إبراهيم سعده  - - بالسيوف والسواطير تمارس البلطجة القتل والإرهاب
إبراهيم سعده - - بالسيوف والسواطير تمارس البلطجة القتل والإرهاب


فى الذكرى الثالثة لرحيل صاحب القلم الجماهيري

إبراهيم سعده: « الإرهابى والبلطجى» وجهان لعملة إجرامية واحدة

عاطف النمر

الأربعاء، 15 ديسمبر 2021 - 05:34 م

عندما نحيى الذكرى الثالثة لرحيل كاتبنا الكبير إبراهيم سعده لابد أن نتذكر أنه صاحب القلم الجرىء الشجاع الذى حقق بكتاباته شعبية كبيرة جدا بين القراء، أنه كان أول من طالب فى مقال له بتطبيق قانون الطوارئ وقانون الإرهاب على «البلطجة والبلطجية» ومساواتهم فى العقوبة بمن يطبق عليهم قانون الإرهاب، وقد نشرت الصحف فى 17 أغسطس 2015 ما يدخل « البلطجة واستخدام العنف تحت طائلة قانون الإرهاب وكل من يستخدم القوة أو العنف أو التهديد أو الترويع بغرض الإخلال بالنظام العام وتعريض سلامة المجتمع ومصالحه وأمنه للخطر، وإيذاء الأفراد أو إلقاء الرعب بينهم وتعريض حياتهم وحرياتهم وحقوقهم العامة والخاصة وأمنهم للخطر.

لقد كان راحلنا الكبير سباقا فى التنبيه والتحذير من سوء عاقبة التهاون مع البلطجة التى هزت المجتمع فى أكثر من واقعة دموية مؤسفة كان آخرها حادث البلطجة الذى مارسه مجرم بالإسماعيلية انتهى بمشهد مروع عندما فصل رقبته عن جسده وسار بها فى الشارع أمام المارة فى عز الظهر، لقد أصبح العنف لغة تلعب فيها السيوف والسنج والسواطير والمطاوى دور البطولة القذرة فى البلطجة وإرهاب الآخرين..

فتعالوا بنا نقرأ من جديد المقال الذى كتبه راحلنا الكبير عن «البلطجة» و«الإرهاب» من واقعة حقيقية.

أحياناً.. يكون المال نكبة، وبالذات عندما يصبح من يملكه عبداً له، فيصاب بالعمى وينسى ما تربّى عليه فى بيته، وما تعلمه فى مدرسته أو جامعته، فإغراء المال وبريقه كثيراً ما يفقدان عبيده التقدير السليم لتصرفاتهم، وأفعالهم، عندما يحدث هذا للبعض، فلا شىء يصبح مهماً بالنسبة له غير حبه للمال، وعشقه لتكديسه، وولعه وولهه للحصول عليه بأى وسيلة مشروعة كانت أو غير مشروعة، وفى بلد مثل مصرالذى يستمتع فيه المواطن بكل حقوقه وكل حرياته يكون إغراء الصعود إلى القمة قوياً لدرجة يفقد البعض القدرة على الاحتفاظ بتوازنه واتزانه، ويمكن أن يتحول بسرعة وببساطة شديدتين من «متحضر» إلى «بلطجى»، وما سمعناه وقرأنا عن قيام البعض بأعمال «البلطجة» وتأجير الصيع والفتوات فى تصفية الخلافات بين الشركاء فى بعض المشروعات الاستثمارية، قد يكون غريباً وجديداً علينا فى مصر، ولكنه بالقطع ليس بالجديد ولا بالغريب على أوروبا وأمريكا التى يكثر فيها أصحاب الثروات الكبيرة عندما يحاول بعضهم المحافظة على ملايينه ومضاعفتها بكل الطرق المشروعة وغير المشروعة، بما فيها الاعتداءات، والتصفيات التى تتم بين المنافسين والخصوم ! .


وسبق أن عانينا طويلاً من الإرهابيين الذين استخدموا العنف بهدف إفزاع الشعب، وفرض أفكار ومعتقدات وخزعبلات خاصة بهم ينسبونها زوراً وبهتاناً إلى الدين الإسلامى السمح، وكأن العنف الإرهابى وحده لا يكفى، إذ فوجئنا بعنف آخر يمارسه فقراء وأثرياء لا يتورعون عن توظيف «قتلة بالأجر» لضرب وتكسير عظام، وقتل كل من يحاول الوقوف فى طريقهم، أو يجرؤ على حماية ضحاياهم من ضرباتهم وعنفهم ووحشيتهم، وتفاصيل الحادث الإجرامى قرأناها فى الصحف، وكيف أن خلافاً نشب بين الشركاء فى شركة إعلانات لم يمكن حله بواسطة المحاسبين والقانونيين، وهو الإجراء الطبيعى المعتاد لحسم مثل هذه الخلافات، إنما تولى «البلطجية» و«القتلة بالأجر» القيام بهذه المهمة كما تعلموها فى مدرسة المشاغبين التى كانت مثلهم الأعلى فى طفولتهم وشبابهم، وكانت النتيجة مفزعة وبالغة السوء، ويكفى أن هؤلاء « البلطجية » تصدوا لرجال الشرطة واعتدوا عليهم بلا أدنى احترام لهيبة الدولة ولا لسطوة القانون، ويكفى أيضاً أن مواطناً شريفاً حاول التدخل لإنقاذ أحد أفراد الشرطة من أيدى «بلطجية» شركة الإعلانات، فأشبعوه ضرباً وطعناً..

حتى أسلم الروح !.


ما هى جريمة هذا الشاب المسكين حتى تغتاله يد «البلطجة» الممولة، والمحرضة، من شركة إعلانات كنا نتصورها شركة محترمة، وماذا فعل الشاب القتيل لهم ؟!..

الواقع أن الشاب أحمد لم يفعل أى شىء يستحق عليه الضرب أو الموت، بل على العكس من ذلك كان يجب أن يوجه إليه الشكر العميق من كل من كان شاهدا على الواقعة، وكل من سمع بعد ذلك عن الموقف النبيل الذى وقفه «أحمد» خلال المعركة مع فتوات وبلطجية شركة الإعلانات، وأكد شهود العيان فى أقوالهم أمام النيابة العامة أن أحمد «الكوافير» كان يعمل داخل محله المجاور لشركة الإعلانات عندما سمع أصوات الضرب والاقتحام التى هزت المنطقة السكنية هزاً، فخرج من محله، شاهد البلطجية يحاصرون ويطاردون أحد ضباط الشرطة بملابسه العسكرية، تدخل الشاب الطيب واقتاد الضابط لداخل محله لإنقاذه من البلطجية الذين انطلقوا لمطاردته وصمموا على الاعتداء عليه حتى يلفظ أنفاسه الأخيرة، هذا ما فعله الشاب الطيب الذى وجد أن من واجبه كأضعف الإيمان أن ينقذ الضابط من القتل عن طريق إخفائه داخل محله، ولكن ما تصوره «أضعف الإيمان» اعتبره «بلطجية» شركة الإعلانات جريمة الجرائم التى يجب ألا يفلت مرتكبها من أشد العقاب عندما ترك «البلطجية» ضابط الشرطة الذى كانوا يطاردونه وتفرغوا لأحمد الذى اعتبروه «متطفلا» يجب تأديبه بأسلوبهم غير الآدمى فأشبعوا جسده النحيل طعنا بالخناجر فى صدره وبطنه ليتدفق الدم على الأرض حتى أسلم الروح تحت سمع وبصر وذهول العديد من شهود الجريمة البشعة !


إن الذى يهمنى فى هذه الكارثة أنها لو تم التهاون فيها سوف تتكرر وتتحول إلى ظاهرة إذا لم نسرع إلى ضرب هؤلاء «البلطجية» الجدد بيد من حديد، ومع تزايد عدد الأثرياء الذين أثروا من العدم وأصبحوا فى يوم وليلة من أصحاب الملايين التى يتوهمون أنها أعطتهم الحق فى استخدام القوة لتصفية الخصوم، وتحدى كل سلطات الدولة..

بلا استثناء، وجريمة «البلطجة» تعطينا مؤشرا خطيراً جداً لما يمكن أن يلجأ إليه بعض الذين أثروا بلا حساب وهذا الفزع فى حد ذاته هو الذى يدفعنا دفعاً إلى مطالبة كل السلطات التشريعية والتنفيذية والأمنية بدراسة تنوع ظاهرة البلطجة، أملا فى التوصل إلى تشريعات وإجراءات وإقرارات فورية وحاسمة تتصدى لها وتمنع تكرارها وانتشارها، ولست بالطبع من المتحمسين لتشريعات وقيود جديدة وغير عادية تحد من حركة وحرية المواطنين، ولكن أمام جريمة «البلطجة» التى تنوعت أشكالها نضطر إلى المطالبة بالأخذ بهذه التشريعات وتلك الإجراءات الاستثنائية، فمثلا..

لا أعتقد أن هناك من سيعترض على قيام وزير الداخلية باستخدام قانون الطوارئ للقضاء على ظواهر «البلطجة» بالأخذ بقانون التصدى لجماعات الظلام والإظلام من الإرهابيين الذين كادوا أن يشعلوا بلادنا ناراً، لولا يقظة أجهزة الأمن المصرية ونجاحها المبهر فى تصفية ومطاردة أفراد تلك الجماعات الإجرامية، ومن المؤكد أن ظاهرة «البلطجة» لا تقل خطورة عن ظاهرة الإرهاب والإرهابيين، الذين لا هم لهم غير الخروج على القانون الذى يؤدى إلى نسف أمن البلد وزعزعة استقراره، وترويع شعبه، بغض النظر عن أسماء، أو تصنيف نشاطات هؤلاء الخارجين على القانون، والمشجعين والمحرضين على انتشار «البلطجة» داخل مصر، ولا فرق فى رأيى بين من يسمى «الإرهابى» ومن نصفه «بالبلطجى» فالاثنان مجرمان خطيران ووجهان لعملة واحدة.


إبراهيم سعده  ..من كتاب «مقالات ساخنة» 

إقرأ أيضاً|كاتب سبق عصره.. الذكرى الأولى لرحيل برنس الصحافة «إبراهيم سعدة» 

 

 

 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة