(أبداً بعد اليوم) القول بأن الزمن يداوي كل شيء. يتطابق إلي حد بعيد مع من يخون كل شيء. فهل سأتمكن من العيش دون خيانة؟.
وكم أخطأتم يوماً بحق أنفسكم أو كان يتعين عليكم سؤال الدأب والعمل والأسي والكد. وليس السكينة أو الدعة أو المتعة أو التخمة «ما فائدتكم؟».
أكثر ما يثير الريبة في الحلول هو أنها متوافرة دائماً عند الحاجة.
«تقريباً» «وبعض الشيء» اسمان لجثتين ترقدان في قاع الهاوية.
هذا ما قرأته في كتاب شديد العذوبة والرقة والأهمية والتعبير عن مأزقنا الراهن في مصر الآن. الكتاب عنوانه: الآتي من الزمان أسوأ. تأملات ومقالات. ومؤلفه رفائيل سانشيت فرلوسيو. ومن ترجمة طه زيادة. وصادر عن المشروع القومي للترجمة. ومؤلف الكتاب قامة أدبية رفيعة في إسبانيا الآن. ولد سنة 1927 في روما. وهو روائي وعالم لغة وكاتب مقال ومفكر وناقد. حصل علي جائزة سربانتس 2004.
وتلك قراءة في تأملاته العذبة كأنها الرحيق المصفي للكتابة.
ستهل علينا أعوام أكثر سوءاً/ وتجعلنا أكثر عمي/ ستهل علينا أعوام أكثر عمي/ وتجعلنا أكثر سوءاً/ ستهل علينا أعوام أكثر حزناً/ وتجعلنا أكثر برودة/ وتجعلنا أكثر جفافاً/ وتجعلنا أكثر كآبة.
وتلك قراءات أخري في الكتاب الذي لا حد لجماله:
يصبح الصوت الأكثر مسكنة الأكثر تسلطاً دائماً. وإن لم ينجح في أن يكون مفهوماً فعليه أن يقنع بكونه مُطاعاً فقط.
ذلك الشخص المستعد دائماً في اللحظة الأخيرة. وبعبارة أكثر دقة ألا يتردد في فرض سطوته بصورة أكبر. فمن الأجدر به أن يكف منذ البداية عن الرغبة في أن يبدأ بمحاولة أن يكون مسموعاً. فإذا كان العنف تطرفاً. فكل ما عدا ذلك يعد عنفاً أيضاً.
ياه! تقبع التواريخ داخل التقويم مثل قطط حول مصيدة فئران. لتقتل الأيام في نفس لحظة بزوغها.
كم كانت الأسلحة قديمة. كم كان الرجال عجائز. كم كان العالم هرِماً. كم كانت الكلمة عتيقة في حروبكم.
من يقول عن عدوه إنه «لا يستوعب سوي لغة العنف» يكشف لنا في ذات الوقت وبدون أن يدري ما يحاول جاهداً إخفاءه عن نفسه. إنه هو أيضاً لا يعرف لغة أخري سواها. وإلا ما كان أطلق عليها لغة السلاح.
الخوف من الموت هو الذي يجعل الناس في النهاية يخشون ويمتثلون للدولة إلي حد الامتهان لأنها وحش يموت قتيلاً. الجميع يكرهونها حية. ولكنها ترهبهم أكثر محتضرة.
الشفقة هنا أن تكون بلا شفقة.
(كلمات قوة) لا يوجد منطق بلا كلمات. كما لا يوجد تعصب أيضاً بدونها. الكلمة تعد تعبيراً عن سلامة المنطق. ولكن في الوقت نفسه يتجلي التعصب دائماً أحد أمراض الكلمة. باعتباره نوعاً من الالتهاب الاستبدادي في المعاني. كل تفضيل بكلمة بعينها مستقطعة من السياق يمثل أحد الأعراض المقلقة للاستعداد المسبق للتعصب.
(تكرار) لما كان القبح يبدو دائماً أصم وعنيداً. أجدني مضطراً دوماً لتكرار نفس الأشياء إلي ما لا نهاية. أود أن أقول عن الإثنين - أي القبح وأنا - أن أول من سَيَكِلْ سيكون أنا علي الأرجح. وذلك بسبب الوفاة. وليس لأني أريد منح القبح الكلمة الأخيرة.
(أبداً بعد اليوم) القول بأن الزمن يداوي كل شيء. يتطابق إلي حد بعيد مع من يخون كل شيء. فهل سأتمكن من العيش دون خيانة؟.
بين ظلم سب الآخر ومهانة الابتسام له يوجد مصطلح وقور وسط هو النظر إلي الناحية الأخري (الإعراض).
(منتصف النهار) الحياة تستر أعرج. التعايش خداع ساذك أو تظاهر خسيس. والصحبة بديل يائس تعرفون جيداً لأي شيء.
(منتصف الليل) ماذا يعني أن يظل الحال دائماً علي ما هو عليه سوي هذه الظروف المرهقة. حيث يتم إيقاظك دائماً في نفس الساعة من الليل. وأن ترتطم دائماً بنفس الأحجار وبنفس الشياطين وبنفس الآلام.
لماذا يثير في نفسي دائماً من يقول إنه لا يجسد سوي دور المعبر عن الواقع بموضوعية أو رسول القدر المحايد. انطباع ممثل أدؤه مبالغ فيه.
(هوس الكتابة) في صمت ليلتي الملتهبة تتفتت الحروف المجنونة إلي أصوات.
ليس بمقدور التواضع الظاهر في عبارة «أعلم أني لا أعلم شيئاً» إخفاء التفاخر المبالغ لدي من يكتبونها. هؤلاء لا يغمسون سن ريشتهم مثل باقي البشر الفانين في محبرة. بل في المحيط.
تتذرع الأمة الضعيفة بحجج براجماتية لكي تثير في ركاب الأمة القوية. أما الأمة القوية فتراهن بدورها علي الذرائع الأخلاقية لتفرض هيمنتها عن الأمة الضعيفة.
(التليفزيون) التعاطف هو بديل مبتسم ومتكلف ومتملق ووقح وعدواني وأبله وسيئ التربية.
وكم أخطأتم يوماً بحق أنفسكم أو كان يتعين عليكم سؤال الدأب والعمل والأسي والكد. وليس السكينة أو الدعة أو المتعة أو التخمة «ما فائدتكم؟»