لن أتحدث هنا عن الإسراف في المصروفات الحكومية. ولا عن الجهات التي خرجت من الحد الأقصي للمرتبات مثل القضاء والشرطة والخارجية والبنوك والله أعلم إيه تاني. آه. المستشارين في الجهات المختلفة الذين لهم معاشات مقررة من قبل في جهاتهم السابقة أو منتدبين من جهات أخري. لا يعنيني هذا كله ؟ فالدولة علي خطي النظام السابق لكن هذه المرة بتأييد شعبي كما قال لي سائق تاكسي ضاحكا بمرارة. زهقنا من الكلام في هذه المسألة وفي الضرائب التي خفضتها الحكومة إلي 22 ونصف في المائة بعد أن كانت ثلاثين ،والخمسة في المائة التي اقترحها رجال الأعمال لثلاث سنين لكن الدولة قالت لهم عيب ولا سنة كفاية اللي انتم فيه!. أعيد القول بأنه لا يعنيني هذا كله. لكن ماحدث يوم السبت والأحد والإثنين الذي اكتب فيه هذا المقال دليل كبير جدا أيضا علي أن الدولة مليانة فلوس.والمسألة ببساطة أني ذهبت إلي أحد مكاتب الشهرالعقاري. مكتب منشية البكاري بالجيزة. وهو مكتب صغير قيل لي إنه قد تبرع به صاحب المعهد الأزهري القريب منه للمصلحة. الموظفون قليلون لكنهم طيبون جدا ومحترمون جدا حقيقة ، يصبرون علي الناس ويوضحون لهم كل شئ في أدب جم. لقد كان هذا المكتب من قبل يعمل يدويا لكنه الآن صار يعمل الكترونيا ،ومن ثم نظامه أجمل. رغم صغره تشعر باتساعه لذوق موظفيه وسلوكهم الجميل. ذهبت مبكرا وأخذت رقم ثمانية. يعني لا تأخير. لكن قبل أن ينادي عليّ رئيس المكتب الذي يعمل بنفسه سقط سيستم الأجهزة. لم تعد أجهزة الكومبيوتر تعمل. انتظرنا ساعة ولم يعد السيستم. ساعتان ثلاث اربع والرجل رئيس المكتب يقوم بالاتصال ولا تعمل الأجهزة. إنصرف الناس واحدا وراء الآخر إلي مكاتب تعمل يدويا وهي قليلة ومؤكد سيكون عليها زحام قاتل. لم يعد أمامي إلا الإنصراف لأعود في اليوم التالي. أخذت رقم تليفون أحد الموظفين لأتاكد من عودة السيستم قبل الحضور. عرفت أن السيستم واقع في كل مكاتب الشهر العقاري في مصر من الشمال إلي الجنوب باستثناء كما قلت المكاتب اليدوية التي لا تذكر. يوم الأحد اتصلت صباحا ولا عودة للسيستم واتصلت الساعة الثالثة والسيستم لم يعد. قلت اتصل في الغد يوم الاتنين. للأسف نسيت موبايلي في تاكسي والسائق ما صدق. إتصلت به بعد دقائق لكنه أغلق الموبايل. الغبي لم يهتم حتي بأنه موبايل قديم لن يبيعه بأكثر من عشرين جنيها ولو أعاده اليّ كنت سأعطيه ما لا يتصوره.. ليس مهما انني تعبت في استعادة وتسجيل الأرقام لكن المهم أني لم أتصل بالشهر العقاري لأعرف هل عاد السيستم أم لا لليوم الثالث. أخذت طريقي يوم الإثنين إلي شهر عقاري يدوي وأنهيت مهمتي. أثناء جلوسي وجدت الجالسين جميعا يتحدثون كيف يسقط سيستم الشهرالعقاري ثلاثة ايام. قلت ضاحكا هو لسة ما رجعش ؟ قالوا لا. أصل الدولة بتحب الخسارة. وسألني أحدهم تري يا أستاذ كم مليون راحت علي الدولة الآن؟ قلت علي الأقل خمسين مليونا. قالوا جميعا تحيا مصر.
وسؤالي هو كيف يمكن لمصلحة أن تتحمل ذلك. لو كنا في حالة حرب مثلا كنا قلنا قنبلة نزلت علي السيستم. لكن ماهي الشركة المسؤولة عن ذلك وكيف تعتمد عليها مصلحة تمتد في كل أنحاء مصر مثل الشهر العقاري. سيقولون صيانة ضرورية رغم أنها مفاجأة وهذا تعمد لا معني له إلا أن مصر مش محتاجة. تحيا مصر الغنية.