كان صاحب الفكرة مسعد فودة. نقيب السينمائيين. شاركه الاهتمام سيد فؤاد، رئيس مهرجان الأقصر للسينما الإفريقية. ودعم الأمر عمر عبد العزيز، رئيس اتحاد النقابات الفنية. ثم قام خالد عبد الجليل، مستشار وزير الثقافة المسئول عن ملف السينما بعرض الأمر علي الدكتور عبد الواحد النبوي، وزير الثقافة. الذي قدَّم للرحلة تذاكر السفر لحوالي 30 من رموز الفن والثقافة والإعلام. أما محافظة الأقصر، فقد استضافتنا.
الفكرة تدور حول أن نذهب إلي هناك. وأن نقول للناس: نحن معكم. مشكلتكم مشكلتنا. ومصابكم مصابنا. ونجاتكم من الإرهاب نجاة لنا جميعاً. هذا علي الرغم من أن الحادث بالغ الخطورة. لأنه يعني أن المتطرفين بدأوا ينظرون للسياحة باعتبارها هدفاً من أهدافهم. وهو ما يجب أن نستعد له وأن نواجهه. وألا نفاجأ بأي فعل مجنون يمكن أن يستهدف السياح في أي مكان من مصر. وليس في الأقصر وحدها. فالعمل الوقائي أفضل بكثير من الاكتفاء بردود الأفعال.
كان الهدف أن نقف في نفس المكان الذي وقعت فيه العملية الإجرامية مستهدفة مصر السياحة المصرية وفشلت بسبب وعي وإدراك المصريين. لم نذهب كغرباء عن المدينة. لكن فوجئنا بجمع كبير من أهالي الأقصر يسبقوننا إلي المكان. ويبقون فيه حتي بعد أن تركناه وعُدنا. أيضاً كان هناك عدد لا بأس به من السياح الذين شاركونا الوقفة.
والأقصر لمن لا يعرف ذكرها هوميروس في إليازته باعتبارها مدينة الألف باب. وربما كانت الأقصر جمع قصور. وهذه المدينة شهدت البدايات الأولي لفكرة الضمير الإنساني والدولة المصرية القديمة. فضلاً عن أنه توجد فيها 75% من آثار العالم كله. أي أنها متحف مسكون بالبشر.
من الصعب الادعاء أن رحلتنا حلت المشكلة. فمنظر المدينة يبكي القلب. الشوارع خالية. والمحلات لا يوجد فيها أحد. بل إن الفندق الذي كنا ننزل فيه بمجرد أن نغادر المكان الذي كنا جلوساً فيه حتي يبادر بإطفاء النور من باب التوفير. أيضاً فإن الحالة تبدو واضحة ابتداء من مطار القاهرة الدولي حتي الأقصر. وفي الطائرة تكتشف أن معظم الركاب - إن لم يكونوا كلهم - من المصريين. وأن السياح حالات نادرة.
عرفت من الناس أن هذا الوضع ليس جديداً. وليس ناتجاً عن العملية الإرهابية الفاشلة. وأنه منذ فترة. ولذلك أتصور أن خروج المدينة من محنتها الراهنة يتطلب جهد الدولة المصرية كلها. ابتداء من قمة الهرم الرئيس عبد الفتاح السيسي مروراً برئيس الوزراء المهندس إبراهيم محلب. وأن تشكل خلية عمل في مجلس الوزراء من الوزراء الذين لهم علاقة بقضية السياحة تكون مهمتها استعادة المناخ السياحي في المدينة.
وإن كان من حقي أن أجتهد. فإنني أقول في مصر الستينيات كان يوجد برنامج اسمه: اعرف بلدك. كان يشجع بلا حدود فكرة السياحة الداخلية. وكان يركز علي المدارس والجامعات. حيث كانت مكافأة الطلاب الذين ينجحون في الامتحان رحلة إلي الأقصر وإلي أسوان. رحلات متقشفة تستخدم بيوت الشباب وتقوم علي أساس الحد الأدني. لكنها كانت تمكننا من رؤية بلدنا والارتباط بها.
نحن في أمس الحاجة لمشروع من هذا النوع. نتضافر جميعاً من أجله. وتقدم الدولة الإمكانات التي تستطيع أن تقدمها حتي لا تبقي الأقصر وغيرها من المدن التي تحيا علي السياحة في صعيد مصر بالصورة المأساوية التي رأيتها عندما كنت هناك.
ألمح اهتماماً من الدولة بأولادنا في الصيف. ومحاولة تقديم خدمات ثقافية لهم. وقد عقد وزير الثقافة، الدكتور عبد الواحد النبوي. اجتماعات من أجل خروج الفكرة للنور. وأنا أتصور أن سفر الشباب إلي الأقصر ثم أسوان بتسهيلات من الدولة. واستضافة من مراكز الشباب. يمكن أن يقدم حلاً للمشكلة. صحيح أنه ليس الحل الجوهري. أو الحل الذي نحلم به جميعاً. لكنه يخلق أمامنا واقعاً أفضل من الراهن الآن.
الأمر يتطلب تضافر مجموعة وزارات. ونحن في مصر يمكن أن ينجح كل منا بمفرده. لكن بمجرد أن نتعاون معاً. حتي تتوه المسئولية بين هذا وذاك. ولا يساوي النجاح الجمعي ما يمكن أن يتحقق من النجاح الفردي. لكن ما رأيته في الأقصر يؤكد أن الأمر ليس قضية مدينة ولا سكانها. بل هو يشكل جزءاً من مصير مصر.
لكل رحلة اكتشافها. واكتشاف الرحلة علي عبد الرحمن، وكيل أول وزارة الإعلام، ومستشار رئيس اتحاد الإذاعة والتليفزيون. لا تعنيني مناصبه. لكني توقفت أمام وعيه وإدراكه بماهية الإعلام ومستقبله وفهمه الواعي لما يجري في الإعلام، سواء ماسبيرو أو الإعلام الخاص. والمطلوب له حتي يؤدي دوره المرتجي في بناء مصر الجديدة.