإعلام في شرك نصبته لها بعض وسائل الإعلام المأجورة، وكان أحري بها أن تكون علي وعي بهذا الشرك.. ولابد من الإِشارة هنا، إلي أنه في الولايات المتحدة، وهي مثال الديمقراطية في العالم، غير مسموح لوسائل الإعلام بنشر أي خبر عن حالة الحرب أو القتال الأمريكي في الخارج إلا بتصريح مسبق، وإلا بمعرفة الجيش الأمريكي نفسه.. أمور الحرب وأخبار المعارك التي يخوضها الوطن أخطر من أن تترك للصحفيين، وأخطر من أن تترك للإعلام الفاقد للمهنية أو الذي تم استدراجه بسهولة ..