يحكي أن عقربا.. كان يجلس في حاله انتظار.. علي شاطيء النيل.. عندما مرت به ضفدعة تأخذ طريقها نحو مياه النهر.
قال العقرب مخاطبا الضفدعة.
- خذيني معك إلي الشاطيءالآخر.. انني أريد أن أري ما يجري هناك!
قالت الضفدعة.
- انني لا استطيع أن أضعك فوق ظهري.. فأنا لا اثق فيك.. فأنت قد تلدغني.. ونحن وسط النهر.. وتتسبب في غرقي.. وموتي.
قال العقرب ساخرا.
- هل تقصدين انني أنوي قتل نفسي. لمجرد أن الدغك؟.. فأنا عندما الدغك.. سيعني ذلك انني اغرق.. وانتحر!
فكرت الضفدعة في العرض مليا.. ووجدته يتسم بالمنطق.. وانه لا يمكن أن يلدغها العقرب.. وهو فوق ظهرها.. فوافقته.. واشارت إليه بالصعود!
وصعد العقرب فوق ظهر الضفدعة.. وانطلقت به نحو مياه النيل الهادئة.. وهي آمنة من اللدغ.. ولكن ما كادت تصل به لمنتصف النهر.. حتي شعرت بوخزه مؤلمة.. واكتشفت أن العقرب قد لدغها.. وبدأت تصاب بالاعياء الذي يسبق الموت.. وانها علي وشك الغرق.. فقالت له:
لماذا فعلت ذلك.. ولدغتني.. فانت ايضا ستموت.
اجاب العقرب وهو يوشك علي الغرق:
- لقد فاتك ان تذكري.. انني عقرب.. وانت ضفدعة!
وغرقا سويا.. وماتا معا
المثير في الموضوع.. أن هذه القصة الرمزية.. تكررت في عالم السياسة عشرات المرات.. من بينها اتفاق المصالحة وعدم الاعتداء بين الزعيم النازي هتلر.. والزعيم السوفيتي ستالين في ٢٣  اغسطس سنة ١٩٣٩.. قبل اسبوع واحد من اندلاع الحرب العالمية الثانية. وهو اليوم الذي وصفه الأديب البولندي سيسلاف ميلوتشي في كلمته بمناسبة حصوله علي جائزة نوبل في الدرب سنة ١٩٨٠ بأنه اسوأ يوم في التاريخ.. وطالب بالاحتفال به كل سنة.. واعتبار ٢٣ اغسطس هو يوم الحزن في اوروبا.
كان هتلر يسعي باتفاق المصالحة إلي تحذير الاتحاد السوفيتي ودفعه للوقوف علي الحياد.. وهو في تمام النشوة!.. من جراء جرعة المخدرات التي جعلته يغيب عن الوجدان!
وفي ٣١ اغسطس ١٩٣٩ عقد البرلمان السوفيتي جلسة خاصة للتصديق علي اتفاق المصالحة.. ألقي فيها وزير الخارجية السوفيتي مولوتوف كلمة اشاد فيها بالمصالحة. وقال ان اليوم الذي وقع فيه اتفاق المصالحة في ٢٣ اغسطس ١٩٣٩.. سوف يغير مجري التاريخ.. ليس في أوروبا وحدها.. وانما في العالم.. وانه نقطة تحول حائلة لتحقيق السلام العالمي.
وبعد تصديق البرلمان السوفيتي علي اتفاق المصالحة.. والتصفيق الحار للنواب اندلعت الحرب.. ولم يكن الاتفاق خطوة نحو السلام.. وانما وثبه مجنونة نحو الحرب العالمية الثانية.
المهم.. ان التاريخ القديم والحديث مشحون بهذه النماذج من النذالة المفرطة.. من تجارب المصالحة بين اطراف لا يمكن اجراء أي شكل من اشكال المصالحة بينها.. لان المصالحة في هذه الحالة تكون اشبه بالمصالحة بين الرقبة والسكين.
الآن.. نحن نجتاز هذه الحالة.. وبدأنا نسمع اصوات محمد بديع.. وبعض أفراد عصابته من عتاه النذالة المفرطة.. تدعو للمصالحة بأساليب الغش والاحتيال.. وكاذب الوعود والآمال.. لكسب الوقت واعادة تنظيم الصفوف إلي أن يحين وقت لدغات  العقارب والانتقام.
واللافت للانتباه في هذا الموضوع.. ان مبادرات المصالحة كانت تتحدث في كل مرة عن التلويح بتصعيد العنف.. بشروط حددتها عصابة الإرهاب والتخلف العقلي.. ففي المبادرة الاولي التي عرضت علي محمد حسنين هيكل تضمنت الافراج عن مرسي وعودته لسرير السلطة مقابل وقف «التصعيد».. ثم جاء الدكتور كمال ابوالمجد فتضمن العرض تنازلا بعدم عودة مرسي لقصر الاتحادية بشرط الافراج عن جميع اعضاء العصابة الإرهابية.. مقابل وقف التصعيد.. ووقف اعمال العنف والاغتيالات وسفك الدماء.. وتهديد حياة الملايين من البسطاء في مصادر أرزاقهم وقوت يومهم.
وهكذا استمرت المبادرات التي قدمها محمد علي بشر وعمرو دراج إلي أن جاءت المبادرة الاخيرة التي تضمنت بقبول عزل مرسي!! والاعتراف بالسيسي رئيسا شرعيا للدولة.. وتجميد التنظيم ١٠ سنوات ورفض العمل بالسياسة في مقابل اجراء تحقيق مستقل في احداث رابعة والنهضة.. والافراج عن المعتقلين ودفع دية لضحايا رابعة والنهضة.
وهو كلام عجيب.. لا يمكن أن يمت للواقع بادني صلة.. ويكشف عن الغيبوبة التي تعيشها الجماعة وضعف ادراكها واستخدامها لاساليب النصب والاحتيال في التغرير بالسذج والبسطاء.. وبيع الأوهام والضلالات في الموالد العامرة بالمجاذيب.
حديث المصالحة يتجاهل جرائم الخيانة العظمي والتجسس التي ارتكبتها عصابة الإخوان بعد انفرادها بالسلطة المطلقة.. ويتجاهل خروج الملايين للشوارع والميادين تطالب بالاطاحة برموز التجمعات التي ارتكبت جميع الوان الموبقات في رابعة والنهضة.
بل انه يتجاهل تجارب المصالحة التي قام بها علي ماهر باشا بعد حريق القاهرة في يناير ١٩٥٢.
ويتجاهل تجربة المصالحة التي قام بها جمال عبدالناصر بعد ثورة يوليو ١٩٥٢.. واسفرت عن محاولة اغتياله سنة ١٩٥٤.. وتجربة انور السادات التي ادت لاغتياله اثناء الاحتفال بنصر اكتوبر.. وغيرها من التجارب التي اكدت الايام فشلها.. واننا امام جماعة فاشية ترفع اعلام الاسلام من اجل النصب والاحتيال.. وارتكاب جميع الوان الموبقات التي لا تجوز معها المصالحة.. لسبب بسيط هو انه لا تجوز المصالحة مع الانذال.. لسبب بسيط.. انها تعني.. الهدنة.. استعدادا لارتكاب المزيد من حماقات النذالة!