ليس مثل السفر كاشف لمعادن الناس. وما زلت عند مشارف رحلتي إلي الأقصر. بدأتها مع 30 فناناً وإعلامياً ومثقفاً بهدف الدعم المعنوي للناس هناك بعد الحادث الإرهابي الفاشل الذي استهدف المدينة السياحية الأولي. والتي يوجد بها ثلاثة أرباع آثار العالم كله. ورغم أن ظروفها قبل الحادث كانت صعبة. فإنها أصبحت بعد الحادث رغم فشله الشديد أصبحت عصيبة. ولا بد من تحرك تقوم به الدولة المصرية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه في الأقصر.
لا أدعي أن سيد فؤاد كان اكتشافاً جديداً بالنسبة لي. فأنا أعرفه من قبل. تزاملنا في مجلس إدارة صندوق التنمية الثقافية. ولاحظت عليه اليقظة والانتباه والإعلاء التام للمصلحة العامة. ولو كان ذلك علي حساب المصالح الشخصية. لكننا أُبعدنا عن مجلس الإدارة ضمن الحملات المملوكية التي يمارسها بعض الوزراء من باب تصفية الحسابات أو درء المخاطر أو حتي بدون أي هدف.
بعدها وعندما قبل خالد يوسف بعد إلحاح مني متوسطاً بينه وبين الدكتور سعيد توفيق- أمين عام المجلس الأعلي للثقافة وقتها- أن يشكل لجنة السينما بالمجلس. فإن الذي قام بدور المقرر بشكل كامل ومطلق كان سيد فؤاد. هو الذي يعقد الاجتماعات. ويضع السياسات. وينفذ الاهتمامات. وظل هكذا إلي أن خطفته قناة نايل سينما. فترك هذه المهمة للدكتور خالد عبد الجليل.
في نايل سينما قام سيد فؤاد بما يمكن أن يسمي تطبيقاً للمثل الشعبي الذي يقول: الشاطرة تغزل برجل حمار. فرغم أن المحطة لا تمتلك من الأفلام إلا عددا شديد المحدودية والإمكانات المالية تقريباً لا وجود لها. إلا أنه استطاع خلال فترة وجيزة أن يضع نايل سينما علي خريطة قنوات السينما في الفضائيات المختلفة. واستطاع منافسة القنوات المملوكة لجهات بترولية وخليجية. والتي تعاني من وفرة أفلام لا تعرف ماذا تفعل بها. ووفرة أموال غير عادية. لكن سيد فؤاد في مواجهة كل هذا الزخم المالي استند لحضارة مصر وتاريخ مصر وعطاء مصر الفني. وقدم أداء مهنياً يمكن أن يصل لحدود المثال.
ثم أسس مهرجان الأقصر للسينما الإفريقية. ورغم أن ندرة الموارد وصعوبة الأحوال في مصر طاردته. إلا أنه استطاع خلال فترة وجيزة جداً أن يجعل منه مهرجاناً ينافس مهرجانات العالم السينمائية. فضلاً عن أنه يبحر نحو أرضٍ بكر فنياً بالنسبة لنا. وهي إفريقيا. ويتمني لو أنه اهتم سينمائياً وبشكل خاص بدول حوض نهر النيل. لأن تدهور العلاقات المائية بيننا وبين بعض هذه الدول لا بد أن نعالج بالثقافة والحضارة قبل أن نصل إلي الخيارات الأخري.
كان معنا في الرحلة الفنان سمير صبري. ويجمع بينه وبين سيد فؤاد أن سمير صبري أنتج عدداً من الأفلام السينمائية. قام بإهدائها لنايل سينما بعد أن رأسها سيد فؤاد. فالرجل رأي صحوة حقيقية في القناة. فقرر أن يبدأ بنفسه ويقدم لهم ما لديه من أفلام أنتجها. وليت غيره ممن أنتجوا أفلاما مصرية يهدون نسخاً منها للتليفزيون المصري ممثلاً في نايل سينما. ليحلوا مشكلة ندرة الأفلام في هذه القنوات.
لفت نظري في الرحلة أن سمير صبري حكاء من النوع النادر. بدأت الحكايات عنده عندما كنا نصافح محافظ الأقصر محمد بدر. وقال له المحافظ أنت الذي أحييت ليلة فرحي. ألا تذكر؟ فقال له سمير صبري: ماذا سأذكر؟ لقد أحييت أفراح نصف من تزوجوا في النصف قرن الأخير.
وبدأ يحكي لنا أنه عندما سافر إلي جنوب سيناء قال له اللواء خالد فوده المحافظ أن سمير صبري هو الذي غني له في فرحه. وذكر أسماء كثيرة. وبدأ يحكي عن مفارقات في أفراح كثيرة حضرها. ربما تصلح بذرة لعمل مسلسل تليفزيوني أو فيلم سينمائي يقوم علي الكوميديا الراقية. فقد حكي الرجل حكايات كنت أتصور أنها خيالية. لكنها جرت في أرض الواقع.
حكي أن فنانة محجبة في ليلة زواجها توفي والدها. فأخفوا خبر الوفاة عنها لكي يستمر الفرح ولا يتحول إلي مأتم في لحظة واحدة. وتحدث عن عريس بينما كان يجلس في الكوشة. جاءت الشرطة لتلقي القبض عليه لأنه حرر شيكاً بدون رصيد. وبدلاً من أن يذهب إلي منزل الزوجية ليبدأ شهر العسل. بدأ شهور السجن الطويلة.
المجالس أمانات. وقد حكي الكثير عمن لا حصر لهم من نجوم المجتمع المصري. ولأني لم أستأذنه في النشر. سأحتفظ بما سمعته منه لنفسي. لكن الرجل باعتباره حكاء وممثلا ومغنيا. فلم يكن يحكي. كان يمثل المشاهد. ويغير نبرة صوته كأنه يعيد خلق ما يريد حكايته لنا.